ومن أهم المواد التي يحرص الريفي على إنتاجها وخزنها هو ( زيت الزيتون ) وموسم الزيتون هز من أهم المواسم التي ينتظرها المزارع في الريف وهو يبدأ عادة عند نهاية الشهر التاسع بعد عيد الصليب عند المسحيين فيقال ( بأيلول بدور الزيت بالزيتون ) ويعتبر عيد الصليب فيصلا لنضج جميع الثمار الصيفية فيقال ( صلّبت الثمار ) وحتى الثمار التي ينضج بعد هذا الوقت تصبح حلاوتها أقل وقشرتها أصلب مثل التين والعنب ويعزى ذلك إلى إنكسار حدة حرارة شمس الصيف ودخول فصل الخريف ويقال ( أيلول ذيله مبلول ) أي أنه يحتمل سقوط المطر في نهاية شهر أيلول وعند عملية قطف الزيتون يشترك في ذلك جميع أفراد العائلة حيث تعد ربات ألأسر طعام الفطور والغداء بعد صلاة الفجر وقبل شروق الشمس يحمل الجميع لوازم عملهم مثل الجَدّادات وهي عصي طويلة يضرب بها حب الزيتون عن الفروع العالية من أجل إسقاطه وكذلك أكياس الخيش والشوالات وتسمى الواحدة ( فردة ) وسعتها كيسان عاديان وكذلك الماء والطعام وتحمل جميعها على ظهور الدواب ويحمل ألأطفال ويصل الجميع إلى موقع العمل فيقوم الرجال بجدّ الحب عن الشجر بينما تقوم النساء بلقطه وجمعه من تحت الشجر ثم يتم تنقية الحب من ألأغصان المتكسرة والورق وتعبئته في ألفردات حيث يقوم ألأولاد كبار السن او الشباب بتحميله على ظهور الحمير ونقله للبيوت ومن ثم تفريغ ألأكياس والعودة بها إلى الحقول وبعد ألإنتهاء من تجميع المحصول في اليوت كان يتم إخراج الحب إلى سطوح المنازل وفرده وتجفيفه بالشمس وحتى تقل الرطوبة فيه وقديما كان ينقل إلى المعصرة ( البدّ ) حيث ينتظر المزارع دوره لعملية العصر فيوضع حب الزيتون في أماكن خاصة بالمعصرة كامداود تسمى ( المكمر ) وربما انتظر المزارع دوره أسبوعا أو أكثر فيتخمر الحب وتتغير خواص الزيت الناتج ويصبح زيتا عالي الحموضة ( صعبا) وغير مرغوب به للإستعمال المنزلي فيقوم المزارع ببيعه لمعامل الصابون وشراء زيت للأكل من جيرانه . والبدّ معصرة زيت قديمة وكان في كل قرية أكثر من بَدّ وكان يدار بالقوة البشرية والحيوانية وخاصة البغال فيوضع حب الزيتون في المكان المعد للدرس تحت الحجارة ويكون مربوط بأعلى الحجارة وعي عادة اثنان دائرية الشكل وموصولة مع بعضها من المنتصف بخشب من شجر صلب ومن ألأعلى بخشبة أفقية يربط بها بغل أو اثنان ويقوم سائس بسوقها بشكل دائري مما يسمح للحجارة أن تدور بشكل دائري أيضا وتهرس ما تحتها من حب الزيتون ونواه وتحويله إلى عجينة يسهل عصرها ، ثم يفرد الدريس على قفف خاصة مجدولة من الليف ودائرية الشكل ثم ترص فوق بعضها على المكبس والذي كان يكون من قاعدة حجرية دائرية الشكل مثبتا بوسطها ساق شجرة وبشكل عمودي من نوع شجر صلب الخشب كالبلوط او من أشجار حرجية أخرى على أن يكون الساق مستقيما ويكون الساق قد حفر جزء منه على شكل لولب فتوضع القفف التي تحتوي الدريس من أعلى