قرأت قصة مفيدة بعنوان ( فشل فيل ) و أردت ان أحكيها لكم لعل أحدا يستفيد منه .. فالإنسان مخلوق مبدع قادر على التفكير و الإبداع و النجاح و التغيير و إحداث نهضة إذا توكل على الله وتحلى بالإرادة و صدق النوايا و حسن الإسلوب خاصة و نحن في مرحلة دقيقة من تاريخ الأمة ...
عندما كان عمره شهرين وقع الفيل الأبيض الصغير في فخ الصيادين في إفريقيا، وبيع في الأسواق لرجل ثري يملك حديقة حيوانات متكاملة. و بدأ المالك على الفور في إرسال الفيل إلى بيته الجديد في حديقة الحيوان، و أطلق عليه اسم (نيلسون) ، و عندما وصل المالك مع نيلسون إلى المكان الجديد، قام عمال هذا الرجل الثري بربط أحد أرجل نيلسون بسلسلة حديدية قوية ، و في نهاية هذه السلسلة وضعوا كرة كبيرة مصنوعة من الحديد و الصلب ، و ضعوا نيلسون في مكان بعيد عن الحديقة ، شعر نيلسون بالغضب الشديد من جراء هذه المعاملة القاسية ، و عزم على تحرير نفسه من هذا الأسر ، و لكنه كلما حاول أن يتحرك و يشد السلسلة الحديدية كانت الأوجاع تزداد عليه ، فما كان من بعد عدة محاولات إلا أن يتعب و ينام ، و في اليوم التالي يستيقظ و يفعل نفس الشيء لمحاولة تخليص نفسه ، و لكن بلا جدوى حتى يتعب و يتألم و ينام ...
و مع كثرة محاولاته و كثرة آلامه و فشله، قرر نيلسون أن يتقبل الواقع و يتأقلم معه ، و لم يحاول تخليص نفسه مرة أخرى على الرغم أنه يزداد كل يوم قوة و كبر حجمًا ، لكنه قرر الرضوخ للواقع و ارضا بالمتاح حياة مكبلة .. بهذا استطاع المالك الثري أن يروض الفيل نليسون تمامًا ..
و في إحدى الليالي عندما كان نيلسون نائمًا ذهب المالك مع عماله و قاموا بتغيير الكرة الحديدية الكبيرة لكرة صغيرة مصنوعة من الخشب ، مما كان من الممكن أن تكون فرصة لنيلسون لتخليص نفسه ، و لكن الذي حدث هو العكس تمامًا ..
فقد تبرمج الفيل على أن محاولاته ستبوء بالفشل و تسبب له الآلام و الجراح ، و كان مالك حديقة الحيوانات يعلم تمامًا أن الفيل نيلسون قوي للغاية ، و لكنه كان قد تبرمج بعدم قدرته و عدم استخدامه قوته الذاتية ..
و في يوم زار فتى صغير مع والدته و سأل المالك :
هل يمكنك يا سيدي أن تشرح لي كيف أن هذا الفيل القوي لا يحاول تخليص نفسه من الكرة الخشبية البسيطة هذه ؟
فرد الرجل : بالطبع أنت تعلم يا بني أن الفيل نيلسون قوي جدًا ، و يستطيع تخليص نفسه في أي وقت ، و أنا أيضًا أعرف هذا ، ) و لكن روح الإنكسار و الشعور بالهزيمة و الخوف من الفشل و الرضا بالقليل و عدم الطموح و الشعور بالهوان ....) مشاعر و معتقدات سلبية تحطم أي إرادة للتغير و النجاح و المهم هو أن الفيل لا يعلم ذلك و لا يعرف مدى قدرته الذاتية فرضي بهذا الحال المهين ...
تلك هي كانت فلسفة حكام الكثير من حكام المنطقة الذين صور لهم خيالهم المريض أن شعوبهم جثث هامدة و أجسام بلا عقول و بشر بلا إرادة حتى أتاهم الطوفان و تزلزلت الأرض من تحت أقدامهم ... سبحان الله
ما هو المستفاد من هذه القصة ؟ معظم الناس تبرمج نفسها منذ الصغر على أن يتصرفوا بطريقة معينة و يعتقدوا اعتقادات معينة ، و يشعروا بأحاسيس سلبية معينة ، و يستمروا في حياتهم بنفس التصرفات تمامًا مثل الفيل نيلسون حتى أصبحوا سجناء حاضرهم و برمجتهم السلبية ، و اعتقاداتهم السلبية التي تحد من حصولهم على ما يستحقون في الحياة من عزة و كرامة ..
فنجد نسب الطلاق تزداد و في الارتفاع غالبا في الحديثي الزواج و بعض الشركات تغلق أبوابها و كذا الأصدقاء يتخاصمون و ترتفع نسبة الأشخاص، الذين يعانون من الأمراض النفسية و القلق و القرحة و الصراع المزيف و الأزمات القلبية ...
كل هذا سببه عدم تغيير الذات ، و عدم الارتقاء بالذات ..
و عدم التحلي بالإرادة الصلبة و العزيمة الصادقة على تحقيق التغيير المنشود و التطور المراد و الرفاهية و الكرامة التي يحلمون بها .....
حتمي و لا بد :
إن التغيير أمر حتمي ولا بد منه ، فالحياة كلها تتغير و الظروف و الأحوال تتغير حتى نحن نتغير من الداخل ، فمع إشراقة شمس يوم جديد يزداد عمرك يومًا ، و بالتالي تزداد خبراتك و ثقافاتك و يزداد عقلك نضجًا و فهمًا، و لكن المهم أن توجه عملية التغيير كي تعمل من أجل مصلحتك أكثر من أن تنشط للعمل ضدك ...
