قال صاحبى:لقد أقلقنى قولك -فى حديثنا الماضى-إن هناك من كبار الدعاة من لايختلفون كثيرا عن عوامهم.فكيف ذلك؟
قلت:لاتنزعج كثيرا فلو كان كل الحكام عادلين لما وجد الظلم ولوكان كل العلماء عاملين لصلحت الحال .ولكن-ياصديقى-يعرف
الرجال بالحق ولايعرف الحق بالرجال.والقرآن يحكى عن الميزان الأعوج لدى مشركى مكة"وقالوالولا نزل هذا القرآن على
رجل من القريتين عظيم"الزخرف31فهم يعرفون الحق بالرجال
وهذا وهم كبيريصنعه الأسماء الكبيرة والمناصب العليا.ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن زعيم قبيلة ولا صاحب رياسة.ومع ذلك فقد جاء بالحق المبين وكان خاتم النبيين "الله أعلم حيث يجعل رسالته"الأنعام 124فلا تخدعنك الألقاب ولكن انظر إلى اللباب.فهذا شيخ كبير فى أحد مساجد القاهرة يعلق على حديث أحد العلماءبتحريم التدخين فقال فى تبجح عجيب:فلان يقول
التدخين حرام .كيف وأنا أدخن؟
قال صاحبى:لاحول ولاقوة إلا بالله وهل هو من مصادر التشريع؟
قلت:لاتعجب فمن هذا الصنف كثير.وما عساك تقول فى كبار يحضرون الأحفال البدعية المملوءة شركا ومع ذلك لايكلفون أنفسهم مجرد النصح بتنقية تلك الأحفال من البع والمنكرات.بل كل حديثهم تمجيد للمقبوروشتم العلماء الذين يدعون إلى التوحيد الحق .وكم أتمنى أن يقدم هؤلاء حججا علمية تحترم العقول ولكن
هيهات .ويكفى أن أذكر لك أمثلة ثلاثة لكبار فى الظاهر صغارفى
الحقيقة حتى تكون على يقين أن الحق حق وإن قاله مغمور والباطل باطل وإن قاله مشهور.
أما الأول:فوكيل وزارة فى مصلحة الآثارسمعته يقول -فى برنامج إذاعى:(هل الصلاة فى مسجد ضخم فخم مثل الصلاة فى زاوية صغيرة؟طبعا لا)انظر إلى هذا(الكبير)كيف يقس الأمور؟ا
وماذا يقيس؟الصلاة التى تعنى الخشوع لجلال الله لالفخامة المكان
وأين تكون هذه المساجد الأثرية الباذخة التى أنفقت فيها أموال المسلمين بدون حق ووصل السفه ببانيها أن تقام عليها قباب من الذهب الخالص .أين هذه من المسجد النبوى الذى بنى من اللبن ثم جعل له سقف من الجريد على جذوع النخل؟ولاتقل لى :كانت هذه معارفهم وإمكاناتهم .كلا فقد كانوا يرون مبانى المعابد عند الفرس
والروم ولو كانت المسألة مسألة فخامة لبناه المسلمون بالذهب والفضة .ومع ذلك فقد أخرج هذا المسجد خير أمة أخرجت للناس.
أما المثال الثانى فهولرئيس محكمة كان يحدثنى عن رحلته إلى
لندن والتى زار فيها الكنيسة التى تشتهربناقوسهاالذى يزن عشرة أطنان من النحاس .وعندما يدق هذا الناقوس يقشعر بدنك من الخشوع على حد كلام (المستشار).قلت له:يا سعادة المستشارأنت
رجل عقل وبرهان لاتقيس الأمور هكذا.إن ماتقول عنه خشوع هو فزع من صوت عشرة أطنان من النحاس.إنه الفزع الذى يقتحمك من خارجك.أما الخشوع فسكينة تنبعث من داخلك فشتان شتان.
أما المثال الثالث فمصيبة المصائب وداهية الدواهى....
مفتى البلاد المصرية فى أواخر القرن التاسع عشر حدثت بينه وبين شيخ الأزهر خصومة فذهب يشكوه أتدرى إلى من شكاه؟
قال صاحبى:طبعا إلى ولى الأمر.
قلت:للبدوى.
قال:نعم ؟ للبدوى؟ااا
قلت:للبدوى.كتب قصيدة يذكر فيها ظلامته وأودعها صندوق النذور فى المسجد المذكور.
قال صاحبى:سبحان الله هذا شرك واضح .وكيف افتضح الأمر؟ا
قلت:من سوء حظ(المفتى) أن (أفندينا)قام بزيارة لطنطا وذهب إلى المسجد إياه فرأى صندوق النذور متخما بالأوراق فأمربإفراغ
محتوياته وكشفت الخيبة الثقيلة.وعزل(المفتى)الذى ذهب يستنصر جيفة ويعرض عن الذى يجيب المضطر إذا دعاه.
