المسحراتى
- من ظاهر اللفظ يبدو ان سبب التسمية تعود لانه الشخص الذى يوقظ الناس لتناول السحور .
- كثيرون يصومون بدون تناول السحور . ولكن كلمات الرسول صلى الله علية وسلم " تسحروا فان فى السحور بركة " ومع تنامى موجة التدين جعلت الكثيرين يتسحرون .
- و السحور هو نسبة الى وقت السحر وهو قرب ظهور الفجر . وذلك ايضا من السنة ان يعجل الصائمون بافطارهم وان يؤخروا سحورهم وكى يصلوا الفجر ايضا بعد تناول السحور وهم مازالوا مستيقظين .
- على ان لفظة " المسحراتى " لا هى اسم فاعل ولا مفعول . وكان اولى تطلق على من يجهزطعام السحور.
وكان من المنطقى ان نسميه " الموقظاتى " اى الذى يوقظ الناس - ان سمحت اللغة - .
- رجل ربعة فى متوسط العمر , ورثها عن والده , الذى ورثها ايضا عن والده . يبدو انها مهنة العائلة .
- يلتحف ويتدثر بعدة ملابس اكثر من التى يرتديها .
يعلق فى كتف واحدة طبلة كبيرة . يقرعها بمقرعة ضخمة على احد وجهيها بينما يصد عن الوجه الآخر بعصا رفيعة كى تحدث ازيزا او صدى صوت او تعمل كأنها " ساوند سيستم " .
يمرق سريعا فى الشوارع الرئيسية . ويقف هنيهة على رؤوس الشوارع الفرعية والحارات .
كان له خط سير لا يحيد عنه . يتبعه العديد من الاطفال . لا لكى يقطعوا البلدة كلها جيئة وذهابا و انما كل يمر فى الحى الخاص به ثم يعود الى منزله لتناول السحور حتى ان لم يكن فى سن تسمح له بالصوم .
كان اللحن جنائزيا من مقام رصد وأغلبه على وزن " حلم بلم كسروا السلم " . ولكن صوت الطبلة كان عال جدا و سكون الليل له اثر فى تضخيم الصوت وصداه .
كانت " المنبهات " بدائية فهى ساعة كبيرة يتم شحن الزمبلك وضبط ساعة الاستيقاظ على ساعة معينة وصوت المنبه مثل صوت جرس الدراجة وفى أغلب الاحيان كان لا يرن . وكم من طلبة ضاعت عليهم الامتحانات او فاتهم موعد القطار لان البيه المنبه لم يشأ ان يزعجه ويرن ليوقظه .
لم يكن الناس بحاجة الى " المنبهات " فقد كانوا يصلون العشاء و ينامون . ويستيقظون عند الفجر من تلقاء أنفسهم – قبل ازعاج مكبرات الصوت بزمان - .
و كان الناس ينامون ملء جفونهم . لا ازعاج و لا مكبرات صوت و لا أجهزة تسجيل و لا أفراح و لا طفاطف ( تكاتك ) فقط فى سكون الليل ، بعض نباح كلاب .
و فى اليوم التالى قد تتندر القرية و تحكى عن فلانة التى سرقها اللصوص ذهبها من يدها وعنقها وهى مسجاة الى جانب زوجها . ولمداراة الخيبة كانوا يقولون ان اللصوص قد " شمموهم " شيئا جعلهم يغيبون عن الوعى ولا يحسون بما يدور حولهم .
و لاضفاء عنصرى التشويق و الاثارة . كانت المسروقة تحكى أنها رأت اللصوص و أحست بهم و هم يأخذون من يدها " الغوايش " . و لكن بالنسبة لها بدا الأمر كأنه حلم أو كأنها مسلوبة الارادة فلم تقدر على الاعتراض أو المقاومة أو حتى الصراخ طلبا للنجدة .
و لكن للأمانة فى هذه الفترة لم يكن من طبيعة اللصوص اغتصاب النائمات المخدرات فلم تسجل ولا حالة اغتصاب واحدة مقرونة بالغرض الأسمى ألا وهو السرقة . على عكس الحاصل الان .
فاذا كان المستهدف سرقة أو نصب أو احتيال ووجد فى طريقه مكسبا فرعيا من اغتصاب أو قتل فلا مانع .
خرجنا عن الموضوع ،
و لكن لا بأس فلنعد الان .
كان أطفال القرية يتبعون المسحراتى يحملون فى يدهم علبة صفيح صغيرة مملوءه بالكيروسين يسمونها ( كوز ) يخرج منها فتيل من القطن . يشعلون طرفه فيبقى مشتعلا حتى يفنى الكيروسين و كان يسمى الشعلة أواللمبة الصاروخ . و الأطفال يعتقونه الفانوس .
بينما مسحراتى المدينة ، فرجل حسن ، يلبس زى الأزهريين ، يحمل فى يده طبله صغيرة ( يسمونها بازه ) . و يدق عليها بقطعة من الجلد المقوى . و يسير فى الشوارع ينادى على السكان بأسمائهم " أصحى يا أبو حسين " .
أصحى يا حاج أنور" ، " قومى يا أم ابراهيم " و صوته لا يكاد يصل الى الطفل السائر الى جواره .
و الأطفال الذين يتبعونه يحملون فى أيديهم فوانيس حقيقية من الزجاج الملون و الصفيح اللميع ويضاء بالشموع هذا الشمع الذى كان موسميا ، فلم نكن نراه الا فى رمضان و مرتبط بفانوس رمضان و كان من يتأخر فى النوم أو يفوته مرور المسحراتى يقف أمام بيته أو فى شباك حجرته و ينادى على أقرب جار قائلا " هل المسحراتى فات ؟ " . وذلك كى يطمئن أنه لن يأكل أو يشرب بعد قدوم الفجر و أنه مازال فى وقت السماحية للأكل و الشرب و الجماع .
- لم تكن هناك كهرباء ولا تلفيزيونات ولا كمبيوتر ولا انترنت ولا ميكرفونات . و كان الناس ينامون ملء جفونهم و راضون تماما بحالهم .
و يأتى المسحراتى " الموقظاتى " ليتبعه الكبار فى الهدف و التوقيت و الحكمة و يتبعه الصغار فى المسيرة كأنه مشروعهم القومى .
الان : بعد كل التطور الحادث على كل الجبهات .
أرى الناس أشد احتياجا الى من يوقظهم . ومن يوحد الهدف و يحدد الطريق .
و من يسير و يتبعه القوم نحو هدف قومى واحد .
فى 2009 نحن أشد احتياجا للموقظاتى عفوا - المسحراتى - .
eg_eisa@yahoo.com
التعليقات (0)