قلوب
حينما ابتُلى سيدنا يعقوب عليه السلام ذلك الابتلاء العظيم بفقد ولده المحبب الى قلبه سيدنا يوسف عليه السلام ما كان منه الا الاحتساب والصبر وكان صبر سيدنا يعقوب عليه السلام ليس كصبر الكثير منا وانما كان صبر من نوع خاص فكان وصفه له : (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ وللمرة الثانية حينما فقد ابنه الاصغر ما وجد فى قلبه الا التشبث بهذا الصبر الجميل ..(قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعا إنه هو العليم الحكيم).. واستعارت السيدة عائشة رضى الله عنها ذلك الصبر الجميل حين اتهمت فى أقسى ما يمكن ان تتهم به امرأة وهو عرضها ،فكيف يكون ذلك وهى ام المؤمنين وزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن كان ردها لا أقول الا كما قال يعقوب :صبر جميل والله المستعان عما يصفون.)
فأى صبر هذا الذى يزين قلوب هؤلاء الصابرين ؟وكيف يحتويها فى أشد المحن وأقساها ،فيجعل ألسنتهم تقطر بأعذب الكلمات التى تدل على صفاء اليقين بالله سبحانه وتعالى؟.
انه احساس المؤمن بربه ..احساس غرس فيه أصحابه بذور المحبه فأثمرت زهور اليقين وحين تم حصادها فى قلوب صادقة تعطرت الزهوربعبير تلك القلوب فراح شذاها يسرى فى كل سمة من سماتهم حتى اصبح الجمال هو حديث النبض والفؤاد فاستحال الصبر لديهم الى ذلك الصبر الجميل).
وحين أكرم الله عبده سيدنا يعقوب عليه السلام وقر عينه _التى راح نورها حزنا _برؤية ولديه الحبيبن راحت زهور اليقين تتهلل فرحة فى هذا القلب الذى لم يضرب مثلا رائعا فى الصبر الجميل فحسب وانما ايضا فى التسامح مع من أساءوا اليه وكانوا سببا فيما عاشه من حزن وكرب سنوات طويلة .ولم يتوقف شذى ذلك العبير عند منح خلق التسامح لمن اساءوا اليه وانما دعاه ايضا ان يستغفر لهم فكانت اجابته على طلبهم.
( قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين ( 97 ) قال سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم ( 98 )
ولا عجب، فصاحب المحنة بل المحن التى تنقل فيها من محنة شديدة لمحنة أشد ما كان منه الا ان عفا عن اخوته الذين اساءوا اليه أشد اساءة.
فدعا لهم دون ان يطلبو دعاءه بمجرد اعترافهم بذنبهم وكأن احترامه لهم فرض عليه الا يتركهم يصلوا الى مرحلة الاعتذار
( قالوا تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين ( 91 ) قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين ).
وحين ظهرت براءة ام المؤمنين من فوق سبع سماوات لم تعاتب ولم تخاصم وهى القوية فى موقفها لكنها لم تخرج عن ذلك الجو الايمانى الذى نسج الصبر الجميل خيوطه.
.فانتقل قلبها الصابر المحتسب كالفراشة من زهرة الصبر عند المحنة الى زهرة الحمد عند النصر.
وهذا هو أباها .أبو بكر الصديق رضى الله عنه وأرضاه والذى اعتصره الالم طيلة المحنة فالتزم صمتا لا يدل الا على ذلك الصبر الجميل الحزين .
وحين أراد الله النصر لعباده الصابرين كان لابد ان يكون للأب وقفة غير عادية مع (مسطع) الذى أطلق هذه الشائعة.
والمتصور لأى أب فى مكانه أن يخرج الى الناس ليعلن براءة ابنته ولينتقم ممن أساء اليها أشد انتقام،ولكن هذا الأب الذى شاعت نبضات قلبه طيبة لم يضاهيه فيها أحد وهو من هو رفيق الحبيب وصديقه كان كل ما فكر فيه ابو بكر الصديق ان يقطع مساعدته المالية التى كان يساعد بها مسطع و الذى.
. كان فقيرا ويمت له بصلة رحم .أهذا كل ما انتوى ابو بكر فعله ازاء هذا الشخص الذى قذف ابنته بأبشع اتهام؟؟اهذا هو غضب قلب صديق الامة حين يغضب؟؟ قلب رقيق عاش فى رفقة الحبيب ,طهّره الله من كل حقد وكراهية ..قلب يحبه الله
ولكن الله عز وجل أراد منه الاكثر من ذلك .فأنزل الله فى كتابه بعد ايات البراءة ايات طالب فيها الصديق ان يعفو ولا يمنع معونته لمسطع ***(وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (النور:22).
ولم يملك صاحب القلب الرقيق الا السمع والطاعة لرب العباد دون مناقشة او تذمت أو حتى دهشة فتراجع عن عقابه الرقيق وأزاح الغطاء عن عطر الحب والخير بداخله حتى فاح منها اريج العفو عمن أساء اليه بل واستمر فى مساعدته .
هناك قلوب عرفت الله فأحبته ..صفت نفوسها فالتمست الاعذار وعفت عمن أساء اليها..وتلك قلوب يحبها الله.
وهناك قلوب أحبت فصفت وعفت ،لكنها وصلت ان زادت على ذلك بالمساعدة و الدعاء لمن أساء لهم وكأنهم اقرب المقربين ..وتلك قلوب يريدها الله.
فاذا كان من الصعوبة أن نصل بقلوبنا الى ما يريده الله.
فليس من المستحيل أن نصل بها الى ما يحبه الله.
التعليقات (0)