لقد دُعِيَ نبي الله يعقوب بإسرائيل أي: عبد الله، ووهب الله له اثني عشر ولداً من أربع نسوة، وهم: راوبين، شمعون، لاوي، يهوذا، يسَّاكر، زَبولون، وهؤلاء من أمّ، ويوسف وبنيامين من أخرى، دان ونفتالي من ثالثة، ومن الأخيرة: جاد وأشير. فهؤلاء الإثنا عشر هم أبناء إسرائيل صلى الله عليه وسلم. واليهود هم أبناء يهوذا فقط، أي أنهم جزء من اثني عشر جزءاً من بني إسرائيل.
إن يهود اليوم يزعمون أنهم يتصلون بإسرائيل، وأستطيع أن أقول جازماً : أنهم لا يمتُّون إلى يهوذا و يعقوب بأدنى صلة، و إنما انتماؤهم للدين فقط الذي انتسبوا إليه.
إنَّ علماء الأجناس يُجمِعون على أنّ بني إسرائيل الذين تعنيهم التوراة هم مجموعة من سلالة البحر المتوسط بصفاتها المعروفة من سُمْرة في الشعر وتوسُّط في القامة وطول إلى توسُّط في الرأس. وقد اختلطوا مع الجماعات السابقة واللاحقة من عموريين وكنعانيين وغيرهم.
لقد عُثِر على قليل من الجماجم في فلسطين وخارجها تعود إلى عصر سليمان بن داود - عليهما السلام - وبعده تشير إلى سلالة البحر المتوسط، وأهم من ذلك رسوم وتماثيل قدماء المصريين والبابليين التي تحدّد كل الجماعات والعناصر في المنطقة ومن بينها بنو إسرائيل. وقد ظهرت ملامحهم لا تختلف عن ملامح العموريين والساميين. ومن هذا نفهم أنّ بني إسرائيل الحقيقيين هم سمر طوال الوجوه قصار القامة تقريباً، وهذه الصفات تنطبق على ما تقولها التوراة عنهم. وهذه الصفات ليست صفات من يدَّعون اليوم أنهم من بني إسرائيل. لأن بني إسرائيل قد انقرضوا ولم يبق منهم إلاَّ مجموعة واحدة موجودة حتى الآن وهم السامريُّون. فقد اتفق الباحثون على أنَّ هؤلاء ظلوا في فلسطين طوال التاريخ في عزلة تامَّة، وفي نقاوة لا شكَّ فيها، وصفاتهم تؤكّد حقيقةً بني إسرائيل ويقيمون في قرية من قرى نابلس، وعددهم اليوم لا يتجاوز المائتين، فهم يتجهون منذ القديم إلى الانقراض المحقق.
من هذا نعلم أن يهود اليوم ليس بينهم نقاوة جنسية كما يدَّعون، وإنما هم أتباع تلك الديانة التي حرَّفها أحبارهم وكاتبو تلمودهم. فهذا الأمر أصبح مؤكداً لدى مفكري الغرب، فيقول الفيلسوف الفرنسي (رينان): "إنَّ المغزى الأنثروبولوجي لكلمة يهود قد انتهى منذ أمد طويل." ويقول (دالي): " إنه ليس ثمّة بعد أي شيء كقضية جنس يهودي على الإطلاق." ويقول (رايلي): "ليس اليهود جنساً بل مجرد ناس بكل بساطة."
إن اختلاط اليهود بغيرهم من الشعوب لأمر مؤكد تذكره التوراة من زمن بعيد، كما تدلّ قصة (شمشون ودليلة) فدليلة فلسطينية وشمشون إسرائيلي، والتوراة تقول في سفر حزقيال: (أمُّك كانت حيثيّة وعمورياً كان أبوك).
والتاريخ يثبت أن كثيراً من بني إسرائيل فُرِض عليهم أن يتركوا فلسطين إلى أرض زوجاتهم الوثنيات. كما أثبت أيضاً تخلِّي كثيرين منهم عن ديانتهم في أثناء الأسر البابلي الذي استمرّ 140 عاماً.
ومن الأمور المهمة أنَّ كثيراً من نساء بني إسرائيل تمَّ بيعهنّ كَإماء، وأُخِذنَ إلى مقاطعة الراين كزوجات لجنود الرومان، وكثير من هؤلاء الجنود هجروهنّ عندما نُقِلوا إلى مواقع أخرى، فشبَّ أبناؤهم كاليهود. ومن الثابت تاريخيا تفشي ظاهرة التحوُّل والاختلاط قبل العصر المسيحي مباشرة، وفي قرونه الأولى. فحين تشتَّت بنو إسرائيل وجدوا أنفسهم أمام خيارين: إما أن يرتدّوا وثنيين، وإما أن يحتفظوا بدينهم ويتعرَّضوا للاضطهاد، وهناك، كما يقول (بيرجل): "أصبح الأغلبية وثنيين لأن من بين قبائلهم الاثنتي عشرة عشراً مفقودة). وفي حال التحوّل كان بنو إسرائيل يذوبون في الكيانات الجديدة. وكانوا في بعض الأحيان يدعون غيرهم للدخول في دينهم، كما ذكر المؤرخ اليهودي (جوزيفوس) أنّ يهود إنطاكية نجحوا كل النجاح في تحويل الكثيرين إلى عقيدتهم، وفي القرن الثاني الميلادي تحوّل عدد كبير من الوثنية إلى اليهودية. ومن الأمثلة التي لا تُنسى تحوّل كثير من أهل اليمن في عهد ذي نوّاس إلى اليهودية! ومع أنه لم يقل أحد أنّ يهود اليمن من بني إسرائيل إلا أن اليهود يحاولون في كل مناسبة أن يثبتوا أنهم أنقياء لم تدخلهم دماء غريبة. ويُكَذِّب ادعاءات اليهود القراراتُ الكَنَسية الصارمة التي أصدرها مجلس (توليدو) عام 538م و 589م بمنع زواج المسيحيين باليهود، مما يفسّر ظاهرة الزواج المختلط. والباحثون يفسّرون اضطهاد أسبانيا لليهود في القرنين الخامس والسادس أنه يرجع إلى نشاطهم التبشيري الخطير، وإلى انتشار زواجهم بالمسيحيين. فهذه الأدلة كلها تثبت قطعاً أن الذين يعيشون في فلسطين الآن من اليهود محتلون من شتّى البلاد، ولا تربطهم أدنى صلة ببني إسرائيل. ويثبت أيضاً أنَّ يهود اليوم في كل العالم أنهم ليسوا ساميين، باستثناء المائتين من أهل نابلس. فهم لا يرتبطون بأية رابطة كما ادّعى حاكم عربي أنهم أبناء عمومتنا، وهذا سفه أو لغو سياسي لا يستند إلى أي حقائق تاريخية أو علمية.
في ضوء ما قلنا يتضح أن بني إسرائيل الذين فضّلهم الله هم أولئك الأنقياء الذين لا وجود لهم اليوم. ولكي نعلم سبب تفضيل الله لهم نقول: إن الله تعالى لا يجامل أحداً، ولا يفضل جنساً على جنس؛ لأنه خالق الكل، ولكن الذين يؤمنون به أحب إليه ممن يكفرون، وقد كان سكان فلسطين في الزمن السحيق وثنيين فاسقين، كما قال الله تعالى لموسى وبعض أتباعه: ( سَأُريكُم دارَ الفاسِقينَ) [2] ، فسلَّط الله عليهم بني إسرائيل الذين كانوا الأمَّة الوحيدة المؤمنة في ذلك الزمان، فالله فضّل المؤمنين على الكافرين بغضّ النظر عن المسميَّات.
