قال تعال في سورة النحل : " والله خلقكم ثم يتوفاكم ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم بعد علم شيئا إن الله عليم قدير " [ النحل : 70 ]
وقال تعال في سورة الحج :" ... ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا" [ الحج : 5 ]
وأنا هنا لن أتعرض لتفسير عبارة ؛ " أرذل العمر " ، وحيث أفاضت فيها العديد من كتب تفسير القرآن الكريم ؛ سواء للمفسرين المتقدمين أو اللاحقين . ولكن سأركز هنا ، وفي هذا المقام ــ وهذا ربما ما لم تتعرض له جل كتب التفسير ــ فقط في لفظ ؛ " ومنكم " .
ويجب أن نلاحظ وندقق بداية أن في كل لفظ ــ بله في كلمة وكل حرف من أحرف القرآن الكريم ــ وسوف يذهلنا ويقودنا ذلك ، وفي ذات الوقت ، إلى حقيقة الإعجاز القرآني حتى في كل جزئية من جزئياته ، أو ، وكما أسلفنا من قبل ؛ و في كل حرف من حروفه ، والذي نزل في مجمله ــ أي القرآن الكريم ــ على خير البرية وسيد الخلق والأنام سيدنا محمد بن عبد الله ؛ صل الله عليه وسلم ، النبي الأمي العدنان . وهنا ، ومن هنا فقط ــ والله ورسوله أعلم ــ تأتي المعجزة الثانية في حقيقة الأمر ، والتي ربما قد أخذت بكل ، أو على الأقل جل ، الألباب ، وهي أمية سيدنا ونبينا المصطفى صل الله عليه وسلم .
ووجه الإعجاز هنا ــ والله ورسوله أعلم ــ مدى دقة وإعجاز وفصاحة وبيان اللفظ القرآني وفي كل المناحي ــ سواء كانت لغوية ، أو تاريخية ، أو تأريخية ، أو علمية ــ وحيث لا يتناسب كل ذلك مطلقا ــ وبأية مقاييس بشرية ــ مع أمية سيدنا ونبينا المصطفى صل الله عليه وسلم .
وحتى لو لم يكن نبينا المصطفى صل الله عليه وسلم أميا فحتى العديد من الحقائق العلمية التي تحدث عنها القرآن الكريم لم تكن معروفة في عهده . وهنا ، ومن هنا بالذات ؛ تتضح حقيقة ومغزى المعجزة الإلهية المّنزلة على سيد الخلق والأنام النبي الأمي صل الله عليه وسلم .
إذن فدقة التصوير البلاغي في أياي القرآن الكريم من جهة ، وما ذكر من حقائق تاريخية وتأريخية وعلمية في هذا الكتاب المكنون ؛ والذي لا يأتيه الباطل من بين يديه أو من خلفه ؛ القرن الكريم، من جهة أخرى ، هي في ذاتها معجزة ربانية ، ومعجزة النبي الخاتم في ذالت الوقت ، وكفى بها معجزة وإعجازا في ذات الوقت .
وعندما نأتي إلى لفظ ؛ " ومنكم " والذي قد ورد في السورتين والآيتين المختلفتين الآنفتين عاليه ، فسوف يتبادر إلى ذهننا فورا ؛ السؤال ؛ وهل منا من لم يرد إلى أرذل العمر ، طالما أن اللفظ ؛ " منكم " في حد ذاته يستبعد ، وتلقائيا ، طائفة منا أيضا لن ترد إلى تلك المرحلة من العمر ، والتي هي أرذل العمر ــ خاصة إذا كان القانون الإلهي ، وفي مراحل العمر المختلفة ينطبق على الجميع ولا يستثني أحدا ..؟!
نعم منا ــ وكثيرين جدا ــ لم ولن يردوا إلى مرحلة أرذل العمر ، وهم كل من ماتوا في حقيقة الأمر ، وبكل ببساطة قبل بلوغ تلك المرحلة ــ والتي قد حددتها جل كتب التفسير بين الثمانين والتسعين ..!
ومن هنا سوف يدخل في طائفة المستثنون من مرحلة أرذل العمر كل من مات مثلا في مرحلة الطفولة ، أو الشباب ، أو الشهداء ، وغيرهم ، وكل من لم يصل إلى تلك المرحلة من العمر وكما أسلفنا .
وتبقى إذن المعجزة الإلهية في اللفظ القرآني ــ وكما في كل ألفاظ القرآن الكريم الأخرى ــ والتي قد نزلت على سيد الخلق ؛ النبي الأمي صل الله عليه وسلم ، خالدة خلود القرآن الكريم ذاته ، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، خاصة في قوله تعال : " ومنكم " ــ أي ليس كلكم ــ يرد إلى أرذل العمر ، في سورتي النحل والحج . والله ورسوله أعلم .
مجدي الحداد
التعليقات (0)