قراءه في انتخابات مجلس الشعب المصري 2010 ..
الإنتخابات البرلمانيه في مصر لها قواعد وتقاليد راسخه بين المرشحين لذلك فهي دائما ما تأتي كصوره كربونيه من سابقاتها لذلك أصبح الناس غير متحمسين أو مهتمين بها بالدرجه التي تشعرك بأن هناك إنتخابات سوف تجري عما قليل لإختيار نواب الشعب لخمس سنوات قادمه ..
ولكن هذه المره ربما تختلف عن سابقاتها نوعا ما ربما لكثره المرشحين وصراعهم المبكر والمرير , ليس للحصول علي ترشيح الناس وحبهم لهم ولكن للحصول علي ترشيح الحزب الوطني لهم ليكونوا مرشحي الحزب الوطني في إنتخابات 2010 , فقد بدأ الكثير من المرشحين التحرك والحملات مبكرا جدا فكانت المؤتمرات والجولات وتوزيع الوعود والهدايا والتبرعات والرشاوي الإنتخابيه وأيضا طوفان من اللافتات وإن تصدرتها اللافتات المضيئه وإكتسحت الأخري القماش ..
كل شيئ كان بشكل مكثف زائد عن الحد أنفقت خلاله أرقام رهيبه وكل هذا لم يكن من أجل تكوين قواعد جماهيريه مؤيده في الدوائر للأسف ولكن كان لإظهار صوره زائفه لدي قيادات الحزب الوطني التي ستختار مرشحي الحزب لهذه الدوره , وقد إتضح ذلك جليا عندما فتح الحزب الوطني باب الترشيح لأعضائه فتدافع المرشحون كالطوفان الهادر لتقديم أوراق ترشيحهم حتي أن بعض الدوائر قد خلت ممن يمكن أن يتقدم للترشيح مستقل بعد تقديم كل المرشحين أوراقهم للحزب الوطني ..
وبعد غلق باب الترشيح في الحزب الوطني هدء كل شيئ وتوقفت الحياه في الحملات الإنتخابيه في الكثير من الدوائر ترقبا لإعلان مرشحي الحزب, فقد أحجم الكثير من المرشحين عن إنفاق المزيد من الأموال خوفا من ضياعها في حال لم يأت بهم الحزب كمرشحين له بينما إستمر القليل منهم في الدعايه الإنتخابيه "المحدوده" مشيعين بين أنصارهم بأنهم قد أخذوا "الضوء الأخضر" من قيادات الحزب بأنهم هم مرشحوه المنتظرون بل والأعضاء الموقرون المنتظرون حتي أن بعض الناس البسطاء ذهبوا اليهم مهنئين بعضويه مجلس الشعب ..
وهنا يجب التنويه الي أمر هام وهو أن الحزب الوطني لن يسمح لأي واحد بأن يترشح للإنتخابات "مستقلا" ممن تقدم للحزب بأوراقه ولم يتم إختياره ليكون مرشح الحزب ولن يعلن أسماء مرشحيه الا في آخر يوم في الترشيح حتي لا يضرب أعضاء الحزب الوطني أعضاءه الآخرين الذين رشحهم ..
وهنا سوف يكون الحزب الوطني هو أكبر مصفاه لهذا الكم الهائل من الذين أعلنوا نيتهم للترشح وعرضوا أنفسهم للناس فمن بين عده آلاف تقدموا بأوراقهم للحزب سيختار الحزب 444 مرشحا بالإضافه الي 64 إمرأه فقط أما الباقي فلا إنتخابات لهم علي الإطلاق وحظ أوفر في مرات قادمه ..
وهنا يجب أن يتبادر الي الذهن سؤال ..
لماذا كل هذا التزاحم الرهيب للحصول علي ترشيح الحزب الوطني حتي من أناس ربما لم يدخلوا إحدي عتبات الحزب من قبل ..؟
لأن هناك إعتقادا راسخا لدي غالبيه الناس بأن من يفوز بترشيح الحزب الوطني يكون قد ضمن النجاح في الإنتخابات وأصبح عضوا موقرا في مجلس الشعب ..
بل وأكثر من هذا .. الإعتقاد بأن "الحكومه" هي حكومه الحزب بل وأنها تدير العمليه الإنتخابيه برمتها لصالح الحزب الوطني لينجح مرشحوه فقط ..
ولفظه "الحكومه" هنا هي مصطلح مصري يعني كل مؤسسات الدوله بما فيها مؤسسه الرئاسه بمعني أن كل مؤسسات الدوله تدور في فلك الحزب الوطني و"تُخَدم" عليه ..
وهو إلتباس رهيب علي الإفهام فالدوله ليست هي الحزب الوطني فقط والحكومه ليست حكومه الحزب وإنما العكس صحيح فالحزب هو حزب الحكومه ..
الحكومه أو الدوله بالمعني الأعم هي مجموعه كبيره من المؤسسات والأجهزه سواء التي تعمل بصوره علنيه أو تكون تابعه لمؤسسه الرئاسه التي تشمل الكثير من الأجهزه التي لا يعرف الناس أسماءها بالإضافه الي الوزاره ومجلس الشعب والحزب وكل هؤلاء يكونون معا منظومه متكامله إسمها مؤسسه الرئاسه أو أجهزه الدوله أو "الحكومه" كما يطلق الناس عليها مجازا ..
والحزب لكونه يمارس عملا سياسيا علنيا وله أحزاب منافسه فإنه لديه إعلامه الخاص بل والعام لذلك فهو واضح جلي للعيان أما باقي الأجهزه فهي لا تمارس السياسه بمفهومها الشعبي ولا يتناولها الإعلام ولا يوجد منافسون لها ..
فمثلا جهاز أمن الدوله وجهاز المخابرات وباقي الأجهزه القياديه والرقابيه والمحاسبيه ليسوا أحزابا في الدوله ولكنهم يعملون ضمن منظومه الدوله فلا تتناقل الجرائد ووسائل الإعلام ولا الناس أخبارهم ..
والحزب مثله مثل باقي الأجهزه له حيز يتحرك فيه وإن كانت الكثير من الإمكانيات تسخر له لكونه "حزب الحكومه" الا أنه أيضا يجب أن يعمل من خلال المنظومه وأن له أيضا خطوطا يجب أن لا يتجاوزها مثلما حدث مؤخرا عندما تجاوزت بعض القيادات الحزبيه تلك الخطوط وأعلنت بأن السيد جمال مبارك مرشح الحزب في إنتخابات الرئاسه القادمه , وهنا خرج السيد صفوت الشريف بتصريح واضح مؤداه أن الرئيس حسني مبارك هو مرشح الحزب الأوحد في إنتخابات الرئاسه القادمه , ليصحح بذلك مسار تلك القيادات ولتعي بأن العمل يكون من خلال المنظومه ولا يجب تخطي الحيز المسموح به , لتتوقف بعدها تماما تلك الأطروحات ..
نعود مره أخري الي إنتخابات 2010 والتي يجزم الكثيرون بأن الحزب الوطني سوف يدفع ويُسخر "الحكومه" لتتدخل بإمكانياتها وبمختلف أجهزتها لصالح الحزب الوطني وبالتالي هرول الجميع الي الحزب الوطني طالبين ترشيحه فهو الجواد الرابح “بمفهومهم” ..
فلو سلمنا جدلا بهذا الطرح ..
فالحزب الوطني سوف يقدم قائمه بمرشحيه بها 444 مرشحا و64 مرشحه لمقعد المرأه .. هل سينجح مرشحو الحزب جميعهم في الإنتخابات بنسبه 100% ..؟
نحن تخطينا زمن إستفتاءات ال 99.9 % بمراحل لذلك فهو أمر غير مقبول ولا مستساغ علي جميع المستويات سواء داخل مصر أو خارجها .. فلفظه الأغلبيه الكاسحه تلفظها الديمقراطيه حتي الزائفه منها أيضا تعافها ..
إذا بالتالي سيكون للحزب الوطني الأغلبيه "النافذه" وهي ما يتراوح نسبتها بين 65 الي75 بالمائه أي ما بين 290 الي 333 عضوا و 40 الي 50 عضوه ولن تتجاوز هذا العدد علي الإطلاق ..
وهنا أيضا ومع كثره ضغوط المعارضه وملاله الناس من رتابه بل وخلو قاعه مجلس الشعب المستمره من حضور الأعضاء الا في جلسات الإجراءات فإن الحزب سيكون مضطرا هذه المره للدفع بوجوه جديده لا لمجرد تغيير الوجوه ذرا للرماد في العيون ولكن وجوه جديده لديها القدره والوقت والكاريزما للعمل التشريعي وبالتالي فالأعضاء الحاليون سوف يخضعون للتقييم الجدي الا من إستطاع منهم سبيلا للنجاه ..
أما باقي الأعضاء والذين تتراوح نسبتهم ما بين الربع والثلث فلن يكونوا من فرسان الحزب الوطني .. فمن أين ستأتي الحكومه بهم ..؟
التكهنات .. قيادات أحزاب المعارضه وبعض مرشحي الإخوان وإن كان عددهم هذه المره سيتقلص كثيرا "إن لم يقاطعوا الإنتخابات" ثم المستقلون والذين سيكونون الكتله الثانيه بعد الحزب الوطني في المجلس والذين أيضا سيتم إنتقاؤهم بعنايه من تلك النوعيات التي تحمل فكرا وتكون قادره علي العطاء والعمل السياسي ..
وإذا كان هذا الطرح هو ما تبذل كافه أجهزه الدوله قصاري جهدها الآن للوصول الأمثل إليه فهنا فقط سوف يكون مجلس الشعب القادم مختلفا تماما وسوف تشهد مصر نشاطا برلمانيا وتشريعيا مختلفا تماما سوف يغير الصوره النمطيه التي إكتسبها المجلس لدورات خلت ويرفع من أسهم "الحكومه" كثيرا لا في نظر الشعب فحسب ولكن سيكسبها إحتراما خارجيا أيضا ..
أما لو خابت التكهنات وجاءت العمليه الإنتخابيه مثل سابقتها وأصبحت تكرارا لها وإحتل أثري أثرياء مصر واجهتها النيابيه فإن النتائج سوف تكون بأسوأ مما يمكن أن يتوقع أحد ..
مجدي المصري
التعليقات (0)