ذات مساء حين ضاقت بي سبل الحياة
و توغّلت يد الهموم لتكسر آخر الأمنيات
قرّرت أن أركب المغامرة و أرحل إليك ....
دخلت طرابلس المدينة الّتي أدهشتني بلافتاتها و اختلاف الأجناس فيها
كما أدهشتني بفوضى المرور و اللاّمبالاة في طرقها المزدحمة ....
تكيّفت سريعا مع أهلها الطّيبين و رحت أعيش بين العائلات كأنّني ليبية في حديثي و لباسي
و حتّى عادات غذائي تغيّرت
لن أنسى أبدا كيف كانت السّيّدة حياة تعاملني ....
في بيتها و في كلّ ركن منه
كانت لي ذكريات مع بناتها و أطفالها .....
و هندة الطّفلة الرّاكضة إلي كلّما أخطأت و خشيت العقاب ...
أحبّتي في سوق الجمعة ...
في تاجوراء ...
في ذات العماد ....
في طريق المطار .....
ماذا حدث ؟؟؟
و لما انقلبت حياتكم هكذا فجأة ؟؟؟
لما نقف مندهشين لا نعرف ماذا نفعل ؟؟؟
لما تتقاتلون ؟
أحبّتي و زملائي في مبنى الصّحافة بالأخص
العزيزة سعاد و الأخ عبد الحفيظ في جريدة الجماهيرية
مرّت سنوات و لم تختف صور المدينة الواقفة
على ضفاف الفرح
لم تسقط من ذاكرتي عراجين تمرك الّتي راقبتها من نافذتي ....
و لم أستطع بناء حلم آخر بعيدا عنك
و كلّ عام كان يفاجئني نفس الحلم و نفس السّؤال و لأنّ القلب كبّلته
قيود أخرى ...
قيود الحياة الّتي لم تعد سهلة....
رغم مرارة الفراق ...
رغم دموعي الّتي ذرفتها هناك ألما و حزنا و ندما...
حتّى كاد المرض يهلكني...
لا تقفز إلى ذهني سوى أغنيات تلك اللّيبية السّمراء و هي تردّد
أغان شعبيّة من عمق التّراث اللّيبي
( جدي الغزال )
كنت أعشق هذه الأغنية و مازلت أستحضرها شوقا لها و للأيّام الّتي ساندتني فيها....
أوّل لافتة في مدخل طرابلس الغربي لا تمحى من ذاكرتي
( ليبيا أرض كلّ العرب )
و لم تكن للعرب فقط بل من كلّ الجنسيات ......
في ليبيا لا خدم و لا عمّال للتّنظيف من جنسية ليبية ...
لم أر في شوارع طرابلس عمّال نظافة غير الأجانب
و لم أسمع طيلة أربع سنوات قضيتها هناك
عن ليبية تعمل خادمة في البيوت
هذه الأعمال هي للأفارقة و المصريين و الجزائريين
و المغاربة و التّوانسة
و حتّى من سوريا و العراق
طيلة تلك المدّة لم يعترضني شرطيّ واحد و يطلب أوراقي الشّخصيّة
و لم تشعرني جهة ما أنّني من دولة أخرى
فأنا صرت أحبّ شايهم و طبيخهم العائلي وحفلاتهم المحتشمة...
فلما يعاقب اللّيبيون على هذه الطّيبة ؟
لما يجرّون إلى حرب كانوا في غنى عنها ؟
لما تحوّلت آلة الموت إلى بلادهم تحصدهم بلا رحمة ؟
و الله لا يستحقّون ذلك
و ليسوا كما تصفه وسائل الإعلام العبريّة القذرة...
و إنّي أخاف عليهم من أن ينحدروا إلى مستنقع الدّماء ...
مستنقع عشنا به عشر سنوات حمراء...
أعيدها مرّة أخرى بصوت مبحوح...
رجاء لا تتخلّوا عن بلادكم و ترموها للذّئاب المتربّصة
لأجل ليبيا أيّها القائد قدّم حلاّ و تحاور مع شعبك ...
أو غادرها و اترك لهم زمام الأمور
أكيد من بين الأربع ملايين يوجد الشّرفاء
الّذين يتولّونها و يعيدون مجدها
و المستقبل لكم ولأولادكم و أحفادكم ...
المحبّة الوفيّة
ليلى عامر 28 فيفري 2011
التعليقات (0)