الخدمات الجماهيريه ..
وسط الكرنفال الجميل الرهيب للافتات الدعايه الإنتخابيه لمرشحي مجلس الشعب بمختلف أحجامها والتي تتراوح بين لافته بعرض الشارع "أيا كان عرضه" وحتي لافته بحجم واجهه عماره ضخمه وبألوانها التي تجاوزت عدد الوان الطيف والتي غالبا ما يكون محتواها صوره كامله للمرشح وأسفلها أو أعلاها أو حتي بجانبها بضع كلمات تختلف في مضمونها من مرشح لآخر ولكن أهم هذه الكلمات وأكثرها علي الإطلاق والتي تمتلئ بها الغالبيه العظمي لللافتات هي عباره "رجل الخدمات" أو ما يعادلها مثل "خادم الجماهير" أو ما شابه ..
وهي العبارات التي تكاد تجمع عليها كل الدعايات الإنتخابيه في بر مصر بل ويعتقد الجميع أن لكلمه "الخدمات" مفعول السحر أو هي كلمه السر التي تنفتح لها أبواب البرلمان وهي بساط الريح الذي يحمل المرشح الي عضويه البرلمان ..
وهذا ما يدفعنا دفعا الي فتح ملف "الخدمات" والبحث بين دفتيه بكل جديه ووطنيه في محتواه المتضخم نوعا ما ..
فما معني كلمه "خدمات" وما معيارها ومقياسها وتأثيرها علي الأمن القومي والسلام الإجتماعي ووحده وترابط المكون الشعبي بل وأيضا تأثيرها علي الإنتماء الوطني ..
مدلول الخدمات ذو شقين أحدهما عام والثاني خاص
الشق العام للخدمات :-
وهو نوعيه الخدمات التي تستفيد منها الدائره كلها أو نسبه غالبه منها وهي إما خدمات حكوميه أو خدمات أهليه ..
والخدمات الحكوميه في مجملها هي المرافق العامه مثل الرصف والإناره ومياه الشرب والصرف الصحي .. الي آخره بالإضافه الي المشروعات الخدميه مثل المدارس والمستشفيات .. الي آخره
وكل هذه الخدمات تنظمها وزارات الحكومه طبقا لخطط موضوعه سلفا وطبقا لأولويات وميزانيات محسوبه طبقا للموازنه العامه للدوله وما يحدث هو أن يتدخل المرشح أو النائب بما له من نفوذ لدي مسؤولين وإستبدال أولويات أو ترتيب في هذه الخطط كنوع من إستعراض النفوذ أمام الدائره بحيث يتم البدء في مشروعات مفترض الا يتم البدء بها قبل إنتهاء مثيلاتها في دوائر أخري وبالتالي يحدث إرباك لخطط الدوله بل وإخلال الدوله ببنود عقودها مع شركات المقاولات المتعاقده معها والزامها بتغيير مساراتها عده مرات وهو ما يترتب عليه تأخير التنفيذ في كل مواقع العمل ولا تستطيع الحكومه مطالبه تلك الشركات بالإلتزام بما جاء في العقود من معدلات إنجاز وتواريخ تسليم وتشغيل لتلك المشروعات بل وتغيير الحكومه نفسها للكثير من بنود تلك العقود بما يرضي طومحات أو فكر نفعي شخصي لأحدهم .. كل هذا لأن أحدهم قد تدخل بنفوذه وغير مسار خطط الدوله ..
وهذا ما يؤثر بالسلب علي مصداقيه الحكومه وخططها ومشاريعها التنمويه أمام المواطن بل وربما يتعدي هذا بكثير الي العديد من المشاكل الأخري التي ترفع من رصيد عدم الإنتماء والكراهيه المجتمعيه الناتجه عن العقد النفسيه التي يصاب بها كل من يتأذي بهذا الجبروت ..
أما الخدمات الأهليه وهي الخدمات الطوعيه التطوعيه التي يقوم بها أهل الخير أفرادا أو جمعيات والتي تشمل الكثير من أعمال الخير مثل رعايه الأيتام وتزويج الفقيرات وإعاله المحتاجين .. الي أخره من أفعال الخير .. وهي أشياء يجب أن يترفع الإنسان عن الحديث عنها إن كان يبتغي الأجر والصواب من الله ولكن في مواسم الإنتخابات ينتشر عمل الخير الدعائي وبالتالي يسعد بعض المرشحين كلما توافد الفقراء والمتسولون عليهم لكونها من أكبر الدعايات ل "رجل الخدمات" وبالتالي يفتقد فعل الخير والتكافل المجتمعي المصداقيه والقناعه ويدفع بغير ذوي الحاجه الي إقتناص تلك الفرص التي تتكرر في مواسمها فقط وضياعها علي المحتاج الفعلي مما يرفع من درجات الإحتقان المجتمعي ويزيد من درجه الإحساس بالظلم الإجتماعي ..
أما الخدمات الخاصه :-
أو ما يمكن أن نسميه الوساطات بدون مواربه وهي ما يمكن أن نقسمه الي قسمين هما :-
1- وساطات للحصول علي حق مشروع لا يمكن الحصول عليه دون وساطه ..
2- وساطات للحصول علي حق غير مشروع أو إستلاب حق الغير بالوساطه ..
فالأولي هي تقاعس "متعمد" من الجهاز الإداري للدوله في تلبيه مصالح الناس المشروعه أو الحصول علي الحقوق وقضاء الحوائج والتي لا يتم إنجازها الا بالرشاوي أو المعادل لها وهو "الوساطه" ..
وهو الأمر الذي يدفع بالمواطن الي الرغبه في تحطيم كل شيئ وفقدان الإنتماء بل وتدمير أي إنجاز إن وجد
أما الثانيه وهي القفز علي حقوق الآخرين وإستلاب وظائفهم أو مزاياهم أو حقوقهم وإعطائها لآخرين لا يستحقونها علي الإطلاق ولكن تلك الوساطات هي ما يحسم الأمور وهو الأمر الذي يؤثر بالسلب علي السلام الإجتماعي والأمن القومي ووحده وترابط المكون الشعبي بل وأيضا علي الإنتماء الوطني مما يوجد مجتمعا مهترءا ممزقا من الداخل يشعر فيه من لا يستطيع سبيلا الي "رجل الخدمات" أنه مغبون .. أنه منهوب .. أنه يمكن بكل سهوله أن يفقد مزاياه وتعييناته وترقياته بل وربما أملاكه لأنه لم يستطع سبيلا الي "رجل الخدمات" بينما تدور كوكبه من الذين إستفادوا بخدمات "رجل الخدمات" الشخصيه والتي رفعت من شأنهم أو أعطتهم ما لا يستحقون وهم يعلمون تمام العلم بأن ما حصلوا عليه هو إستلاب لآخرين وبالتالي هم يدورون في فلكه ويصبحون أدوات له في كل موقع يتواجدون به لتتسع أكثر وأكثر دائره الخدمات "الغير مشروعه" وتتسع الهوه بين أصحاب الحقوق وبين الحاصلين علي الحقوق ليأتي يوما يصبح فيه السلام الإجتماعي والمكون المجتمعي في خطر محدق ..
وأخيرا أتسائل ويتسائل معي الملايين من أبناء مصر هل سيأتي يوم يتغير فيه مفهوم "الخدمات" لدي من ينوب عن الشعب ...
مجدي المصري
التعليقات (0)