قال صاحبى:صدق من قال:(يعرف الرجال بالحق ولايعرف الحق
بالرجال).
قلت:وقد يكون الداعية مخلصا ولكن يفتقر إلى الوعى فيسىء وهو يظن أنه يحسن صنعا.
فقد أقيم بالميدان الرئيس فى ضاحية(أبى قير)بالإسكندرية سرادق
ضخم استدعى إليه أحد مشاهير القارئين(وأنا أضن بلقب القٌراءأن يتطاول إليه هؤلاء)وبدأ الحفل -الذى لامناسبة له-من بعد صلاة العشاء واستمر حتى مطلع الفجر-لاأبالغ-حتى مطلع الفجروكان
القارىء الشهيرالجهول يقرأ على فترات متقاربة فيشتعل الميدان
بصيحات المعجبين .وبعد الفجر سألت أحد منظمى هذا(الصخب)
المهووس :ما المناسبة؟قال:إعلاءكلمة الله وإثبات قوة الإسلام أمام عبدةالصليب.هذا جهاد فى سبيل الله.
ماذاتقول؟وكيف تفهم هؤلاء الجاهلين أن فعلهم أبعد ما يكون عن
الجهاد وإعلاء كلمة الله؟
إن الإسلام دين الذوق واللين والعقل لادين الصراخ والهوس ولو
حسن فهمهم لذهب كل إلى بيته وقام الليل بطوله فهذه هى التقوى.
قال صاحبى:على ذكر الصلاة فى جوف الليل أناعلى استحياءأن
أذكر أن فى نفسى شيئا من إذاعة صلاة التهجد فى رمضان على
الشاشات فهل أنا مخطىء فى هذا؟
قلت:أنا أضم صوتى لصوتك .ومع احترامى الكامل للقائمين على
ذلك وحسن الظن بهم إلا أنى أرى أن التقوى فى الصلاة فى جوف الليل إنما تعنى خلو الأحبة بمحبوبهم الأعظم بعيداعن الخلقوهذا مفهوم قوله تعالى:"تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة اعين جزاء بما كانوا يعملون"السجدة 16-17
لقد أخفوا عبادتهم عن الخلق قأخفى الله لهم مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.وما نالواتلك الدرجة إلا بإخلاصهم لله .فهل يبقى التهجد تهجدا بعد الإعلان وهتك الأستار؟
كنت أود أن يترك الركع السجود لربهم المعبود بعيدا عن مظنة الرياء.ثم إن الصلاة -عامة- علاقة خاصة بين العبد وربه فما لها
وللناس؟ولوكان الأمر أمر جهارة لأمر الله بأداءكل صلاة فى المساجد ولكن النصوص العديدة تدعو إلى غيرذلك"أيها الناس صلوافى بيوتكم فإن أفضل صلاة المرء فى بيته إلا المكتوبة"
حتى الصلوات المفروضة وهى خمس عشرة ركعة يكون الجهر فى ست ركعات منها.وقد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم الأذان على ظهر المسجد بينما الإقامة ليست كذلك.
قال صاحبى:وما دمنا نتحدث عن الصخب الدينى فماذا ترى فى
الطريقة التى نقرأ بها القرآن ونستمع بها إليه ؟
قلت:للشيخ محمد أبى زهرة-رحمه الله-كتاب قيم هو(المعجزة الكبرى)أفرد فيه فصلا عن قراءة القرآن وأشار إلى هذه البدع وحمل القارئين المصريين وزرها.وقد سبقه إلى ذلك القرطبى-
رحمه الله فى مقدمة تفسيره .فلا خير فى هؤلاء القارئين المرتزقة
ولاهؤلاء السامعين الذين لايراعون حرمة القرآن.
ومن (الصخب الدينى)مايفعله الجهلة من المتصوفة من الصياح فى أثناء ما يزعمون أنه ذكر الله والقفز فى الهواء والقيام والقعود
ويقول قائلهم هكذا أمر الله فى قوله"الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم"آل عمران191ثم لايجدون من العلماء من
يذكرهم بالحق.
قال صاحبى:يبدو أن ميدان الدعوة شاق.
قلت:بمقدار ما فيه من جبال البدع والأوهام التى تحتاجإلى جهود
دائبة دائمة مخلصة.وبمقدار ما هناك من علماءالفتنة المعوقين
للإصلاح والداعين إلى الخمول والخمود.وبمقدار ما هناك من وسائل الإعلام المتهالكة على التقاليد غير الإسلامية والمصرة على الكيد للإسلام وإظهاره بمظهر التخلف.
ومع كل هذا فالدعوة عمل جميل راق ممتع ويخفف من صعوبته
إخلاص الوجه لله وطلب ما عنده والعلم بأنه طريق الأنبياء.
نسأل الله حسن القبول وحسن التوفيق فهو وحده المسئول وعليه
التوكل .وهو الحسب ونعم الوكيل
التعليقات (0)