مواضيع اليوم

في ذكرى النكبة: مطالبة فلسطينية بخيارات جديدة

بلال الشوبكي

2012-05-16 14:44:42

0

   في ذكرى النكبة: مطالبة فلسطينية بخيارات جديدة  
   قراءة في خيار الدولة الواحدة لشعبين
   بلال الشوبكي  


 تنتشر في هذه الأيام مجموعة من الإعلانات الداعية لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على أساس دولة واحدة لشعبين. هذه الإعلانات لا تحمل أي تفصيل لماهية هذا الحل، فهي مجرد شعارات عامة لكنّها باتت مسموعة، كما أن ردود الأفعال على هذه الإعلانات كانت غاضبة وانفعالية معظم الوقت. وقد قام المنادون بحل الدولتين على حشد الجماهير لمناهضة هذه الفكرة، وشكّلوا مزاجاً عاماً ولا أقول رأياً يعتقد بأن حل الدولتين هو الحل الوطني الذي يحقق الطموح الفلسطيني فيما حل الدولة الواحدة لشعبين خيانة لا لبس فيها، وقد سخّروا إعلامهم للعمل ضد هذه الفكرة بشكل مثير للسخرية، كما أنّ قواتهم الأمنية أطلقت أيدي المراهقين لإحراق هذه الإعلانات في مشهدٍ يدلّل بشكل قطعي على أنّنا أبعد ما نكون عن الحقوق والحريات الأساسية.


إن السماح بتثبيت هذه الإعلانات من قبل الجهات المختصة، ومن ثم تجاهل الإعتداءات عليها، ليس له إلّا تفسير واحد، وهو أن هذه الجهات ومرجعيتها السياسية معنية بوضع الشعب الفلسطيني أمام خياران فقط؛ هما: حل الدولة الواحدة لشعبين أو حل الدولتين، فيتم تصوير الأولى على أنها خيانة وأن القائمين عليها مشبوهون ومرتبطون بقوى أجنبية وربما إسرائيلية، فيجد الفلسطيني نفسه مؤيداً بشكل تلقائي لحل الدولتين. وحتى نخرج من دائرة التأثير السلبية التي تفرضها السلطات الفلسطينية متعددة المرجعيات والأهداف سنحاول نقاش فكرة الدولة الواحدة لشعبين.


إن الفكرة بشكل عام ودون تفصيل وبناء على قاعدة أخف الضررين، لا شك أنّها أكثر إنصافاً للشعب الفلسطيني من حل الدولتين. لكن كما أشرنا فإن هذا الشعار عام ولم يظهر بعد من يتبناه من التيارات السياسية القائمة ولم تظهر أيضاً أي تحركات تدلل على ميلاد تيار سياسي جديد ليتبنى هذا الخيار. بناء على ذلك، فإنّه لا بد من البحث في أفكار المنظّرين لهذه الفكرة، فرغم حداثة الإعلان عنها إلا أن طرحها في الأدبيات السياسية الفلسطينية ليس بالجديد. في هذه القراءة، اخترنا مقاربة أحمد قطامش والتي يطرح فيها حل الدولة الواحدة كأساس لإنهاء الصراع كي نقدم نقاشاً نقديّا لها وقبل ذلك لمبرراتها، علّنا بذلك نوصل للقارئ أحد تفسيرات هذه الفكرة.


تجدر الإشارة ابتداءً إلى أن القراءة النقدية لرؤية قطامش في إيجاد حل جذري للقضية الفلسطينية، لا تنطلق من خلاف مبدئي حول خيالية الحل البديل دولتين لشعبين، وإنما من اتفاق على فكرة مؤداها أن هذه الأرض فلسطين الإنتدابية ليست سوى دولة واحدة، كما أنّها لا ترفض بشكل مطلق حل الدولة الواحدة لشعبين وإنّما تقدم نقداً لإحدى صورها التفصيلية قد يسهم في تكوين نقاش خلّاق يؤدي إلى تطوير الفكرة. قطامش أسهب في تعزيز مصداقية افتراضه بأن حلاً يقوم على تجزيء فلسطين إلى دولتين هو حل منقوص لا يرتقي إلى مستوى المعالجة الجذرية للواقع المعاش، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن الخيار البديل هو الدولة الواحدة التي أصّل لها في مقاربته.


على أيّ حال، فإن الاتفاق مع قطامش قائمٌ بشكل كامل فيما يتعلق بفشل حل الدولتين، لكن آلية صوغه لموجبات رفض الحل القائم على أساس الدولتين، تستدعي النقاش والجدل. ربما يكون النقد الموجه لقطامش نقداً تلقائياً لنهج ماركسي في استدعائه للتاريخ من زاويته الإقتصادية لتفسير واقع تتداعى عوامل أُخر لرسم ملامحه، وكما هو الحال دوماً في نقد هيجل وماركس، بخصوص تهميش العوامل غير تلك الاقتصادية في فهم الواقع، فإن جزءً من النقد الموجه لقطامش لا يأتي في سياق التناقض معه بخصوص إحالة الإشكاليات التي تعيشها فلسطين إلى بعد تاريخي وعوامل مادية، وإنما في اقتصار المعالجة على هذه العوامل دون غيرها.


مفيد هنا التعريج على نقاط الضعف المفاهيمية التي وقع في شركها قطامش قبل البدء في نقاش مسوغات الإدعاء بوهمية حل الدولتين، ومثالية حل الدولة الديمقراطية لشعبين. يروّس قطامش مقاربته تلك والمأخوذة من مؤلفه: "التسوية الجارية إدارة أزمة أم حل أزمة: رؤية جديدة" بـ "مقاربة لفهم وتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي". أدرك يقيناً أن الكاتب استخدم هنا كلمة تسوية في سياقها الظاهري دون معالجة لغوية تفرضها طبيعة مقالته الفكرية، فالكلمة المسقطة من دائرة العلوم القانونية والقضائية تشي دوماً بأن الحق ضمن دائرته النسبية أمر محل جدل، والجزم بأحقية أحد أطراف التسوية أمر غير وارد، وبإسقاطها على القضية الفلسطينية يصبح صاحب الحق من بين طرفي التسوية غير محدد، مما يستدعي حلاً يقوم على قاعدة أن الحق ملامحه لم تكتمل، فتأتي الإجابة غالباً لصالح الطرف الأقوى في معادلة التسوية.


أهمية اللغة، فيما تصنعه من دلالات، وخطورتها حين تكون الدلالات فكرية، فاستخدام كلمة التسوية ضمن صراع، تنبئ بأن التحليل سينطلق من مسلمة أن لا إجابة مسبقة بخصوص سبب الصراع، وهنا سيفتح المجال للقارئ الآخر، والآخر هنا المحايد من ليس طرفا في هذه المعادلة أن ينظر لطرفي الصراع من منظور واحد، دونما قدرة على تحديد العلاقة السببية في ظهور هذا الصراع.


إنصافاً لقطامش، توجب القول أن الخلل المفاهيمي الذي ارتأينا أهمية طرحه، لم يلق بظلاله على المعالجة، فما هي إلا سطور قلائل حتى أظهرت كلمات قطامش انطلاقه من أرضية تدرك أن الحق بمفهومه النسبي لا يمتلكه الطرف الإسرائيلي، وهذا يؤكد طرحنا بخصوص استخدام كلمة التسوية لدى قطامش دون بحث في مضامينها، التي قد تؤثر على مسار المعالجة الفكرية.


في مقدمته أشار قطامش إلى ثنائيات متناقضة كانت سبباً لظهور الصراع، وهي كذلك بالفعل، وفي هدي الإيجاز الذي تفرضه هذه القراءة يمكن الإشارة إلى أن الكاتب أصاب في تصويره للمشهد قبيل وأثناء الصراع، فحين نقول أن "شعبا" مع التحفظ يهودياً قد أتى إلى فلسطين، فإننا نقول ضمناً أن شعباً فلسطينياً قد هُجّرَ منها، وحين نقول أن هوية بدأت صناعتها بإمكانيات صهيونية، يفهم ضمناً أن هوية فلسطينية تُمحى بنفس الإمكانيات، وهنا العلاقة السببية تتضح، بحيث يتجلى العامل الكامن خلف الصراع.


في سياق إضاءة تاريخية لما عايشته فلسطين، يعود بنا قطامش إلى الوجود اليهودي في هذه الأرض، ملخصاً إضاءته في أن فلسطين دوماً كانت محل صراع، والصراع حسب قطامش وإن كان سياسيا في ظاهره، إلا أن الاقتصاد كان الغائب الحاضر دوماً، فالنكبة الفلسطينية عام 1948 ليست إلا صراعا بين عقلية رأسمالية أوروبية استعمارية وعقلية فلاحية تقليدية حسب قطامش.


وانطلاقة من قراءة التاريخ التي تفيد بأن أي نظام عنصري، لا يقوم إلا ويحمل بذور فنائه، وما الوجود الإسرائيلي بصيغته الحالية إلا نظاماً عنصرياً لا محالة سيتهاوى. كان قطامش قد أبدع حين وصف الجدال العربي فيما يخص القضية الفلسطينية أثناء القراءة التاريخية، بأنها تفريغ للجوهر أو جوهرة للفرع، كان وصفه هذا في إطار انتقاده لالتفات العرب نحو مرحلة ما بعد عام 1967 والبحث في حلول لها، مع أن حرب 67 ما هي إلا فرع لجوهر المشكلة عام 1948. قطامش ذاته وقع فيما عاب العرب به، فحين يشير إلى تهاوي إسرائيل كنظام عنصري، ضمنيا هو يكرس مقولته جوهرة الفرع بحيث تظهر المشكلة في عنصرية إسرائيل لا في وجودها، وبزوال العنصرية يصبح الوجود مباحاً.


في السياق ذاته الذي بين خلاله قطامش أن العنصرية لا محالة إلى زوال، يطرح مسوغات وصم الطرف الإسرائيلي بالعنصرية، ويتساءل مستدركاً "فهل تصمد العنصرية أمام وعي البشرية الذي تتلاقح فيه ثقافات تفضي إلى المزيد من الديموقراطية والعدالة الإنسانية؟"، كان مهما أن يبين لنا قطامش أين هو التسارع المتزايد في تطبيق الديمقراطية والعدالة الإنسانية؟ لا أظن عراقيا أو فلسطينيا أو صوماليا أو عدد ما شئت من بؤساء العالم يوافقه الرأي.

يشير أيضا في معرض حديثه عن سقوط إسرائيل كدولة يهودية، إلى أنها فشلت في تحقيق السلام والأمن لليهود، فهي حسب رأيه لم تشكل حلا للمشكلة اليهودية، يظهر بوضوح هنا وكأن قطامش مقتنع بأن وجود إسرائيل يأتي في سياق بحثهم عن حل لمشكلتهم التي عايشوها في أوروبا، وهنا تجدر الإشارة إلى خللين:
• أولا: قطامش يتناقض مع طرحه حين يشير بداية إلى أن قيام إسرائيل يأتي في إطار لعبة دولية حاكمها الاقتصاد، وما تعنيه فلسطين لكونها ملتقى القارات تاريخياً.
• ثانيا: يغفل قطامش أن المشكلة اليهودية ليست سبباً لوجود إسرائيل وإنما أداة لها، وكثير من المعالجات التاريخية تشير إلى أن زعماء اليهود في أوروبا كانوا معنيين بمزيد من الضغط على اليهود، كي يصبحوا ناضجين إلى فكرة الهجرة إلى فلسطين.


ينتقل قطامش من السياق التاريخي للمعالجة، إلى توصيف الواقع للتدليل على أن فكرة الدولتين مدخل كاذب لحل القضية الفلسطينية، توصيفه للواقع انطلق من عوامل مادية بحتة، هي الجغرافيا والديمغرافيا والاقتصاد. عوامل لا نشكك في أهميتها، لكن آلية عرضه لتلك العوامل لا تستند إلى أسس متينة تجبر الرأي الآخر على التراجع، فلو افترضنا مجازاً أني سألعب دور المؤيد لحل الدولتين في هذه السطور، سأجد ما أفند به أطروحات قطامش وبأدواته التاريخية ذاتها التي استعملها في تعزيز مصداقية تلك الأطروحات.


يشير مثلاً إلى أن جغرافية فلسطين الانتدابية، متناسلة من ذاتها متسقة بشكل يؤكد كيانيتها الواحدة. الجغرافيا عامل محدد لكثير من القضايا السياسة، لكن لو كان فعلا بمقدور الجغرافيا أن تمنع ميلاد كيانات سياسية جديدة، لما شهدنا الكثير من الدول العربية الحالية التي لا يظهر في حدودها أي تأثير للجغرافيا بقدر تأثير مسطرة المستعمر.


