- قوس قزح- عيد بأية حال
قبل عشرات السنين كان المتنبي يشكو زمنه، ويتبرم من الأعياد التي تكرر نفسها دون تجديد يطرأ عليها ويستلزم الاحتفاء بها..
عيد بأية حال عدت يا عيد
بما مضى أم بأمر فيه تجديد
أما نحن فإن فارق التخلف والقهر الذي يفصل بيننا وسيف الدولة الحمداني أو حاكم مصر الإخشيدي يجعلنا على العكس تماماً من المتنبي في ما ذهبت إليه حسراته.
ولكم نتمنى أن يكون عيدنا هذه السنة مماثلاً لظروف العيد الذي مر بنا قبل عام، ولو أن الله طوى الزمن إلى الخلف خمسة عشر حولاً خلت لتراقصت الصخور الصماء، وملئت الأرض حبوراً ولتنفس الناس الصعداء بعد كرب عظيم.
وإذ يتحول العيد في بلادنا من مناسبة للترويح على النفس والترفيه على الأولاد وعيادة الأصدقاء وصلة الرحم إلى يوم حافل بدموع الحرمان وضيق الحال وتبادل العزاء الخانق حيث يفر المرء من أبيه وأمه وأخيه، فلماذا لا نعلن العصيان المدني، ونرفع الأعلام السوداء، ونجعل العيد مناسبة للتعبير عن الفاجعة؟! كما أن علينا مواجهة الأطفال بالحقيقة مهما كان وقعها مريراً وصارخاً بالنسبة لهم. لنعلم أطفالنا فضيلة الصدق مع النفس، ونضع حداً لاستشراء المأساة، ونعودهم على التضحية منذ الصغر.
في ليلة العيد لابد لنا من اتباع إجراءات مشددة ضد الفرح.. نوصد أبواب منازلنا ولا نستقبل أحداً، نغلق النوافذ فلا تدخل نسمة باردة على الإطلاق، نطفئ الأنوار، نلبس الكمامات التي تستخدم للوقاية من الدمار النووي، ننكفئ على وجوهنا، نلتزم الصمت، نقرأ في خفوت.
(قل أعوذ برب الناس)، (إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها)، (ربنا اكشف عنا العذاب)، (ربنا ولاتحملنا ما لا طاقة لنا به)، (اللهم حوالينا ولا علينا)..
حتى إذا انقشع الظلام واقترب صبح يوم العيد دخلنا السراديب المظلمة، وسددنا مسامعنا، وأقنعنا الأطفال والمواليد بأن الأعياد في كل الديانات والثورات تخص السادة القابعين على سدة الحكم ومن يليهم من أولاد وأحفاد، ومن يلتحق بهم بنسب وتابعيهم من الأعوان والحجاب، ومن يلوذ بهم بانتماء حزبي أو مصلحة مادية أو رابطة أسرية مقدسة، ومن يحسب عليهم من مهربين ونمامين، ومن يمتعهم في الليل ويقضي حوائجهم في النهار.
إن عدم الخلاص من كوارث الأعياد وتبعاتها على الفقراء سيغدو مصدر انكسار وتشوه للأجيال القادمة.. ولابد لنا من تحويلها إلى مآتم حتى يصنع أبناؤنا من تراكم الآهات لحظة فرح حقيقي يشمل الفقراء والأغنياء على حد سواء.
وعلى الذين يطالبون برفع الحصار الجائر على الشعب العراقي أن يضموا اليمن إلى قائمة الشعوب التي يحاصرها الحكام ويحيلون الأعياد فيها إلى مآتم..
ورحم الله كافور الأخشيدي ما أعدله وأكرمه قياســًا بغيره!!
الصحيفة: التجمع
العدد:
التاريخ: 30 مارس 1992م
التعليقات (0)