على امتداد ثلاثة عشر عاما هى مدة دراستى لعلوم اللغة العربية فى الأزهر إضافة إلى الدراسات العليا كان تدريس اللغة العربية قائما على تقسيمها إلى فروع (نحو وصرف -بلاغة - إنشاء-خط- نصوص -إملاء-فقه لغة -أصوات ) وكانت الكتب المطروحة كتبا قديمة ترجع إلى القرن العاشر الهجرى ...كما كنا نكلف بحفظ (المتون ) فى بعض الفروع مثل النحو والصرف ...والمتون :هى ملخصات تجمع قواعد العلم فى ورقات قليلة ومن أشهر المتون :(متن الآجرومية وألفية ابن مالك )
وأستطيع أن أقول -بعد طول خبرة -:إن تلك الطريقة لاتنشىء عقلية لغوية ولا تسهم فى تكوين تذوق لغوى بأى حال ..لأنها تقوم فقط على الحفظ بعيدا عن الاستنباط وإدراك العلاقات بين التراكيب اللغوية ودليل عقم هذا الأسلوب مانراه -حتى فى جيلى -من معلمى اللغة الذين لايحسنون اللغة بل ومن أساتذة جامعات -ولا تعجب -لايحسنون قراءة بضعة أسطر بدون أخطاء فادحة ..وأذكر -واحبس أنفاسك -عميدا لكلية اللغة العربية جامعة الأزهر لفترتين متتاليتين كان يحاضرنا -أثناء مرحلة الماجستير -ويقرأ من كتاب من تأليفه وكان يخطىء فى كل جملة وأنا أصلح له -وكانت تربطنى به علاقة قوية -فما كان منه إلاأن قال ضاحكا وهو يدفع الكتاب إلىّ:(اقرأ أنت ) وإذا كان هذا حال النخبة فما بالك بالمعلمين حديثى التخرج ؟ا وما بالك بطلابنا المساكين ؟ وليس بعيدا عن أسماعنا أخطاء المذيعين وخطباء المساجد ...وحدث ولا حرج ..
ولما شرفنى الله عزوجل بهذه المهمة الجليلة أكرمنى بحب هذه اللغة منذ حداثتى ولعل هذا ما أعاننى على الكثير من التجارب والممارسات فقد أيقنت عقم الطريقة التقليدية وضرورة ابتداع طرق أخرى أكثر ملاءمة وجدوى ..
وأرى -قبل كل شىء - التعامل مع اللغة العربية ككائن واحد والبعد عن تفتيتها حسب الطريقة التقليدية ..وهذا مبدأ مهم للغاية لايمكن تجاهله إذا أردنا نهجا قويما لتدريس تلك اللغة ..ولقد جربت -عبر سنوات طويلة -هذا المنهج فأتى بالأكل العجاب وأول ذلك حب الطلاب للغة وحرصهم على حضور دروسها والتجاوب فى أثناء الحصة ..ولم يضايقنى إلا مطالبة الموجهين بضرورة الالتزام بالخطة الموضوعة والتى تقسم اللغة إلى الفروع إياها وكنت أغالبهم وأقول لهم :دعونى وحاسبونى على النتائج وكانت النتائج هى التى تنقذنى من ألسنة تقاريرهم الحداد فى غالب الأحوال ..
وبعد هذا التمهيد الضرورى تعالوا نطرح أمام أبنائنا الطلاب وإخوتنا المعلمين هذا الأنموذج وهو الآيات (190-195) من سورة آلعمران ...ولكن حتى لايطول بنا المقام دعونا إلى لقاء قادم إن شاء الله .
التعليقات (0)