لان شعب كوردستان العراق واحزابها اختاروا منذ عام 1992 البقاء ضمن حدود الدولة الوطنية العراقية، والنظام الفدرالي الذي اختاره برلمان كوردستان ومؤسساتها المدنية وتم تثبيته في الدستور العراقي المستفتى عليه من قبل الشعب العراقي بتاريخ 15/10/ 2005 هو تجسيد لإرادة الشعب الكوردي وممارسة فعلية لحقه بتقرير مصيره، سيبقى هذا الاختيار نابعا من ارادة الكورد طالما تتوافر مقومات الدولة الوطنية الديمقراطية القائمة على التشارك والتوافق الاقتصادي والسياسي والثقافي بين كافة الشعوب المكونة لهذه الدولة، اما اذا انعدمت هذه المقومات التي لابد منها لتكوين الدولة الوطنية الحقيقية عندها يختار الكورد الحياة الحرة، وليس الانفصال كما يزعم اصحاب العقول السلطوية الشوفينية المريضة، لان الارادة الكوردية سبق ورفضت الخضوع للديكتاتوريات المتعاقبة، واختارت الحياة الحرة والتعايش المشترك لكافة شعوب كوردستان سواء في ظل حكم ذاتي او فيدرالي، والدور الان على الطرف العربي في العراق هم من عليهم الاختيار، فإذا كانت الغلبة للعرب العراقيين الشرفاء المؤمنين بالالتزام بالدستور والتعايش المشترك في ظل العراق التعددي الديمقراطي فاخوانهم الكورد يشدون على اياديهم ويكونون من اشد المساندين والداعمين لهم للحفاظ على العراق الموحد، اما اذا انتصرت ارادت الشر المتمثلة باصحاب العقول العروبية الشوفينية المترهلة والساعية الى اعادة نظام سلطوي فئوي شوفيني الى العراق من خلال تقسيم العراق وتوزيعها سياسيا ومرجعيا بين دول الجوار الناقمة على الديمقراطية وحاملها وجالبها ، عندها يترتب على الحكومة الكوردية ان تجد السبيل لحماية الازدهار الاقتصادي والسياسي والثقافي في الاقليم، وتصون حرية وديمقراطية شعوب كوردستان بقومياتها واديانها وطوائفها ومذاهبها مهما اختلفت تسميات الانظمة القانونية والدستورية التي ستكفل هذه الحماية وتنظم العلاقة مع المركز سواء كان نظاماً كونفدراليا او فيدراليا او الاستقلال التام عن المركز.
ومايثير استغراب اي شخص عاقل في هذا الموضوع تحديدا ما شهدناه من استغلال واجترار شوفيني سياسي مبتذل، واعلامي غوغائي، لكلمة الرئيس مسعود البارزاني خلال افتتاح المؤتمر الثالث عشر للحزب الديمقراطي الكوردستاني قبل أيام حيث اكد فيها على مبدأ حق تقرير المصير للشعب الكوردي وهو لم يأت بجديد لان هذا المبدأ موجود في برنامج الحزب منذ نشوئه عام 1946.
وبغض النظر عن كون هذا الحق من اهم الحقوق الانسانية، وتاكيد العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في المادة الاولى من الجزء الاول منه على هذا الحق "1- لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها بنفسها. وهى بمقتضى هذا الحق حرة في تقرير مركزها السياسي وحرة في السعي لتحقيق نمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي"
فقد تضمن اول قانون أبان قيام الدولة العراقية الحديثة في عشرينات القرن الماضي نصا يؤمن بحق تقرير المصير للشعوب كافة، وكذلك في دستور 1958، وفي الدستور المؤقت بعد انقلاب 1968 وهو الذي كتبه البعثيون، وايضا اقر هذا الحق للشعب الكوردي مؤتمر المعارضة العراقية المنعقد في العاصمة النمساوية فيينا خلال عام 1992، وصولا الى الدستور العراقي 2005 ، والاهم من كل ذلك إقراره من قبل البرلمان الكردستاني.
اين كانت كل هذه الاقلام السياسية والاعلامية انذاك، لتبث عروض بهلوانية من برامج تلفيزونية وندوات وحوارات انترنتية وكانها توصلت الى اكتشاف ما، هذه العروض الهزلية المضحكة المبكية فإما هي نابعة عن جهل اعلامي ثقافي سياسي، او مجرد لغو خلبي للاستثمار السياسي من قبل الحاقدين على الشعب الكوردي في محاولة لتفريغ مبادرة الرئيس مسعود البارزاني من محتواها الوطني بعد ان مهدت الطريق امام الكتل السياسية العراقية الرئيسية للوصول الى اتفاق لتشكيل الحكومة الجديدة بعد ثمانية أشهر من الخلافات وبلوغ كافة طرق الحوار والاتفاق بين الكتل السياسية الى طريق مسدود.
ام ان تناسي شعار المؤتمر الثالث عشر للحزب الديمقراطي الكردستاني (التجديد، العدالة، التعايش المشترك) والتأويل الموجه سلباً لمبدأ حق تقرير المصير على انه دعوة للانفصال، ليس الا حالة من حالات اثارة النعرات القومية من قبل بعض المساوميين على تقسيم العراق نظريا وتوزيع القرار العراقي على مراكز في عواصم مجاورة كوسيلة لبلوغ غاية اجترار الماضي بصيغة مختلفة، لما لا وخاصة ان تقسيم الاراضي الوطنية والتنازل عنها ليس بجديد على هذه الفئة.
والتاريخ خير شاهد على عقلية هذه الفئة ومثالا على ذلك ما يذكره عبد العزيز القصاب في مذكراته الخاصة ابان مرحلة مابعد تاسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921 وتنصيب الملك فيصل الاول ملكا على العراق، حيث يذكر في الفصل التاسع عشر من الكتاب عندما تم تعينه متصرفاً في الموصل مطالبة تركيا بضم ولاية الموصل اليها، فكان هناك عائلات قدمت الولاء لتركيا، وحاولت تمرير المخطط التركي في السعي الى تتريك ولاية الموصل انذاك ومن هذه العوائل عائلة النجيفي (محمد النجيفي) ويذكر ايضا وقوف الاشراف والوطنيين العراقيين ومنهم الكورد في وجه المخطط التركي ورفضهم اي تقسيم للاراضي العراقية وحفاظهم على بقاء العراق موحدا.
dostocan@gmail.com
التعليقات (0)