يعرض حاليا بدور العرض المصرية فيلم جديد اسمه - فبراير الأسود - من تأليف وإخراج الفنان محمد أمين , ويقوم على أساس بطولة جماعية لنخبة من الفنانين فى مقدمتهم الفنان المثقف ( خالد صالح) . , وكما هو واضح من عنوان الفيلم فإنه يدور حول ماشهدته مصر من أحداث بعد يوم 11 فبراي سنة 2011 وهو اليوم الذى تنازل فيه ( مبارك) عن الحكم . وغنى ّ عن البيان أن مؤلف الفيلم ومجموعة الأبطال يوجهون رسالة هامة من خلال هذا العمل الذى ربما كان العمل الفنى الأول الذى يرصد ثورة 25 يناير وتداعياتها الخطيرة على الدولة المصرية , ذلك أن هذا الفيلم جاء تعبيرا عن رأى أغلبية الشعب المصرى فى هذه الثورة , وفى الطليعة منه المثقفون , وبخاصة الجماعة الفنية , حيث فُجع الجميع فيما آل إليه أمر الثورة التى كانت الحرية هدفها الأسمى ,الذى أريق فى سبيله دم الشباب وبُذلت أرواحهم , فجع الجميع حين رأوا أن أمور الوطن إنما آلت إلى أشد التنظيمات عداء للحرية وممارسة للقهر , وإبعادا لقيم المساواة بين المواطنين على أساس المواطنة , فقد قفز التيار الدينى ليعتلى مراكز صنع القرار فى الوطن , وقد تم ذلك تحت ستار الديموقراطية , وإرادة الشعب فيما يُعد أسوأ عملية تشويه لمعنى الديموقراطية , وإساءة لمراميه الإنسانية . , وقد ظل المجتمع يرقب ممارسات التيار الدينى بكل فصائله لمدة عامين كاملين , وكانت النتيجة هذا الاعتداء السافر على الدستور , واضطهاد القضاء , وحصار المحكمة الدستورية , ومحاولة إرهاب الإعلام , وتصفية المعارضين , وظهور ممارسات خطيرة مثل قتل الجنود المصريين وقت إفطارهم فى رمضان ولم يتم الكشف عن مدبرى الحادث حتى الآن, رغم مرور ثمانية أشهر , هذا فضلا عن انكشاف عورات الإخوان المسلمين الذين نقضوا كل عهد أخذوه على أنفسهم . .على أنه من الواضح أن الفن المصرى والمثقفين بصفة عامة لا يذ رفون الدموع على عصر مبارك , لأن هذا العصر لم يترك فى العيون بقية من دموع , ولكنهم اكتشفوا أمرا مفجعا , وهو أن يوم سقوط مبارك هو اليوم الذى سقطت فيه الدولة المصرية التى عرفها العالم منذ آلاف السنين , وأنه يجرى الآن إقامة دولة جديدة بثقافة مغايرة تماما , ثقافة تقصى تراث مصر الفرعونية , وتضرب تقاليد الشعب المصرى الذى لا يزال يحتفى بالأعياد الفرعونية حتى الآن , ثقافة صحراوية تناهض الإبداع المصرى الذى كان هو قائد ريادة مصر للعالم العربى , ورسول حضارتها إلى الإنسانية , فُجع المصريون لأن الفتح الإسلامى لمصر منذ أربعة عشر قرنا لم يحاول القضاء على خصوصية مصر الحضارية وإنما امتزج بها ليكوًن هذا المزيج الحضارى الوطنى الحر , المتسامح . , ومرة أخرى يعود الفن المصرى ليتبنى قضية وطنه , فيأتى هذا الفيلم : فبراير الأسود - , حيث تتمحور قصته حول محاولة أبطاله مغادرة الوطن الذى يتغلغل حبه فى أعماقهم , ولكنهم يشعرون بقسوة الأمر على نفوسهم , فيقومون بمحاولات تراجيدية لانتزاع حب الوطن من قلوبهم , والهجرة إلى وطن آخر , نعم إن الفن يعيد طرح مفهوم الوطن وعرضه على القلوب والعقول , حيث يكون الولاء للوطن محل نظر , فكيف يجب علىّ الولاء لوطن ينتزع منى حريتى , ويغتال التراث الذى نشأت عليه , ويخرج من بين صفوفه من يحدد ون لى ماذا ألبس وماذا أتناول من طعام وشراب , قوم يحددون لى ألوانا من الفن لا يصح أن أشاهدها , ويمنعون ألوانا من الإبداع حتى لا تصل إلىَّ لأ نها فى رأيهم ضد شرع الله , وتصل الجرأة ببعضهم إلى تغطية شواهد حضارة الوطن من التماثيل , ومع ان من قاموا بذلك معروفون , ولكن لم يسائلهم أحد ! فى هذه الحالة يكون هذا الوطن غير أهل للولاء ولا الحب إذا كان أولو الأمر به يريدون ان يقودونا إلى الجنة بالسياط !
التعليقات (0)