إن الفيل نيلسون كمثال ، تغير هو نفسه فازداد حجمًا و ازداد قوة ، و تغيرت الظروف من حوله فتبدلت الكرة الحديدية الكبيرة إلى كرة خشبية صغيرة ، و مع ذلك لم يستغل هو هذا التغيير و لم يوجهه أو يوظفه لمصلحته ، و لم يغير من نفسه التي قد أصابها اليأس ففاتته الفرصة التي أتته كي يعيش حياة أفضل ..
إن الله تعالى ـ قد دلنا على الطريق إلى الارتقاء بأنفسنا و تغيير حياتنا إلى الأفضل فقال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } [الرعد:11].
و رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد دلنا على الكيفية التي نغير بها أنفسنا ، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: و من يستغن يغنه الله و من يستعفف يعفه الله و من يتصبر يصبّره الله..
و قال صلى الله عليه وسلم : إنما العلم بالتعلم و الحلم بالتحلم ، و من يتحرر الخير يعطه ، و من يتوق الشر يوقه..
فكل واحد فينا من الممكن بل من السهل أن يتغير للأفضل ، و كلما ازداد فهمك لنفسك و عقلك أكثر كلما سهل عليك التغير أكثر و هذا ما تحرص عليه هذه الحلقات أن تمنحك أدوات التغيير لنفسك و لعقلك ، و لكن من المهم أن تتذكر دائمًا أن التغيير يحدث بصفة مستمرة ، و أنك إن لم تستطيع توجيه دفة التغير للأفضل فستتغير للأسوأ قال تعالى : { لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ } [المدثر:37].
فهو إما صعود أو هبوط؛ إما تقدم أو تأخر ، إما علو أو نزول .
و السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو كيف أغير من نفسي ؟
كيف أتحسن للأفضل ؟ إليك أيها الأخ شروط التغيير الإيجابي :
شروط التغيير ثلاثة :
الشرط الأول : فهم الحاضر :
الفرصة الخاصة بالتغير لا يمكن أن تتواجد إلا في وقتك الحاضر ، وهذا يعني أن الشرط الأول من أجل تحقيق تغيير مجدٍ هو أن ترى بوضوح أين توجد الآن و في هذه اللحظة لا تخفِ نفسك بعيدًا عن الحقيقة الراهنة ، فإذا كانت هناك بعض المظاهر التي لا تعجبك ، فبوسعك أن تبدأ بتخطيط كيفية تغييرها ، لكنك لو تظاهرت بعدم وجودها فلن تقوم بتغييرها أبدًا ، و لذا فكن صريحًا مع نفسك منصفًا في رؤيتك لها على وضعها الحالي ..
الشرط الثاني : لا تؤرق نفسك بالماضي :
إن الامتعاض بالأخطاء و الهموم التي جرت بالأمس أمر مفهوم ، لكنه من الخطأ أن تسمح للماضي أن يكون سجنًا لك ، و بذلك فإن الشرط الثاني للتغيير المثمر هو المضي بخفة بعيدًا عن الماضي . إن الماضي بنك للمعلومات يمكنك أن تتعلم منه ، لكنه ليس بالشرك الذي يسقطك في داخله .
فخذ ما تشاء من الماضي من فوائد و خبرات و معلومات ، لكن إياك أن تعيش في الماضي . أنت الآن شخص جديد أقوى بكثير من الماضي ، و أفضل بكثير من الماضي ، و استفدت من أخطاء الماضي فكيف تعيش فيه ؟
الشرط الثالث : تقبل الشك في المستقبل :
فكل شئ ضمن دائرة الإحتمال قال تعالى : { قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَ الأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ } [النمل:65].
و قال تعالى : { عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً } [الجـن:26].
إن المستقبل بالنسبة لنا أمر غيبي لا ندري ما الذي سيحدث فيه، و لكن هذا لا يعني ألا نضع الأهداف، و ألا نخطط لمستقبلنا من باب السعي و الأخذ بالأسباب و وضع أهداف جميلة قابلة للتحقيق ، هذا لا يعني ألا نتوقع ولا نتقبل الشك فيما قد يحدث لنا و للعالم حولنا لنكون على أهبة الاستعداد له ، فعلينا الأخذ بالأسباب المتاحة لنا ، وقد ادخر رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ نفقة أهله لسنة كاملة . و لذا فكي نحقق تغييرًا مثمرًا فإننا بحاجة إلى ترك مساحة للمجهول المشكوك فيه .. و على المرء أن يسعى و ليس عليه إدراك النجاح ... و التحلي بالتفاؤل و شرف المحاولة الجادة خير من الكسل و الشعور بالإنكسار .. و من سار على الدرب وصل ... و أنت على قدر حلمك فإن كان عظيما كنت كذلك فهيا نتحرك .. معنا نغير من أوضاعنا و نغير من أحوالنا ... مـعـا لـلــتـغـيـيـر نحو الأفضل .. علمت بأن كل شئ بإرادة الله فلا تخاف بشرا ولا فشلا و تحلى بروح الطموح و الأمل و التفاؤل و الإقدام لصنع تاريخ و مجد لك و رفعة مجتمع و نهضة أمه ... اسال الله ان يهبنا الإخلاص في القول و العمل و التوفيق في الدنيا و الآخرة ..... أشرف هميسة
التعليقات (0)