- قوس قزح- آه على الإنسانية
لماذا غدت الحياة صعبة ومعقدة وشائكة إلى هذا الحد الذي يحول دون توافر الحد الأدنى من العلاقات الطيبة التي يحب فيها الناس بعضهم..؟!
وما الذي أفقد الإنسانية مذاقها باعتبارها القيمة التي تتجاوز مختلف الصيغ الوضيعة والانتماءات الضيقة..؟!
ولماذا كلما تقدمت التكنولوجيا كان ذلك على حساب الحضارة في أبسط مقتضياتها وأيسر سبلها تفهماً وفهماً لما يجب على إنسان قادر القيام به تجاه غيره من الناس..؟
ومن المحزن أن تكون المساواة قضية نضالية لأناس يتمتعون بأوضاع استثنائية، وأن يكون العدل وظيفة هدفها تكريس الظلم، وأننا نجاهد في سبيل إلغاء أي دلالة حقيقية لقيمة من القيم الإنسانية، لذلك لا أحلم بأن يكون لدينا مجتمع مثالي ولا أدعو إلى عدل مطلق ومساواة مكتملة، لكنما أروم شيئاً من الوفاق النسبي بين الأضداد بحيث لا تتكدس الثروة بأيدي أفراد فيبلغ تحكمهم بها حد الاستئثار ولا يصل الفقر في هذا الشعب إلى درجة الموت جوعاً.
أريد في أقصى احتمالات تحقيق الأماني على مستوى الوضع الراهن في وطني إبرام عقد مصالحة بين اثنين... امرأة يائسة تمضي النهار والليل مع أولادها الخمسة على الرصيف المجاور لفندق سبأ وبين أحد رؤساء المؤسسات الاقتصادية الذي ابتنى لنفسه خمسة قصور فارهة قيمة كل قصر تكفي لإقامة ألف كوخ وإيواء آلاف الأرامل والمشردين.
وأنا لا أريد الاشتراكية بصورتها الجميلة في بطون الكتب ولكني أحلم باليوم الذي تشرق فيه بشائر الخير لحظة نرى بعض الرفاق يخرجون فضلات موائدهم إلى الجياع في أطباق نظيفة.
ولست أطمع بتجريد المسؤولين من وحشيتهم ولا بنزع أظافرهم المغروسة في جسد الشعب ولكني أود من كل واحد منهم أن يرتفع إلى مصاف الذئاب فلا يمارس القتل بدافع التسلية..
إننا جميعاً شغلتنا القصائد التي نكتبها في رثاء الشعب ولكنا لم نكتب قصيدة مرثاة واحدة لموت الإنسانية في أعماقنا المزروعة بخناجر الحقد وقتاد الحرمان.
إن أسوأ صورة للإنسانية وهي تلفظ نفسها الأخير تكاد تكون ماثلة هذه الأيام في ظل الجمهورية اليمنية ولست أدري مدى ما ستخلفه تلك الصور المذهلة من براكين هائلة لن تبقي ولن تذر..؟
كل المؤشرات تدل على الخراب وكل الطرق تؤدي إلى الدمار ولا يأس مع التقاسم..
الصحيفة: التجمع
العدد: 68
التاريخ: 27 أبريل 1992م
التعليقات (0)