ست السيده سي السيد سابقا ..
لم تتح الأيام للكثير منا رؤيه "سي السيد" شخصيا فكثيرون منا لم يعاصروه ولكن نحمد الله أن رزقنا بأديبنا الكبير نجيب محفوظ الذي خلد لنا ذكري عطره عن "سي السيد" في ثلاثيته الرائعه ..
ذلك ال "سي السيد" الرجل المهيب الركن والجانب والذي كان موعد عودته الي منزله بمثابه إعلان حاله الطوارئ القصوي في إحدي أقطارنا العربيه والذي بمجرد أن يفتح باب الدار حتي يطبق الصمت الرهيب علي أركانه وتلتف ستائر السكون علي جنباته عندما "يتنحنح" معلنا وصوله , حتي مائده طعامه لم يكن مسموحا لأحد من أفراد الأسره بمشاركته بها بل يجلس هو يأكل والكل ملتف حوله وعندما ينتهي هو يأكل الباقون ..
وعندما يكون هناك طلبا أو موضوعا يحتاج موافقته كانت فقط أم الأولاد هي من يستطيع مفاتحته فيه , ولكن تظل أياما طوال تتحين الفرصه التي يكون فيها مزاجه رائق لتستطيع مفاتحته , وهو الرجل المفتول الشوارب الذي ينضح رجوله وذكوره وربما لا تكفيه إمرأه واحده وتتهاوي أمام جبروته وذكورته النساء ويحببن الرضوخ له ..
رحم الله هذا الرجل وغفر له ذنوبه وأسكنه فسيح جناته وطيب ثراه وخلد ذكراه .. وبالبحث عن ورثه "سي السيد" المعاصرين إكتشفنا أن غالبيه الورثه الموجودين علي الساحه اليوم من فئه "ميني سي السيد" أو نوعيه "سي السيد ترانزستور" .. بمعني أنه سي السيد خارج المنزل فقط أي أن له صولات وجولات ورجوله نادره تصل الي درجه الرعونه في الشارع وعلي المقهي وفي التعاملات اليوميه أو علي ساحه الإنترنت ولكن ..
آه من لكن , هذا الميني سي السيد الأسد الجسور له وجه آخر مغاير داخل الدار حيث تم حسم الأمور مبكرا داخل الديار فالصراع الأزلي بين سي السيد من جهه وست السيده من جهه أخري وصل في أيامنا هذه الي شد فقط بعد أن كان شد وجذب بل ووصلت الأمور الي "شد ومرمطه وبهدله" يعاني منها سي السيد أشد المعاناه ..
فهو عندما يريد أن يزأر كالأسد الجسور يتحشرج الصوت في مقلتيه وتلتهب حنجرته وتترقرق بالدموع لا خوفا علي ماض تليد وأمجاد ضاعت من بين يديه كان قد سطرها الآباء بحروف من نور , ولكن خوفا من البهدله ومن جبروت ست السيده والتي أستشعرت وأحست أخيرا بعظمه وقوه وجلال نفسها أمام إستكانه ووداعه وضعف بعلها بعد حزف النقطه من فوق العين , فطغت أكثر وتجبرت معلنه أنها هي سيد الدار وصاحب الأمر والنهي وهذا "البعل" يجب عليه إن أراد العيش أن يتجنبها ويتقي شرها ويعقد معها معاهدات سلام وإستسلام , وهو بالتالي وجد أن من المناسب له أن يستيقظ صباحا ويخرج الي الشارع الذي يجد نفسه فيه ويجد الرفيق والصديق يتبادلون الهموم والأنين ولا يعود في الغالب الي المنزل , ما لم تكن هناك تعليمات أخري , الا والناس نياما فيطيل الوقت خارج المنزل لا حبا في السهر خارج المنزل "لاسمح الله" ولكن إتقاءا لشرور متعدده من الممكن أن يتعرض لها داخل المنزل , أولها الإستقبال بعباره "إنت جيت يا سبع البرمبه" ومشتقاتها وهي العبارات التي تحبط علي الفور الذكوره بداخله وتشعره بالقهر المنزلي وعدم الإستطاعه وإنتهاءا بتشبيهه بذكر الأوز ..
والكثيرات من نوعيه ست السيده لا يهنأ لهن بال ولا يطيب لهن نوم الا ..
وآه من إلا هذه .. حيث تتفنن بعضهن في "إلا" مع بعولتهن والذين يجب تذكيرهم بين الفينه و الأخري بالنعيم الذي ترفل فيه زوجات بعض الجيران أو الأقارب والسعاده الزوجيه اللاتي يتمتعن بها في ظل أزواجهن "الرجال" اللذين لا يألون جهدا في بذل الغالي والرخيص من أجل إسعادهن بينما هي "مال بختها" أو "إنوكست" بالمحروس الذي لا يصلح "طبله أو حتي طار" ..
كل هذا الضغط النفسي والبدني الرهيب الذي يتعرض له ورثه سي السيد حاليا أدي الي :-
ضمور كلي في الشخصيه , إضمحلال في المكون البدني , ضعف عام وهزال في التركيبه النفسيه , تساقط شعر الرأس والجسد , وأخيرا تقلصت أعداده بطريقه ملحوظه أدت الي أن العديد من جمعيات الحمايه البيئيه حذرت من إنقراضه في المدي المنظور ..
والآن نتسائل .. هل سيأتي اليوم الذي سيتم فيه إنشاء محميات طبيعيه لورثه سي السيد ..؟
مجدي المصري
التعليقات (0)