تمثل المفارقة انحرافا دلاليا يحيل البنية الهيكلية الشعرية إلى رؤية درامية تتكئ على سخرية مقصودة ومتبناة، تعمل على إحداث صدمة ارتدادية ذات تنميط دلالي عبر آليات التأويل البياني ، سواء أكانت تلك المفارقة متكئة على مفارقة الكلمة المماثلة للالتفات المعروف لدى البلاغيين، أو مفارقة الموقف المشكل لنواة الحدث الدرامي التهكمي أو الكوميدي كما في الفن المسرحي، أو مفارقة الصورة المبنية على آليات الطباق والمقابلة وما سواهما من قيم بلاغية تعمل على تفتيت المعنى ثم إعادة تشكيله وفق رؤية دلالية محددة . وقد تصبغ هذه المفارقة بقيم مضمونية ذات دلائل فكرية وسياسية ، لتصبح تقنية اسلوبية ذات بعد رسالي، وذلك حينما يكون النص المبني على المفارقة نصا مقاوما كما في قصيدة الشاعر عبد الغني التميمي "متى تغضب" . اعيرونا مدافعكم ليوم لا مدامعكم هذا الدال الجمعي الذي ربط برباط العقيدة "اخوة الدين" هو الذي دفع دال المفارقة ليأخذ اقصى بعد له صارم، من خلال مفهوم الوحدة ؛ هذا المفهوم قد بدده واقع انهزامي اليم ؛ تمثل في الفرقة والتناجز والتناحر مما مثل جانبا من جوانب الضدية التي نقضت مفهوم التكافل والوحدة: .. وإذا كانت المفارقة في مدلولها الشعوري تفصل بين الشكلي والحقيقي فإن الحديث عن خبايا النفس وأعماق القلوب هو الذي يهيئ الاستفهام لبناء جمالية المفارقة الشعورية: وما معنى بأن قلوبكم معنا؟ من خلال هذا التمازج البنيوي نجد المفارقة وقد تعاورتها قيمتان جماليتان : احداهما بيانية والأخرى دلالية؛ اما البيانية فتبدو أول ما تبدو في ذلك الاستخدام البديع للجناس الناقص" مدامع/ مدافع" لكنه جناس يحمل في ثناياه مكونا دلاليا للمفارقة تمثل في المتوفر المرفوض لا نفاق " مدامع" والغائب المطلوب لأنه تضحية " مدافع" ، هذه القيمة الدلاية تمثل شحنة عاطفية تقود لحرارة الدفق الشعوري ، ومن هنا نلاحظ صخب الايقاع المناسب لذلك القلق النفسي من افرازات المفارقة المرة؛ حيث تولد المواجع في السطر الرابع من المقطع الأول وتمتد الكارثة الى حد توقع وصول الطوفان الى تلك الديار التي تجمعنا: أعيرونا مدافعكم ليوم لا مدامعكم وإذا كانت المفارقة –في هذا المقطع - قد تشكلت من خلال هذا التشابك الجمعي لأمة واحدة، والتشريح المؤلم لواقع مأساوي حزين ، فان المقاطع الاخرى ستنتقل الى حقل التحميل الفردي لمسؤولية الضياع ؛ ويأتي السؤال الانكاري ممثلا لأهم اداة محورية تتكئ عليها المفارقة ؛ ثم يحشد الشاعر لمفارقته جملة من المتلازمات البدهية التي تعمق الجرح وتوسع الفجوة؛ لتكشف المفارقة عن حالة مرضية تستدعي المعالجة العاجلة: أخي في الله أخبرني متى تغضب؟؟ ويبقى سؤال العقيدة معانقا لسؤال الوطن في تحديد مبررات المفارقة الموضوعية ؛ ومن هنا يتعانق الدين مع الوطن في جدلية الانتماء المحفز لهذا الغضب المقصود تفعيله عبر اليات المفارقة؛ حيث كانت الدماء تسيل عبر (زقق) مخيم جينين واترابه من مخيمات ومدن وقرى فلسطين، على يد أعداء العقيدة بينما القيان ( تردح) للسكارى التائهين في فنادق العواصم العربية : رأيت هناك في "جينين" أهولا |
التعليقات (0)