حماس وتحدّي الانحراف نحو التشدّد (رسالة إلى السيد فتحي حمّاد)
بلال الشوبكي
انتشرت في الأشهر القليلة الماضية العديد من الأخبار حول سياسات جديدة انتهجتها الحكومة في قطاع غزة، هذه السياسات التي أثارت حفيظة شريحة واسعة من المجتمع الفلسطيني تتلخص في التدخل في السلوكيات الاجتماعية القيمية، حيث عمدت الحكومة وفقاً لتلك الأخبار إلى وضع معايير قيمية على أساسها يتم مخالفة ومحاسبة المتجاوزين. وكنت قد ظننت في البداية أن مثل هذه السياسات مجرد سلوك فردي عشوائي لا يعبّر عن نهج جديد، وأن إثارته بشكل واسع في الإعلام ما هو إلا جزء من المناكفة الحزبية، وقد حاولت الحصول على صورة أوضح عن الموضوع قبل فترة من صحفيين وكتاب من القطاع وقد أقرّوا وجود مثل هذه السياسات إلا أنها ليس سياسة حكومية وإنما تجاوزات لبعض العاملين فيها.
لو بقي الأمر على حاله، لظل تقييمنا لتلك المعلومات على أنها تؤشر على مشكلة إدارية في قطاع غزة ولا تتجاوز ذلك، ورغم أن جزء من التغطية الإعلامية لما يجري في قطاع غزة لا يمكن إخراجه من دائرة "الردح" الفصائلي، إلا أن الخطاب الأخير لوزير الداخلية في غزة وما سبقه من معلومات مؤكدة حول اقتراح مشروع قانون تطبيق الحدود، تجبرنا على التقييم من زاوية أخرى لا علاقة لها بالخلل الإداري، وإنما بالانحراف نحو التشدد والانزلاق إلى فخ تصنيع الهوية.
وهنا لا بدّ من لفت نظر وزير داخلية غزة السيد فتحي حمّاد إلى الآتي:
أولاً: إن النيّة السليمة التي تقف خلف أي إجراء ليست كافية لإقراره أو تبريره، والمهم هو النتيجة السليمة، وفي حالة كان الإجراء من جهة حكومية ومن مكتب الوزير شخصياً، فيفترض أن النتيجة السليمة مضمونة بالكامل، وليست مجرد توقع غير مدروس. لذلك فإن تغليف أي قرار تتخذه الوزارة بعناوين فضفاضة من قبيل المصلحة العامة، والفضيلة وغيرها هو انجرار لنماذج سابقة في إدارة الشأن الفلسطيني في الداخل والشتات، والتي وصل بها الحال إلى اعتقال واغتيال مخالفيها بحجة المصلحة الوطنية، وأنا أجزم لك أن بعضاً منهم كان يؤمن بأنها مصلحة وطنية فعلاً.
ثانياً: إن الحكم في قطاع غزة مرتبط باسم حركة حماس، وإن أي نجاح للحكومة سيدعم موقع حماس في الشارع، وأي إخفاق لها يعني انتكاسة للحركة والانتكاسة لن تكون مقتصرة على قطاع غزة وإنما على كافة أماكن تواجد الفلسطينيين، وخاصة الضفة الغربية.
ثالثاً: إن ادعائكم في المجلس التشريعي بأن سياستكم تلقى ترحبياً من الشارع الفلسطيني مستنداً في ذلك إلى بعض استطلاعات الرأي، ومحمّلاً الإعلام مسؤولية ترويج الأكاذيب، ليس مهنياً البتّة، وأود تذكيرك هنا أن استطلاعات الرأي التي بت تؤمن بها بين ليلة وضحاها هي ذاتها التي تنبأت بفوز فتح في الانتخابات التشريعية 2006، فلم نصل بعد إلى المرحلة التي نقول فيها إن استطلاعات الرأي تعكس حقيقة الشارع وخصوصاً إن استشهد بها أبناء الحركات الأحزاب. أما بالنسبة للإعلام، فهذا حاله أنّى حطّت بك الدنيا والأفضل من إلقاء اللوم عليه أو تحميله المسؤولية هو التوقف عن تقديم الهدايا (السياسات الانفعالية) له.
