الخليج بين فك إيران والمتغيرات الطارئة
لو رجعنا إلى الوراء قليلاً فإننا سنجد حوادث جِسام ضربت منطقة الخليج فكل عشر سنوات تتعرض منطقة الخليج لحادث جسيم يستنزف المقدرات ويشتت الجهود والرؤى , فالإطاحة بنظام الشاه في إيران وقيام الجمهورية وحرب الخليج الأولى والثانية والثالثة وعمليات مكافحة الإرهاب داخل دول المنطقة والصراعات السياسية بين الدول على مناطق النفوذ السياسي خارج الحدود السياسية والجغرافية والمتمثل في صراع السعودية وإيران على مساحة النفوذ داخل إيران وسوريا والعراق واليمن وبعض البلدان العربية والإسلامية وبروز أصوات التطرف ومليشيات التطرف والدموية المذهبية والسياسية داخل الدول وعلى حدودها أيضاً حوادث جٍسام أزدادت تضخماً مع هبوب رياح الربيع العربي قبل أربعة أعوام والتي تسببت في خلط الأوراق وبروز ملفات معقدة على السطح جعلت من الحشد الإعلامي والطائفي والمذهبي وإستعراض القوة المسلحة الرسمية والغير رسمية " المليشيات والحركات المدعومة " وسائل وأدوات يشاهدها المتابع بشكل يومي ويتفاعل مع نتائجها بشكل سلبي أو إيجابي وباتت تلك الوسائل والأدوات مادة يومية سائغة المذاق !.
إيران شرطي المنطقة هكذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا تعدها منذ أيام الشاه والنظام الملكي , وأستمر الإعداد بعد سقوط الملكية بشكل دقيق لينسجم مع طموحات الطبقة الحاكمة التي تسعى لتصدير تجربتها الثورية وإسلامها السياسي بشقه الشيعي للعالم أجمع عبر وسائل وأدوات على الرغم من استنزاف موارد الأمة الإيرانية ومقدراتها المختلفة .
إيران دولة تعيش على أنقاض إمبراطورية فارسية قديمة وتعيش في ظل طموحات مستقبلية توسعة فهي تقف مع الأقليات خارج حدودها وتضطهد الاقليات العرقية والمذهبية والدينية بالداخل الإيراني تقمع الحراك الداخلي وندا سلطان ليست الوحيدة التي قتلتها السلطة الحاكمة بإيران والثورة الخضراء 2009م لن تكون الأخيرة فالشعب الإيراني بمختلف طبقاته وأطيافه الدينية والمذهبية والعرقية يناضل من أجل الحقوق والحريات والكرامة والثروة الوطنية التي ذهبت لمشاريع توسعية وصراعات سياسية داخل المنطقة ولم تذهب لجيوب الطبقة الفقيرة والمقدرة بـ60% من الشعب الإيراني , الشعب الإيراني لا يتوقف عن نضاله رغم القسوة والدموية التي يتعرض لها من النظام الحاكم وأنصاره وتلك حالة فريدة بحاجة للدراسة والتعمق والتأمل أيضاً .
دول الخليج العربي كما تٌسمى اليوم أو الفارسي كما تسمية إيران وبعض كٌتب التاريخ وقعت بين فك إيران وسندان المتغيرات الطارئة التي ضربت المنطقة , دول الخليج تعلم أن الصراع بين الغرب وأمريكا من جه وإيران من جه أخرى صراع صوتي , فإيران ظاهرة صوتية في العلن تجاه الغرب لكنها تعمل بالخفاء لتحقق مصالحها المختلفة والتي من بينها المفاعل النووي السلمي والعسكري , دول الخليج أيضاً تعمل بشكل منفصل لحماية مصالحها ومناطق نفوذها المختلفة , إيران ودول الخليج والعالم أجمع يٌدرك أن الصراعات والمواجهات المباشرة لا يمكنها تحقيق أي نصر مهما كانت الوسائل المستخدمة سواءً العسكرية أو الاقتصادية او المذهبية أو الشعارات الدينية لكن يمكن أن تتحقق بعض المكاسب المؤقتة التي لا تصمد طويلاً أمام المتغيرات وموازين القوى المتغيرة , إيران لا تريد المواجهة المباشرة ودول الخليج كذلك رغم وجود بعض الأصوات المتناثرة والتي تصرخ طلباً للمواجهة المباشرة دون أن تدرك ان المواجهة المباشرة ليست بالسهولة كما يتوقعون أو كما يٌخيل لهم , إيران دخلت على خطوط وتواجدت بمناطق كانت عصية عليها لكنها استثمرت الربيع العربي للدخول والتغلغل فهي دعمت قوى نكاية بأخرى ودعمت أنظمة مقابل مصالح استراتيجية مؤقتة ودخلت من بوابة الأقليات والقوى السياسية الثورية التي لم تحسن دول الخليج التعامل معها بشكل جدي وواقعي .