وقد فضّل الله تعالى بني إسرائيل على العالمين في زمانهم، وفضل منهم المؤمنين منهم ولعن من كفر، قال: (لُعِنَ الَّذين كَفروا مِنْ بَني إسرائيلَ عَلى لِسانِ داودَ وعيسى ابْنِ مَرْيَم ذَلِكَ بِما عَصَوْا وكانوا يَعْتَدونَ كانوا لا يتناهَوْنَ عن مُنْكَرٍ فَعَلوهُ لَبِئْسَ ما كانوا يَفْعَلونَ)[3] . فكلمة "الشعب المختار" التي يردّدها اليهود اليوم خرافةٌ. وإنما شعب الله المختار هو الشعب الذي يؤمن بالله الواحد الأحد، ويقيم تعاليمه على أرضه متمسّكاً بشريعة الله السمحاء التي لا تعرف الحقد والتعصّب.
ومن الإشارات الرائعة في تقرير العلاقة الإيمانية ما ذكره القرآن الكريم حكاية عن يعقوب صلى الله عليه وسلم: ( أَمْ كُنْتُم شُهداءَ إذْ حَضَر يعْقوبَ المَوْتُ إذا قال لبنيه ما تَعبُدونَ من بَعدي قالوا نَعبُد إِلَهَكَ وإلَهَ آبائِك إبراهيمَ وإسماعيلَ وإسحاق إِلَهاً واحِداً ونحن له مسلمونَ[4] . فانظر ماذا قرّر بنو إسرائيل؟ لقد اعتبروا إسماعيل صلى الله عليه وسلم أباً ليعقوب مع أن أباه من النسب إسحاق، ولكن علاقة الإيمان فوق علائق النسب والدم.
ولكن هناك شبهة أخيرة في هذا الموضوع، فالقرآن يقول: (وأَلْقينا بينهم العَداوَةَ والبَغْضاءَ إلى يومِ القِيامةِ كُلَّما أوقَدوا ناراً للحربِ أطْفَأها اللهُ ويسعَوْنَ في الأرضِ فساداً واللهُ لا يُحِبُّ المُفْسِدين)[5] فهذه الآية تقول أنهم باقون إلى يوم القيامة! والجواب: لو قرأتَ الآية من أوَلها لزالت الشبهة، فالآية: (وَقالتِ اليهودُ يَدُ اللهِ مَغلولَةٌ) الآية، فهي تتحدث عن اليهود لا عن بني إسرائيل. وفي سورة الأعراف يقول سبحانه: (وإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عليهِم إلى يومِ القِيامَةِ مَن يَسُومَهُم سُوءَ العَذابِ إنَّ رَبَّكَ لَسَريعُ العِقابِ وإنَّه لَغَفورٌ رَحيمٌ وقَطَّعْناهُم في الأَرضِ أُمَماً منهُمُ الصالِحون ومنهم دونَ ذلكَ)[6] . فهذه الآية وما بعدها قرّرت أن الله معذب اليهود إلى يوم القِيامة، و لعلّ صريح الآية الثانية (وقَطَّعْناهُم في الأَرْضِ أُمَمَاً) مما يثبت ما انتهى إليه الباحثون من اختلاط القوم بغيرهم، وضياع نقائهم المزعوم.
إذن، فالذين يحاربهم المسلمون قوم لا عراقةَ لهم ولا حقّ ولا تاريخ.
أجَل، هم شُذّاذ الآفاق، من كل حدب وصوب جاءوا غاصبين ، وكما غصبوا الأرض غصبوا التاريخ وأرادوا -مثلَ كلِّ دَعِيٍّ- أن يلتمسوا لأنفسهم نسباً بجمعهم شتاتهم، وأعانهم على ذلك قوم آخرون فقد جاءوا ظلماً وزوراً. ولكن الحقّ لن يخفى أبداً، فقد أظهره الله تعالى على أيدي المؤمنين والكافرين، وليس يزهق الباطل إلاَّ قذفُه بالحقّ (بَلْ نَقْذِفُ بالحَقِّ على الباطِلِ فَيَدمَغُهُ فَإذا هُوَ زاهِقٌ)[7] .
التعليقات (0)