ثالثاً: إن خطابكم المتشدد تجاه خصومكم السياسيين يعكس خللين واضحين، أما الأول فهو متعلق بالتشدد في الخطاب الذي وصل حد الاتهام بالخيانة، وهنا لا بد أن تعي حقيقة موافقة حركة حماس على المصالحة وسعيها إلى ذلك، وهنا فإن حركة حماس إما أن تكون كاذبة وتضلل الجماهير في حال لم تصالح، وإمّا أن تكون خائنة كونها تصالحت مع من اتهمتهم بالخيانة. الآن فكّر قليلاً: من هو الخاسر بعد هذه التصريحات؟ أما ثانياً، ولو افترضنا أنك تنطق درراً وأن قولك لا يحيد عن الحق قيد أنملة، فإنه ليس من مسؤولياتك الحديث عن المصالحة، فالخلاف ليس بين حكومتك وفتح وإنما بين حماس وفتح.
رابعاً: لقد وقعتم في تناقض شديد وصارخ حين استشهدتم باستطلاعات الرأي التي تخدم مصلحتكم، وفي نفس الوقت وجهتم تهم الخيانة وتسهيل التدخل الخارجي لمؤسسات المجتمع المدني، علماً أن جزء من هذه الاستطلاعات صدر عن هذه المؤسسات. أضف إلى ذلك، أن هذه المؤسسات لديها رؤية سياسية تختلف معكم وتتلقى دعماً ممن يؤمن بتلك الرؤية، تماماً مثل المؤسسات التي تؤمن برؤيتكم السياسية وتتلقى دعماً منكم ومن حلفائكم على المستوى الإقليمي.
خامساً: تذكّر دوماً أن المسوّغ الشرعي الوحيد لوجودك كوزير داخلية هو نتائج انتخابات 2006 والتي فازت فيها حماس وفقاً لبرنامج تغيير وإصلاح، وكون الحكومة التي تعمل فيها تمثل حركة حماس، فعليها على الأقل أن تطبق برنامج التغيير والإصلاح الخاص بمحاربة الفساد وإصلاح القضاء وتحفيز الاقتصاد، لا أن تختلق قضايا آنية وطارئة على المجتمع الفلسطيني، وليست بحاجة إلا إلى تعزيز نقيضها حتى تتلاشى، أما أن تحاربها وفقط، فأنت وطاحن الماء سيّان. إن الانحراف عن برنامج التغيير والإصلاح الذي من أجله انتُخبتم يعني فقدانكم مبرر الوجود.
سادساً: إن انشغالكم بالمارثون النسائي والبنطال الساحل ومستوى الرجولة، هو تعبير خطير عن عدم تقديركم إلى النماذج القاتمة التي تبنت نهجكم منذ عقود كإيران وغيرها. فلتعلم جيّداً أنها ليست نماذج مشرّفة وإن احتكاكنا بأبناء مثل هذه الدول في الخارج أثبت لنا عملياً أن مثل هذا النهج ولّد لديهم أمراضاً اجتماعية خطيرة وجعل شريحة واسعة منهم تتصرف بشكل عكسي وحاد أينما اتيحت لها الفرصة. واعلم أيضاً أن شعبية حركة حماس اكتسبتها من خلال الدعوة في المساجد والمدارس والمؤسسات الخيرية دون أي إكراه، وقد نجحت في ذلك، فلماذا تصرّ الآن على ابتداع نهج يخالف فكركم؟
لقد أشرت أنك تريد محاسبة الناس وفق مستوى الرجولة! وهنا أقتبس لك مما كتبه أبو مرزوق على صفحته، حيث كتب: "مناشدة للأخ الكريم الأستاذ فتحي حماد بتفسير مستوى الرجولة للاختلاف البين حول هذه العبارة وما هو مستوى النجاح". رغم أن تساؤل أبو مرزوق يحيلنا إلى تساؤلات أخرى حول مدى الانسجام داخل حركة حماس ومن هي الجهة التي تحكم في غزة تحديداً؟ وأين هو مكتب الحركة السياسي من هذا الانجرار نحو التشدّد، وهل يكتفي أبو مرزوق ومشعل بالمراقبة عن بعد؟ إلا أننا سنتجاوز ذلك الآن لأنه ليس ضمن حديثنا هنا، فهلّا أجبت أبو مرزوق على سؤاله. أضف إلى ذلك، ماذا عن المرأة في المجتمع الفلسطيني؟ هل ستفحص مستوى الأنوثة أيضاً؟! .
