قال صاحبى:(المؤمن مرآة أخيه)أتؤمن بهذا القول ؟
قلت:قول حكيم بلا ريب,فالمؤمن ينصح أخاه ويستنصحه,فإن وجد
خيرا حمد الله ,وأن وجد غيرذلك تاب وأناب,ولكن ما مناسبة هذا القول ؟
قال:أرأيت إلى الجمع الذين كنت تحدثهم عن كفاية الإسلام لحل كل مشكلات العصر؟لقد سمعت من بعضهم مقالات أريد أن أنقلها
إليك ربما وجدت نفعا فى الرد عليها,قالوا إن العالم اليوم غيره من أربعة عشر قرنا ,فقد جدت أمور وأمور على المستوى السياسى والاجتماعى والاقتصادى,وأصبح الناس غير الناس,فأنى
يمكن لمجتمع اليوم أن يترسم خطى مجتمع الأمس الموغل فى القدم ؟وأين ذلك كله من طفرات العلم الحديث وما أحدثه من تغيير هائل فى كل الميادين حتى ميدان الأخلاق؟وأنى لقانون وضع منذ قرابة ألف وخمس مئة عام أن يستوعب حاجات عصر لم يخطر له على بال ؟ابل وعصور قادمة تحقق الخيال وتصنع المحال؟اا
قلت :ياصاحبى إن هؤلاء يقعون فى خطأ كبير من أول الأمر,ولو
انتبهواإليه لأراحواواستراحوا,إنهم ينسون أو يتناسون أننا نتحدث
عن دين ,وأى دين ؟عن الإسلام خطاب الله الأخير إلى البشر.
وفى هذه الحقيقة كل الأجوبة على كل التساؤلات .
إننا نتحدث عن منهج إلهى صادر عن خالق الإنسان ,وخالق الزمان والمكان ,فهل يصدر عن رب العالمين تشريع ناقص؟اا
إن خالق البشرجل فى علاه يعلم ما يصلحهم عبر الأزمنة والأمكنة ,وهو أعلم بتغير الأحوال والنفوس لأن كل ذلك فى قبضته "ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير "؟
يا صاحبى ,إن ما قالوه ليس بجديد ,فمتى كان العالم جامدا ؟ا
ومتى كانت الحياة مستقرة على حال؟وهل كان مجتمع مكة قبل
الهجرة مثل مجتمع المدينة بعد الهجرة ؟بل متى كان مجتمع مكة
والمدينة ذاتهما قبل الهجرة مثلهما بعد الهجرة ؟وأى بون شاسع
كان بين المجتمعات فى شبه الجزيرة العربية وبين المجتمعات فى بلاد فارس والروم ؟ااألم تكن الحاجات غير الحاجات والناس غير الناس ؟فهل قصر التشريع الإسلامى عن استيعاب متطلبات تلك
المجتمعات الجديدة ؟
قال:وهذا هو المدهش ,كيف استطاع التشريع القادم من الصحراء أن يفعل ذلك كله ؟اا
قلت :ذلك التشريع ليس قادما من الصحراء,بل من فوق من رب
الأرض كلها والمخلوقات جميعا ,وإن كان الذين حملوه إلى العالم
سكان الصحراء,وهنا تتبدى آيات الإعجاز والإنجاز فى جعل هؤلاء الأميين بقيادة النبى الأمى سادة العالم بما حملوا من قيم العلم والخلق والتطور,ولم يكن ذلك من صنع أنفسهم ولا عقولهم ولا تجاربهم ,فقد كانوا فقراء فى ذلك ,إنما هى نفخة البعث فى
كيانهم من روح هذا الدين ,فصاروا خلقا آخر,وعرضوا مقاييس
دينهم على حضارات العالم من حولهم ,فأبقوا ما يتواءم مع مبادئه
وأصلحوا ما أمكن إصلاحه ,وأهدروا ما يصادم قوانينه,وبذلك
وضعوا الأساس للتعامل مع كل جديد وكل بيئة فى أى زمان ومكان .
قال صاحبى :إذن السر فى طبيعة هذا الدين لافى الإنسان الذى
آمن به ؟
قلت :يا صاحبى وهل يعقل ذلك ؟ما قيمة المبادىء العليا إذا لم
يحملها أناس على مستواها ؟إن الأرض يعمرها بشر لاملائكة
والبشر هم المرآة التى تظهر فيها المبادىء,وتعيش وتؤتى أكلها
على أرض الواقع ,لقد نجحت دعوة الإسلام أن تحيى هؤلاء الناس من موات كانوا يتخبطون فى ظلماته ,وأن يشعل فيهم جذوة الحماس لهذا الدين الذى فهموه وأشربته أرواحهم فكانواخير
أمة أخرجت للناس ,فالسركامن فى مبادىء هذا الدين وفى أتباعه
كذلك ,ولعله من المفيد أن نذكر بأن الإنسان -فى نسخته الأصيلة-
هو الإنسان فى كل زمان ومكان ,ومطالبه هى هى مهما اختلفت
البيئات ,فأى إنسان يحتاج إلى مقومات حياته من غذاء وكساء
ومأوى وصلة بالنوع الآخر من جنسه ,وكل إنسان له أشواقه
الروحية وتطلعاته النفسية مهما كانت درجات ذلك كله .
فالثوابت الإنسانية قائمة باقية عبر العصور,والذى يتغير هى هذه
الأمور التفصيلية ,من المكملات والتحسينيات التى يقتضيها الزمان والمكان ,وهو ما لم يغفل عنه الإسلام بل حسب حسابه
وفتح أبوابه ,وكان لتشريعاته من المرونة الكافية التى تستوعب كل جديد ,دون أن تطغى هذه المتغيرات على أصل المنهج ,بل
تبقى أصالة المنهج ,وتتسع لكل جديد .
قال صاحبى :بالله عليك ,كيف استطاعت الشريعة الإسلامية حل
هذه المعضلة ؟
قلت :فليكن الحديث عن ذلك فى الحلقة القادمة .
التعليقات (0)