قبيل بداية مباراة كرة القدم بين منتخبي الولايات المتحدة الأمريكية وسلوفينيا برسم منافسات المجموعة الثانية في كأس العالم بجنوب إفريقيا، ظهر على الشاشة مشجع أمريكي في مدرجات الملعب يحمل لافتة كتب عليها: " obama... Dempsey for president" (كلمة أوباما تم التشطيب عليها في اللافتة). وديمبسي هذا هو اللاعب الأمريكي الذي أحرز هدف التعادل في شباك الإنجليز خلال المباراة التي جمعت الفريقين قبل أيام.
قرأت اللافتة، ثم تساءلت مع نفسي: ماذا لو حدث هذا المشهد في بلد عربي؟. ما ذا لو بلغ إعجاب أحد المهووسين بالكرة أو بالفن مثلا إلى رفع لافتة مشابهة يضع فيها اسم رياضي أو فنان في مقام رئيس الدولة؟؟. طبعا فالمشجع الأمريكي كتب العبارة المذكورة لكي يظهر قيمة الكرة في توحيد العواطف وتأجيجها، وإظهار روح الإنتماء الوطني. و في منافسة مثل كأس العالم أصبح كل لاعب يسجل هدفا لبلاده بمثابة بطل قومي تقام له الأفراح. لكن التقاليد الثقافية تختلف باختلاف المجتمعات، وفي العالم العربي يمكن للجماهير أن تحتفل بأبطالها و رموزها كما تشاء، لكن الإقتراب من عتبات أولي الأمر أمر ممنوع. ولو قدر لأحدهم أن يفعل ما فعله هذا المشجع الأمريكي في بلاد العرب لما أكمل مشاهدة المباراة. فرجال المخابرات سيختطفونه بسرعة البرق من أجل استجوابه و إعادة تربيته من جديد حتى لا يتطاول على شؤون الدولة ، وإن كان ذلك من باب المزاح. ولو فعل هذا أي مواطن عربي بسيط لتمت متابعته بكل أنواع التهم، بدءا من تهديد النظام العام وانتهاء بتعريض أمن الدولة للخطر....
رئيس الدولة في البلدان الديموقراطية ليس شخصا مقدسا و لا يمتلك أية سلطة تجعله فوق المساءلة القانونية. وهو معرض مثل غيره من الشخصيات العامة في المجتمع لكل أشكال المحاسبة، ويمكن أن يكون مادة للاستهلاك الإعلامي و السخرية أيضا. وقد رأينا مؤخرا في إنجلترا كيف دفع " غوردون براون " رئيس الوزراء السابق الثمن غاليا بسبب كلمة طائشة التقطتها تسجيلات المصورين عندما وصف مواطنة انجليزية كانت تناقش برنامجه الإنتخابي بأنها " امرأة متعصبة ". وكانت هذه الكلمة كافية للإطاحة به عندما خسر الإنتخابات أمام غريمه زعيم حزب المحافظين " دافيد كاميرون ". فالمواطن في بلاد الغرب هو الذي يتحكم في القرار، وهو ليس مجرد أداة إنتخابية فقط، بل إنه فاعل أساسي في اللعبة السياسية وكرامته لا يمكن المساس بها. وكل الناس أحرار في انتقاد المؤسسة الحاكمة في حدود اللياقة طبعا. ويمكنك أن تقرأ نقدا لاذعا في الجرائد و المجلات للرؤساء و كبار الشخصيات السياسية والإقتصادية دون أن يكون ذلك مدعاة للتضييق على الحريات أو تكميم الأفواه. وكنت قد قرأت بهذا الشأن عبارة بليغة للرئيس الفرنسي الأسبق " شارل ديغول "، وكان حينها موضوعا كاريكاتيريا خصبا لصحيفة " le canard enchainé " التي كانت تطالع قراءها كل صباح برسم كاريكاتيري يصور ديغول بأنفه الضخم بشكل يبالغ في السخرية من مقام الرئيس. و رغم ذلك فقد أجاب لما سئل من طرف أحد الصحفيين عن معنى الديكتاتورية بالنسبة له، قائلا بدون تردد: " إنها فرنسا بدون لوكانار أونشيني ". بينما الأمر في العالم العربي هو على النقيض تماما، وحتى أصغر المسؤولين درجة يصعب انتقاده أو محاسبته فبالأحرى الرؤوس الكبيرة. وهكذا يتهافت أصحاب رؤوس الأموال و الأميين أيضا على التنافس من أجل الفوز بمقعد برلماني مريح بحصانته التي تمنع عنهم لغو الغوغائيين و تطلق لهم العنان للتصرف على أهوائهم... ولا أحد يستطيع أن ينتقد تصرفاتهم أو يصحح أخطاءهم.
ليست الديموقراطية مجرد اتخابات تعرض في الواجهة أو تعددية حزبية تتغذى أطيافها بنفس الشعارات و المواقف. إنها تقاليد راسخة في الوجدان العام، وهي ثقافة تتربى عليها الأجيال. و الذي تعلم في بيته أن يصمت حينما يتكلم الكبار لا يمكنه أن يمنع نفسه من السكوت عندما يتعلق الأمر بالكبار. محمد مغوتي.19/06/2010.
التعليقات (0)