يروى أن امرأة قالت للإمام /أبى حنيفة :ياإمام إنى أغزل وأتكسب من غزلى ولقد غزلت هذا الصوف فى ظل بيت رجل ظالم أيحل لى أن آكل من ثمنه ؟قال الإمام :لايحل لك .
وواضح أن غزل هذه المرأة حلال لاشبهة فيه ولكن الإمام وجد فى هذه المرأة نموذجا فريدا من البشر يجاهد فى سبيل الترقى فرأى أن يعينها على مواصلة الترقى لاأن يثبط جهدها .
ولا شك أن هذا الصنف من الناس نادر الوجود وواجب الندور ..هذا الصنف الراقى الذى لايرتاح حتى يعطيك حقك وزيادة ولايرضى إلا أن يرضيك ولو على حساب نفسه ...ويسعد بالعطاءبل يرى من يعطيه صاحب فضل عليه إذ مكنه من الفضل ..ويروى -فى هذا الصدد-أن شابا جاء إلى عمه الغنى طالبا العون فبكى العم فقال الشاب :أعتذر ياعمى لو علمت أن طلبى يبكيك ما طلبت قال العم :يا ابن أخى إنما أبكى لأنى أحوجتك إلى السؤال .
هذه المثل العالية النادرة قد تجد من يستخف بها ويتهمها بالتكلف والغلو ولكن الفرق بين تحرى الحلال والحرام وبين التكلف والغلو أن هذا التحرى فيما يخص حقوق الذات فهو لايريد أن يأخذ شيئا فيه شبهة ولو كانت قيد شعرة ويتحرج من أن يبخس الناس أشياءهم ولو قيد شعرة ..وانظروا-رحمنى الله وإياكم -لو كان مثل هذا الشخص تاجرا أو موظفا أو حاكما كيف سيكون الحال ؟لذا جدير بنا -إذا ما صادفنا مثلا من هذه المثل -أن نعينه ونكبره ونشد على يديه .
ولعل فعل الرسول صلى الله عليه وسلم مع من سب المرأة الغامدية رضى الله عنها بعد أن رجمت فى الزنا فقد قال فى حقها:"لقد تابت توبة لو قسمت على أهل المدينة لكفتهم "وهذه شهادة منه صلى الله عليه وسلم على صدق تحرى هذه الصحابية الفضلى لأعلى درجات التطهر رغم أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرخى لها العنان لعلها ترجع عن إصرارها على التطهر بالحد وتتوب فيتوب الله عليها .
إن وجود هذه المثل الرفيعة -على ندرتها-يثبت أن النفس البشرية فيها خير كثيروأنها -على ضعفها -تكمن فيها قوة قادرة على قهر حظوظ النفس المشروعة من أجل أفق أتقى وأرقى وأنقى .
التعليقات (0)