للديمغرافيا كلمتها أيضاً، يشير قطامش إلى أن تداخلاً سكانياً عربياً يهودياً ينفي إمكانية قيام الدولتين، بزعم أن عرباً فلسطينيين يقطنون أراضي 48، ويهوداً إسرائيليين يقطنون الضفة الغربية، وفي الطرح هذا نقد ونقض ليس لفكرة الدولتين فقط، وإنما لفكرة الدولة ذات الشعبين، فإذا كان العرب واليهود عاجزون عن الانسجام في إطار دولة في حدود 67 وأخرى في ما سواها، كيف لهم أن ينسجموا في دولة من البحر إلى النهر.


التشابك والتداخل الاقتصادي الذي ساقه الكاتب، مبيناً مدى تعقيده وإجهاضه لفكرة الدولتين، يبدو منطقياً إذا ما تجاهلنا انتباه دعاة حل الدولتين إلى تلك المسألة، فالمراقب للوضع الحالي الذي يتربع فيه حل الدولتين على عرش الأطروحات المحلية والإقليمية والدولية، رغم الرفض الشعبي لها كما يطرح قطامش، يدرك أن دعاة الطرح سالف الذكر يعون تماماً أهمية معالجة الوضع الاقتصادي وضرورة إعادة صياغته بما يضمن تمكين الكيان الجديد الوليد من الانفصال عن الاقتصاد الإسرائيلي، ليس لدواعي الاستقلالية، وإنما لتعزيز حل الدولتين بإحالة الاقتصاد الفلسطيني إلى امتدادات إقليمية، أو ضوابط دولية، تحرمه إمكانية التفوق على غريمه.


بعد طرحه للأسباب الثلاثة الرئيسة، ينطلق قطامش مؤسساً على نقض فكرة الدولتين، حلا على أساس دولة واحدة لشعبين في إطار ديمقراطي، وهنا لنا على قطامش الملاحظات التالية:
• أساس الحل لدى قطامش عودة اللاجئين إلى ديارهم، والعودة هنا تحمل ضمنا نيل الحقوق المسلوبة، ومن هنا تبدأ أطروحة قطامش بالتهاوي، فعودة اللاجئين ونيل حقوقهم تعني تلقائيا خروج الاحتلال من الأرض التي سلبوها، فكما كان قدومهم تهجيراً للفلسطينيين فإن عودة اللاجئين تعني عودتهم من حيث أتوا، وهنا لن تكون دولة لشعبين، وإنما دولة واحدة لشعب واحد.


• لو سلمنا جدلاً بأن فلسطين قادرة اقتصادياً على استيعاب الفلسطينيين واليهود، فإن تصوير المشكلة على أنها ديمغرافية أو اقتصادية أو جغرافية فيه تقزيم للحقائق، فالمسألة فيها من الأبعاد القيمية والوطنية والوجدانية ما لا تفسره المادة، ولو كانت المشكلة اقتصادية لسكن الفلسطينيون كندا، وتوطنوا في الأردن ولبنان. وماذا عن القضايا الرمزية لأي دولة كانت؟ ماذا سيكون نشيدنا الوطني، وعلمنا واسم دولتنا؟ قد نظنها أموراً سطحية، لكن حين الاحتكاك بها ستكون آثارها أقوى بكثير من مسألة اقتصادية أو ديمغرافية، فلننظر إلى العراق، لم نسمع بمشكلة حول آبار النفط بين سنة وشيعة وأكراد، بل نسمع في مشكلة ماهية الرموز العراقية، وآخرها العلم.


• طرح قطامش ليس بالجديد، فعزمي بشارة وإدوارد سعيد لهم من الأفكار ما يطابق رؤية قطامش في كثير من جزئياتها، لكن تلك الرؤية ما زالت عاجزة عن توضيح بعض القضايا من قبيل أن قادة إسرائيل والصهيونية لا تربطهم صلة بالديمقراطية، فكيف يُنتظر منهم أن يقبلوا الاحتكام لها؟ فالديمقراطية لها مخالبها، كما قال السادات. وإن كانت هذه التجربة سيكتب لها الظهور يوما، فهل هناك من الآليات ما يضمن أن لا يتحول أحد الشعوب في تلك الدولة المفترضة إلى سيد والآخر إلى عبد؟ لا أظن الفلسطيني بوضعه الحالي سيكون سيداً، والأقرب للواقع أن يتحول الفلسطيني إلى عامل في مشاريع المستثمر الإسرائيلي.

مجلة القدس المصرية




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات