مواضيع اليوم
ليس في سوريا اليوم ربيع .. بل شتاء ، ممطر رصاصاً وموتاً .. وسيل من دماء أبناء الوطن وحدهم .. يُخشى أن يكون عَرِماً ، فيأخذ معه كل شيء .. ! ها هو ذا الشهر الحادي عشر على بدء الأحداث . ولا يشكّ أحد ٌ في أنّ الساحة السورية ، هي أشد ساحات الربيع حساسية وأعظمها خطراً .. لا لقربها وموقعها من قضية العرب والمسلمين المركزية وحسب ، بل ولما آلت إليه الأحداث من استقطاب إقليميّ ودوليّ كان متوقّعاً بسبب من هذا القرب لسورية وموقعها .. الحدث على الأرض جلل ، والصراع على أشدّه ، وحجم المأساة عظيم .. فهل وصل الامر إلى الأفق المسدود ، والنهاية التي لا عودة عنها .. ؟ هاهي ذي دعوة من النظام الرسميّ ( الدولة) إلى الحوار .. والحوار هو المطلوب دوماً بين الإخوة عند كل إشكال وأثناءه ، بل وقبله .. الحوار ثمّ الحوار ، لا الشجار ولا الدمار .. ! وقد تبدو الدعوة إلى الحوار لدى بعض الناس – لا سيما في الميدان – ضرباً من المستحيل ، وأقرب إلى الجنون أو العبث أو السخريات ، وقد جرى ما جرى .. وإذا كان الحديث عن حوار ، فلا بدّ – للكاتب أو المراقب على الأقلّ – من حُسن الظنّ في كلا المتحاورين ، أو المتصارعين ، أو افتراض حُسن النوايا فيهما .. والحوار فرصة لكشف صدق النوايا وصدق الوطنية والإخلاص للحقّ وامتحان للطرفين في ذلك .. قد يقول الثائرون والمعارضون ممثلوهم : لا شرعية للنظام أصلاً ، فالسلطة قد غُصبت بتوريث مزوّر . وقد يقولون : لا تفاوض ولا حوار بعد كل هذه الدماء التي سُفكت .. أو يقولون : لقد دعا النظام مع بدايات الأزمة إلى حوار داخل الوطن وكان الحوار هزليّ النتائج .. ونحن نقول : قد يصحّ ما ذُكر من هذه الثلاثة ، وقد يصحّ إليها سواها . ولكن الحكمة والأناة والتعقّل – ولا أشكّك في حكمة أحد – مطلوبة على الصُعُد الفرديّة والشخصيّة للناس في مشكلاتهم ، وهي على الصعد الجمعيّة للشعوب والأمم أشدّ مطلباً وأكثر إلحاحاً وأحوج .. وإذا كان المنطق لدى الثائرين أو المعارضين في رفضهم منطق التشكيك بصدق النظام ونواياه ، وأنّ دعوته للحوار ليست إلاّ من باب رغبته في مكاسب إعلاميّة والمخادعة بإظهار صدق النوايا وإقامة الحجة على الخصوم ، فإنّ هذا المنطق ذاته يقتضي القبول بالدعوة إلى الحوار .. ليس الحوارَ العبثيّ الذي أعني ، القائم على هيمنة الدولة ، أو الاستقواء بأحد .. فإذا صحّت النوايا - وعلمها عند ربها - فإنّ أثرها يظهر بالمسارعة إلى قبول الحوار أولاً ، رغم الجراح وعمقها ، وبالاستعداد لما فيه إنصاف للجميع وإن بدا لأحدهما مجحفاً .. إنّ التعالي على الجراح وتجاوز ما يتلوها من تحامل وبغضاء هادمَيْن ، مطلوب من الجميع وبإلحاح ، إذا كنّا نتطلّع إلى غاياتنا العُليا التي لا نفتأ نرددها ، و من أجلها قدّم الشهداء دماءهم رخيصة .. وأمّا التصوّر الذي نراه مخرجاً ناجحاً للمتحاورَيْن : الدولة والمعارضة ، ولا يعجزهما الوصول إليه والاتفاق عليه ، فهو مُلخّص في اثنتين : الانتخابات والمحاكمة ! أمّا الانتخابات ، فموعد قريب يتفق عليه الطرفان لا يتجاوز عاماً ، يتوقف أثناءه الرصاص وتسكن كل مظاهر العنف .. وآليات لها يتوافق عليها الجميع ؛ لا تكون فيها هيمنة للدولة ، بل برقابة عربية وإسلامية ، ولا ضير في الاستعانة بتقنيات مراقبة دولية ؛ يُضمن فيها حقّ المراقبة للجميع .. ومن يفُز بنتيجتها فله الحقّ في في قيادة الوطن ، على أن يقرّ بمبدأ التداول السلمي ّ للسلطة .. وأمّا المحاكمة ، فحقّ مكفول لمن فاز في الانتخابات ومن لم يفُز .وهو حقّ للناس ترعاه الدولة ؛ دولة المؤسسات .. حقّ الدماء والأعراض والأموال وسائر الحقوق التي غُصبت ، ولا تسقط الحقوق بالتقادم .. وحقّ للمتّهم بمحاكمة عادلة نزيهة .. يا أهل شام الله .. ! لا تُدخلوا الدبّ إلى كرْمكم .. لا الروسيّ ولا الأمريكيّ ، فليس لأحدهما نيّة التدخّل لأجل سواد عيونكم أو زُرقتها .. ولا تستجيروا من الرمضاء بالنار .. ولا تستأمنوا القرد على قِسمة الجبن بينكم .. فإنّ المأكول كلّه في حكاية القرد وقِسمته للجبن بين المتخاصميْن ، لن يكون في حكايتكم مع التدخّل- إن رضيتم بها - للجبن وحده .. بل ومعه الخصمان المتحاكمان إليه .. أيّ : الوطن كلّه ، وكلّ أهله .. ! |
التعليقات (0)