فلتكن على ثقة أن المجتمع الفلسطيني ليس منقاداً، وقد يتصرف بشكل حاد مع من يحاول التعامل معه كمجتمع منحرف، وقد تكون ردود الأفعال عكسية تماماً لما تطمح إليه. المجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية ورغم غيابكم التام استنكر بشدة عرض الأزياء في رام الله دون توجيه منكم، ببساطة لأنها تخالف قيمه وعاداته وتقاليده، فلا تظنّ أن بإمكانك فرض قيم وعادات وتقاليد على المجتمع، ولا بدّ من أن تتنبه إلى خطورة إقحام القيم الاجتماعية التي يشترك فيها أبناء فتح وحماس واليسار في دائرة الخلافات بين الحركات الفلسطينية، وإني أراها عدم إحساس بالمسؤولية لأنها تعني مزيداً من الإنقسام في المجتمع الفلسطيني، فتصنيع هوية لأهالي قطاع غزة تختلف عن هوية أبناء الشعب الفلسطيني، لا أراها تختلف من حيث المبدأ مع تصنيع إسرائيل لهوية "مغايرة" لأبناء فلسطين المحتلة عام 1948، قد يكون التشبيه قاسياً، لكن لا بد أن تسمعه.
ألم تلاحظ أنه وبعد قرار منع البنطال الساحل، ولأنه صدر من جهة سياسية ولم يأت ضمن حملة توعية في المؤسسات الاكاديمية والدينية، تم اعتباره كقرار سياسي صادر عن حماس، ولذلك كانت ردة الفعل من خصومكم السياسيين في فتح هي تحدّي القرار، بأن خرج شباب فتح بالبنطال الساحل ليس رغبة منهم في ارتدائه بقدر ما هو تحدّ لكم، فمن يتحمل الآن مسؤولية ارتدائه بشكل أوسع، أنت أم هم؟!
سابعاً: لقد تهجّمت في أكثر من مرة على المجتمع الدولي، وهنا تجدر الإشارة أولاً: إلى أنك وزيراً للداخلية لا للشؤون الخارجية، ثانيا: إن رئيس حكومتك الأستاذ إسماعيل هنية أوضح غير مرة أن حكومته ترحب بالتواصل مع أي جهة في العالم باستثناء إسرائيل، واعلم أن من هاجمتهم هم من يقاطعونك لا أنت، وأن حكومتك ترغب في خلق علاقات معهم، وربما أن وزارة الخارجية تبذل من الجهد الكثير كي تنسق لزيارة واحدة لدولة أوروبية فيما أنت تختلق حروباً مع دول غربية دون مبرر. حين قررتم دخول السلطة، ألم تكونوا على علم بان ميزانيتها أوروبية أمريكية؟!
أخيراً، إن ما ورد أعلاه من الإشارة إلى اسم السيد فتحي حماد هو نتاجاً لصفته الاعتبارية ولا علاقة له بشخصه.
التعليقات (0)