الحاج إلى بيت الله الحرام يرى مكة مدينة حديثة بها العمائر الشاهقة الحافلة بأسباب المتعة ووسائل وأحدث وسائل الاتصال والانتقال وفيها من شتى بضائع الأرض ...ولاضير فى هذا بل هذا هو المأمول من دولة غنية الموارد قليلة السكان .ولكن هذا فيما يتعلق بعموم مكة ..أما الحرم والمشاعر المقدسة فلى فيها وجهة نظر...
إن الحاج -فى أيامنا هذه -الذى يطوف بالبيت العتيق ويسعى بين الصفا والمروة ويبيت بمنى ويقف فى عرفة ثم يفيض إلى مزدلفة ثم يرمى الجمار ...هذا الحاج يشعر بدرجة كبيرة من الراحة..فالحرم مكيف والصفا والمروة مجرد درجات ناعمة ومنى أصبحت مدينة بها خدمات فائقة حتى عرفة لم تعد شمسها لاهبة بل الهواء اللطيف والمياه المثلجة ...وبالرغم من كل ذلك نجد نوعا من الحج يستغرق يوما واحدا يقف فيه الحاج بعرفة ويطوف ويسعى ويتجوز فى بقية المشاعر..
والسؤال هنا :هل الحج فى هذه التضاريس الناعمة والأجواء الطرية يعطى الحاج نفس الشعور الذى كان يشعر به حجاج زمان قبل هذه التطورات ؟
أنا شخصيا لست متحمسا لهذه التطيرات وأرى أنها تنتقص كثيرا من روعة هذه الرحلة المقدسة ..ذلك لأن الحجة عبادة مكانية بالدرجة الأولى ..فالكعبة المشرفة التى بناها إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام هنا فقط ..والصفا والمروة اللذان سعت بينهما هاجر عليها السلام هنا فقط ..وزمزم هنا فقط ..والعقبات حيث ترمى الجمرات هنا فقط ..وعرفة هنا فقط ..وهذه الأماكن ترتبط فى أذهان المسلمين بمواقف تاريخية معروفة ..ولكن -واأسفاه -خلعت هذه الأماكن ثوبها التاريخى لترتدى ثيابا عصرية باردة ربما الأثر الوحيد الباقى هو (حجر إسماعيل ) ..
إن أماكن الحج آثار أو هكذا يجب أن تكون..والأثر يجب أن يبقى على حاله هكذا تقول كل الدنيا ..فإذا ما غير الأثر أو أضيف إليه أو تم تعديله فقد قيمته ..لذا أقول :لقد خسر الحجاج مشاعر حقيقية حرموا منها ولاسبيل إلى تعويضها بالكتب أو الدروس ..ومما يضعاف هذا الأسف أن هذا الحرمان مستمر إلى آخر الزمان إذ ليس واردا الرجوع إلى الأصل ..لقد انتهت مكة التى كانت تجمع بين الأصالة والحداثة وأصبحت مدينة ليس فيها من أماكن الحج الأصيلة إلا الكعبة المشرفة فقط ..فيالها من خسارة ..وإنا لله وإنا إليه راجعون .
التعليقات (0)