العلم أم المعرفة.. أيهما الهدف؟
بقلم: خليل الفزيع
مازال التسليم بأهمية العلم قائما إذ به تتقدم الشعوب وتحقق انتصاراتها في جميع المجالات, لكن هذه القناعة يعتريها احيانا بعض الارتباك, لأن العلم سلاح ذو حدين, يمكن استخدامه للخير وهذا هو العلم النافع, كما يمكن استخدامه للشر وهذا هو العلم غير النافع.
الذين اخترعوا القنبلة الذرية, والذين اخترعوا أدوات الفتك والدمار الشامل, إنما ولجوا هذا العالم من باب العلم الواسع, وبدلا من استخدام علمهم في خدمة الناس وبدلا من استغلاله لخير البشرية, نراهم وقد شذوا عن سواء السبيل, وانحرفوا عن رسالة العلم المتوخاة لإضافة كل ما يسعد البشرية ويصلح من شأن الدنيا, ويحد من التشوه الذي يسود العالم, وهو تشوه امتد من النفوس الأمارة بالسوء إلى كل ما هو موجود على وجه البسيطة.
وقد يكون المتعلم غافلا عن المعرفة بالأهداف والغايات التي يمكن أن يصل إليها بعلمه, وجاهلا بما يمليه عليه هذا العلم تجاه نفسه وتجاه الآخرين, من هنا يأتي التخبط في مسيرة الفرد الذي لا يدرك ما ينطوي عليه علمه من معطيات يمكن أن يستغلها لصالح نفسه ولصالح غيره, هذا إذا كان العلم نافعا في الأصل, أما إذا كان هذا العلم من النوع الذي يجنح بالإنسان إلى الضلال.. فالنتيجة معروفة مسبقا, حيث تنعدم الفوائد وتتأكد الاضرار سواء على المستوى الخاص أو المستوى العام.
من أجل ذلك كان التأكيد على المعرفة والوعي بما ينطوي عليه العلم من محاذير في بعض جوانبه.. المجرمون يتعلمون ارتكاب خطيئة الجريمة ضد غيرهم، والسفاحون يتعلمون كيف يدمرون مجتمعاتهم, وكذلك اللصوص والإرهابيون والقتلة والمتآمرون.. إنما يتعلمون أبجديات هذا الانحراف ليصبح سلوكا يعرفون به فيما بعد.. إنهم لا يولدون بهذه الصفات البشعة, إنما يكتسبونها بالتعلم والتعود والممارسة, حتى تتأصل في نفوسهم, وتقضي على نوازع الخير وبذور الفضيلة التي يتمتع بها كل إنسان إلى أن تمحوها نوازع الشر, وتدمر معها كل ما هو إنساني وجميل ورائع في الحياة.
الحرص على العلم من أوجب الواجبات, لكن ما هو أهم من ذلك هو حسن اختيار هذا العلم, ثم معرفة مسئولياته, وما قد يترتب عليه من التزامات أدبية ومادية تجاه النفس وتجاه الغير, وإذا كانت مراحل التعليم العام والعالي تحرص على العلم النافع, فإن هناك بؤرا تعلم الشر, ومحاضن ترعى الفساد, كل ذلك باسم العلم الذي ظلموه عندما ساقوه عنوة لخدمة الأغراض والغايات المشبوهة, ولأن المستهدفة هي الأجيال الجديدة التي تشكل صيدا سهلا لمن يقف وراء كل ذلك, فإن التيقظ المطلوب والتحصين اللازم يأتيان من التربية السليمة, ويتحققان من الرعاية الواعية للأبناء حيث لا إفراط ولا تفريط في التربية بعد الأخذ في الحسبان مخاطر هذا الزمان.
أن نتعلم فهذا جميل, ولكن الأجمل أن نحسن اختيار ما نتعلم مما تتطلبه حركة التنمية, وما تقتضيه ظروف ومتطلبات الحياة الحرة الكريمة, وما نستطيع الإسهام به في تقدم البشرية ورقيها, بعد أن أصبح عالم اليوم على هذا المستوى من التلاحم الذي تقتضيه المصالح المشتركة لكل الأمم والشعوب, وليس حسن الاختيار فقط هو المهم بل المهم أيضا هو الإحساس بمسئولية هذا الاختيار, وما تقتضيه هذه المسئولية من وعي وإدراك لأمانة هذا العلم وفوائده, وبغير هذا الإحساس يظل العلم حتى وان أحسنا اختياره مجرد وسيلة لاستمرار الحياة, وليس وسيلة للإسهام في صنعها وفق شروط العصر ومقتضياته.
إذا أدركنا الفرق بين العلم والمعرفة, فقد أدركنا كيف يكون دورنا فاعلا وإيجابيا تجاه الذات والآخر.
التعليقات (0)