في الأمثال العربية الكثير والكثير من الحكم من بينها بإمكانك اختيار صديقك لكن لا يمكنك اختيار جارك , مقولة صائبة وإيران جار جغرافي على الرغم من الاختلافات الكبيرة والكثيرة , والتعامل مع الجار يكون من منطلقين التعاون لتحقيق التعايش والمصالح والقوة لكيلا يظن الجار بأن الضعف هو السمه البارزة والطاغية , إيران استثمرت حراك الشعوب واستثمرت الاقليات السياسية والمذهبية التي كانت وماتزال تعاني من التهميش في المنطقة العربية والخليج خصوصاً وذلك ذكاء إيراني أصاب البعض بصدمة لم يكن يتوقعها , الأقليات المضطهدة تقدس من يقف معها في مطالبها ويساعدها بأي وسيلة ممكنه والتاريخ القديم والحديث شاهد على ذلك , الخليج كدول تعاملت مع ملف الأقليات المذهبية والدينية والسياسية والفكرية داخل مجتمعاتها بنوع من التمييز والعنصرية والقسوة أيضاً وتعاملت مع الأقليات الدينية والمذهبية والسياسية بالمنطقة العربية وفق قاعدة أتبعني وليس وفق قاعدة تعاون وفق مبادي عليا فكانت النتائج وقوع تلك الأقليات الدينية والمذهبية والسياسية بأحضان إيران التي تقدم الدعم المالي والسياسي والإعلامي الكبير رغم الفوارق الشاسعة بينها وبين بعض الأقليات والأسباب التي دفعت إيران لسلوك طريق الدعم الشامل سياسية استراتيجية بحته ذات نتائج كبيرة على مختلف الأصعدة والمستويات .
الصراع بين إيران ودول الخليج صراع سياسي على مناطق النفوذ وعلى النفوذ والقوة , ودول الخليج مشتتة كل دولة تعمل بمعزل عن الأخرى وتلك معضلة أصابت الخليج بالضعف والتخبط في الفترات السابقة , الصراع السياسي صراع لا يتقد بأخلاق أو مبادي فكل الوسائل يمكن استخدامها سواءً السياسية والمالية والعسكرية والمذهبية والطائفية والدينية والشعارات الهلامية الخ والنتائج كارثية إذا حدثت المواجهة بشكل مباشر وهذا ما يحاول الساسة تجنبه قدر الإمكان طالما بقي المجال مفسوحاً أمام خيارات أقل كلفة من المواجهة المباشرة .
دول الخليج بين فك ايران وفك المتغيرات الطارئة فتعزيز الجبهة الداخلية عسكرياً واقتصاديا وسياسياً وتنموياً واجتماعيا ووطنياً عبر تعزيز المشاركة الشعبية والإصلاحات المرنة وتحقيق المساواة والعدالة وسيادة القانون وتعزيز المواطنة لكل فرد مهما كان انتماءه المذهبي وصيانة قيم المواطنة والوحدة الوطنية عوامل تجعل من دول الخليج بموقف قوي متماسك يعزز من تواجدها ويعزز صمودها أيضاً , فتح نوافذ للحوار والتقارب مع ايران خطوة ثانية ودول الخليج قادرة على ذلك وعليها البدء بذلك فوراً فأمريكا والدول الخمس لم تنتظر موافقة دول الخليج عندما قررت فتح نوافذ الحوار مع إيران على دول الخليج البدء بذلك دون انتظار أحد فكل دولة تبحث عن مصالحها , على دول الخليج التفكير بخطوات جديدة فاعلة ومرنه تجاه إيران وتجاه غيرها من الدول والأنظمة التي تحاول الدخول على خط المصالح والاستقرار بالمنطقة العربية بشرط أن تكون الرؤى والجهود موحدة وليست مشتتة فالوحدة عامل قوة والشتات عامل ضعف يموت مع الزمن المتغير ,الذي ينقص دول الخليج حالياً ومن قبل هو توحيد الرؤى والجهود المرنة وعدم اهمال ملفات الداخل الوطني والقومي , فالذي جعلها عرضة لفك إيران وعواصف المتغيرات الطارئة هو الشتات والإهمال ؟
التعليقات (0)