مواضيع اليوم

النقاب البلجيكي.( رؤية مغايرة).

محمد مغوتي

2010-05-04 10:00:08

0

         كلما تعلق الأمر بشأن يمس الاسلام من قريب أو بعيد، تتعالى أصوات الاستنكار والتنديد من المسلمين من كل جانب. ولا يبدو أن القرار البلجيكي الأخير بمنع ارتداء البرقع في الأماكن العامة يعد استثناء في هذا الباب. فقد عادت سمفونية البكاء لتطل بلحنها على الأجواء من جديد. ونظرا لهذا اللغط الكبير الذي يلف هذا الموضوع ارتأيت أن أدلي بدلوي في هذا النقاش الجديد القديم.
    لا أفهم حقا لماذا يبادر المسلمون الى شن مثل هذا الهجوم العنيف كلما تعلق الأمر بقوانين تصدرها مؤسسات ديموقراطية، وتخص الشأن الداخلي لدول ذات سيادة، ولها منظورها الخاص لطبيعة العلاقات الاجتماعية المراد تأسيسها في اطار حقوق وواجبات المواطنة. فحظر النقاب في بلجيكا شأن خاص، وان كان يبدو ظاهريا موجها ضد المسلمين، فانه ينسجم مع طبيعة الدولة القائمة كغيرها من الدول الأوربية على العلمانية. وقد نتفق أن مثل هذا القانون يعد في العمق انتكاسة لمبادئ العلمانية نفسها، والتي تتأسس على الحرية والاختيار. لكن ينبغي أن لا ننسى أن " لكل مقام مقال "، والمسلمون يعملون بهذه القاعدة قبل غيرهم. فالسؤال الذي ينساه أو يتناساه من ينددون اليوم بالقرار البلجيكي هو: لماذا هذا التشريع الآن؟. لنتفق أولا أن المسلمين يعيشون في الدول الأوربية في وضع اعتباري لا يحلمون أبدا بمثله في بلدانهم الأصلية التي هاجروا منها. ويجب أن لا ننسى أن حركات الاسلام السياسي وجدت مرتعا خصبا لها في تلك الدول التي وفرت لها مجالا من الحرية استطاع أقطابها و منظروها بفضله أن يعبروا عن آرائهم بدون أية مضايقات. بل اننا كثيرا ما نشاهد على شاشات التلفزيون أشخاصا يبدون وجهات نظرهم التكفيرية، ويسبون كل الخلائق، بل لا يتورعون عن سب أولياء نعمتهم في باريس أو لندن حيث وجدوا دفء الحرية والعيش الكريم... والآن عندما تختار دولة تشريعا قانونيا يحفظ لها اختياراتها الايديولوجية تقوم الدنيا ولا تقعد من حولها.
      ان منع أي شخص في أي مكان في العالم من القيام بما يتناسب مع مرجعيته الدينية أو الأخلاقية، يعد نظريا مسا بحريته وتجاوزا لها. غير أن ذلك لا يعني في ذات الوقت حرية بلا حسيب أو رقيب، والا فلن يكون لهذه المؤسسات القانونية أي معنى. ثم ان مثال البرقع الذي نحن بصدد الحديث عنه يعتبر تهديدا للأمن العام. فالنقاب يخفي هوية الشخص الذي يحمله سواء كان من خلال قناعات دينية ( المرأة المنقبة) أو بغرض التستر ( الأقنعة )، ومن تم فالقانون البلجيكي الجديد يستهدف هذا الجانب الأمني بالضبط. وهو موضوع بدأ يفرض نفسه بسبب تصرفات بعض الجماعات المحسوبة على الاسلام ، والتي اتخذت من العنف وسيلة لتبلغ طبيعة فهمها للاسلام المتسامح. و لأن الارهاب أصبح اليوم هاجسا عالميا، فان النقاب يمكن أن يكون وسيلة للتستر من طرف نساء قد يكن تحت الملاحقة القانونية. وعندما يعيش الانسان في دولة ما سواء كان حاملا لجنسيتها أو مقيما فيها، فعليه أن يمتثل للقوانين المعمول بها في تلك البلاد. وهذا لا ينطبق على المسلمين فقط بل على الجميع.

    ان مشكلتنا الحقيقية هي التقوقع في مرجعية تنظر الى الغرب كعدو للاسلام في كل الأحوال. ولا أحد يتساءل عن الدوافع الحقيقية التي تشجع الدول الأوربية على سن هذه التشريعات التي يندد بها الكثيرون. ذلك أن مسؤولية مايجري تقع على المسلمين، ومن حق هذه الدول أن ترد الفعل بما يتناسب مع رؤيتها للمواطنة وفق قوانينها الخاصة. وليس في ذلك أي اعتداء على حق الانسان في ممارسة شعائره الدينية، لأننا نعرف أن النقاب فيه نقاش كبير بين العلماء، ولا يوجد أي اجماع حول وجوب ارتدائه. و بالتالي فمنعه لا يعتبر مساسا بحرية العقيدة. لذلك فكل هذا الكلام حول النقاب ليس الا مزايدات صوتية. 
                                                                         
  محمد مغوتي.04/05/2010.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !