التعصب الرياضي.. إلى أين يقود؟!.
بقلم: خليل الفزيع
أعلن مؤسس أحد أنديتنا الكبرى أن ابنه لو انتسب للفريق المنافس ـ وسماه ـ لقتله، وهو موقف غريب من شيخ صقلته التجارب وعلمته السنوات قيم التسامح والحوار أو هكذا يجب أن يكون.
والحماسة لأي ناد أمر لا غبار عليه، ولهواة الرياضة ألوان من التعبير عن حبهم لأنديتهم، وفي بلدان كثيرة تحث المعارك وما هو بمتناول الأيدي عند فوز فريق على فريق، لكن لم نسمع يوما أن أحدا أبدى استعداده لقتل ابنه لمجر انتسابه لناد منافس، ومثل هذا التصريح يؤدي إلى إشاعة التعصب خاصة عندما يصدر من شخصية لها وزنها الاجتماعي الكبير، ويفترض أن يكون قدوة لغيره من هواة الرياضة ومشجعي الأندية.
ما يوحي به هذا التصريح هو الخلل الذي يحكم علاقتنا بكثير من الأمور، والإسراف في إبداء العواطف السلبية والإيجابية دون توازن أو إدراك لما تتركه هذه المواقف المتشنجة من آثار سلبية لا لشيء سوى لخضوعها لانحراف المزاج ووقوعها في دائرة التعصب في زمن يحارب فيه التعصب بعد أن ظهر للعيان ما يؤدي إليه هذا التعصب من مشاكل ومشاحنات بين أفراد المجتمع الواحد، بل والأسرة الواحدة، حيث يبلغ ذروة العداء في غياب الحوار الهادئ الرزين، الذي يحترم فيه الإنسان مهما تباينت وجهات النظر ومهما بلغت حدة الخلاف، وغياب ثقافة الحوار يقود أفراد المجتمع إلى صدامات لا تحمد عقباها في كل الحالات.
ليست المسألة هنا تصريح تفوه به أحدهم في لحظة حماسة وانفعال، ولكن المسألة لها دلالاتها السلبية التي تتجاوز الفردي إلى العام، فعاطفة الأبوة عندما تهدر لمجر التعصب لهذا الفريق أو ذاك فهذا معناه إن الإنسان لا قيمة له، وأن هذا الإنسان الذي كرمه الله بين جميع مخلوقاته، ومنحه العقل الذي يميز بين الخطأ والصواب وبين الباطل والحق.. هذا الإنسان تجاهل هذه القيمة الإلهية التي منحت له، لينحدر إلى مستويات من التفكير أو عدم التفكير لا أحد يرضاها لا لنفسه ولا لغيره.
هذا التصريح ترجمة صريحة لمجتمع أو لفئة تعزل نفسها عن السياق العام للوعي الذي يحكم العمل العام، ولأنها تعيش في أوهام الماضي الذي لن يعود فهي تتشبث بهذا الماضي لاستعادة مجد مضى أو أضواء انحسرت فأدى غيابها إلى غياب الوعي بما هي عليه الحال من فهم عميق لهموم هي أكبر بكثير من الهم الشخصي مهما بلغت حدته والحماسة له.
لا أحد يصادر عواطف أحد حتما، وحرية الرأي تكفل للجميع التعبير عن عواطفهم، لكن في حدود ما هو سائد وقار في المجتمع مما لا يتنافى مع تعاليم الدين ولا يقود إلى التناحر وانشقاق الصف، وهذا نوع من الفتنة التي لا يجوز لأحد أن يوقظها، تحاشيا لنتائجها ودرء لأخطارها واتقاء لغضب الله.
الرياضة بمعناها العام هي التسامح، وترويض النفس الأمارة بالسوء وتعويدها على قبول الرأي الآخر مهما بلغت حدة الغلاف معه، هذا هو الفهم العام للرياضة، وهو فهم يغيب عن بعض المتحمسين الذين تبلغ بهم الحماسة حدا لا يتصوره ولا يقبله عاقل.. ولله في خلقه شئون.
جريدة اليوم ـ الدمام ـ 30 مايو 2009
التعليقات (0)