لا شك أن الكل متفق أن العالم العربي يعيش أزمتين الأولى أزمة الشرعية و الثانية أزمة التدبير و إن كانت هذه الأخيرة تطرح بقوة دون الأولى في الأنظمة الملكية و الأميرية العربية و هذا يفسر الدعوات الفايسبوكية التي تدعو إلى التظاهر و التعبير عن المطالب في البحرين و الأردن و المغرب ، كما أننا متفقين جميعا دون استثناء أن مجتمعاتنا تعيش فسادا و نهبا للأموال العامة و ظلما و حيفا اجتماعيا و تضييقا في ممارسة الحريات و تسلطا و قمعا و غيابا للقضاء و العدالة الاجتماعية و أن دعوات الإصلاح و إعادة تأهيل المجتمع و فتح أبواب الحوار و العمل السياسي و إشراك الجميع في البناء و التنمية باتت ملحة و ضرورية لكننا بالمقابل و من خلال قراءة المشهدين التونسي و المصري نطرح سؤالا أساسيا حول منجزات بين قوسين ثورة الياسمين و ثورة الفل بعد خروج الشعب من حاجز الخوف إلى فضاء التعبير و الحرية.
اليوم في تونس و من خلال الأحداث و الأنباء التي تتوارد علينا آخرها استدعاء احتياط الجيش لمواجهة التدهور الأمني مؤشر يبعث على القلق و الخوف فالوضع على ما يبدو يحتاج إلى سنوات من اجل إعادة حالة الاستقرار و الهدوء و استعادة الحياة الطبيعية ، تونس بن علي بالتأكيد ليست تونس الثورة بالأمس كنا نتحدث عن ديكتاتورية الحاكم لكن توجد دولة تفرض قرارها و استقرارها أما اليوم فإننا نتحدث عن ديكتاتورية الشعب الذي أصبح ينصب و يطرد من يشاء من المسؤولين في المؤسسات الإدارية و الإعلامية و الاقتصادية ضدا على القانون و النظام العام فيما يشبه قانون الغاب، الحرية التي كان ينشدها الشعب التونسي هي اليوم فوضى و عبث حتى غدت الدولة و أجهزتها عاجزة عن فرض قوانينها و إجراءاتها و هيبتها و عوض أن تعمل الثورة على الدفع نحو مستقبل أفضل أعادت البلاد إلى الوراء.لقد ظن قائد الجيش التونسي رشيد عمار عندما رفض إطلاق النار على المتظاهرين انه يحفظ الدولة و الاستقرار لكن مع توالي الأيام و الأحداث يبدو أن هذا القرار كان خاطئا و كانت خارطة الطريق التي أعلن عنها زين العابدين ين علي في خطابه الأخير بإطلاق الحريات السياسية و الحقوقية و الإصلاح الاقتصادي مدخلا لانتقال ديمقراطي سلمي و بناء لدولة الحق و القانون.
كذلك اليوم في مصر فعلى الرغم من استجابة النظام المصري للمطالب الشعبية و التي يمكن ملامستها على ارض الواقع في البدء بالإصلاحات الدستورية و السياسية من اجل انتقال سلس للسلطة و فتح قنوات الحوار مع كل أطياف المعارضة بما فيها تيار الإسلام السياسي و إعطاء زخم حقيقي لتحسين الحياة المعيشية و محاسبة رموز الفساد لكن دولة ميدان التحرير كان لها رأي آخر و هذا يعني أن الأزمة تتجه نحو الأسوأ و الفوضى مما ستضطر معه المؤسسة العسكرية للتدخل لوقف الانهيار و الدخول في المجهول فهل تعيد قيادة الجيش المصري خطأ المؤسسة العسكرية التونسية؟؟؟؟؟.
إننا نتفق جميعا على أننا نحتاج إلى أوطان نشعر فيها بالحرية و الكرامة و الحياة الكريمة أما إذا وجدنا أنفسنا أمام خيار الانتقال الديمقراطي الحقيقي في اطار الشرعية الديمقراطية و الحفاظ على الوطن و خيار إسقاط النظم و إشاعة الفوضى بدعوى الشرعية الثورية فإننا سنختار الوطن و لو سقط آلاف القتلى و ليس المئات فكثيرا ما افرزت الثورات نظما اكثر استبدادا و دموية و لعل الثورات التي جرت في فرنسا و روسيا و كوبا مثالا يجب اعادة قرائته.
التعليقات (0)