اللولب وحتى يستقر على القاعدة وبعد وضع عدد معين من القفف يتم وضع قطعة خشب صلبة تغطي القفف ثم توضع قطعة خشب أخرى وعلى شكل صامولة على اللولب ويكون لها ذراعان أو أربعة وتدار بواسطة الرجال حول اللولب فتضغط على القفف والدريس فينزل الزيت مع ماء الزيتون ( الزيبار ) بواسطة هذا المكبس البدائي إلى مكان خاص فيعبأ الزيت مع الزيبار معا وينقلان الى البيوت على ظهور الجمال في قرب جلدية معمولة من جلود الثيران تسمى ( الظرف ) فإذا كانت الكمية ليست كبيرة وضع في براميل حتى يطفو الزيت على وجه الزيبار فيأخذ الزيت ويعبأ في جرار فخارية خاصة بالزيت وعندما يثقل الزيت الطافي يسخن ماء ويضاف إلى البراميل ويحرك الجميع فيسرع الماء الساخن في صعود الزيت إلى أعلى فوق الماء فيتم أخذه ثم التخلص من الزيبار . كان ذلك قبل ظهور المعاصر الميكانيكية والفرازات واتي سهلت على المزارع الكثير من العمل والجهد حيث يتم اليوم عصر الزيتون في معاصر ميكانيكية وكهربائية تستطيع عصر كبيرة من حب الزيتون في وقت قصير فلا يبقي الحب في المعصرة أكثر من ليلة واحدة ويمكن أن يكون في المعصرة الواحدة أكثر من حط عصر وأكثر من مكبس وعدد من الفرازات وحديثا صار يتم عصر الحب جميعه بطريقة اوتوماتيكية كاملة وليس على المزارع إلا وضع الحب في حفرة حيث يتم سحب الحب بواسطة مضخات خاصة وسيور إلى مكان الدرس ومن ثم يتحول الدريس إلى المكابس ثم يتحول السائل الناتج إلى الفرازات حيث يتم استلام الزيت وكيله ووزنه وتعبئته ولا تستغرق العملية إلا وقتا قليلا لا يمس المزارع أي شيء ولا يقوم بأي عمل إلا تعبئة الزيت وحمل الصفائح ووضعها في مركبة وتنزيلها في بيته ويكون الزيت الناتج عالي الجودة يسبب تنقية الحب من الشوائب والورق عن طريق الهواء المضغوط ثم غسله في مغاسل خاصة بالمعصرة وتكون نسبة الزيت المفقود في الدريس بعد عملية العصر ( الجفت ) قليلة جدا ولا تزيد عن 1 % في حين كانت نسبة المفقود في المعاصر القديمة تتجاوز احيانا 7 % أما الزيت الذي يزيد عن حادة البيت في موسم سابق فتقوم ربات البيوت بعمل ( الصابون ) منه ويمتاز هذا الصابون بجودته فيستعمل في غسل الملابس والإستحمام وكل اعمال التنظيف ويمكن أن تهدي ربة البيت معارفها عددا من قطع الصابون وهذه تعتبر هدية مميزة . ويتم تحضير الصابون بأن تذاب كمية من الصودا الكاوية ( ألأطرون ) في كمية مناسبة من الماء ومعظم النساء في الريف يعرفن هذه النسب معرفة تامة ثم يوضع المحلول داخل وعاء الطبخ والذي يكون عادة نصف برميل حديدي مقصوص ومعمول له مماسك لرفعه ووضعه على النار ثم يضاف للمحلول زيت الزيتون ويحرك المحلول باستمرار ولمدة معروفة فيتم التفاعل بين الزيت والصودا وينتج عن ذلك عجينة الصابون والتي تتشكل على شكل كتل داخل المحلول فترتفع حرارة المحلول نتيجة التفاعل ويستمر التحريك حتى تصبح الحرارة مقبولة ثم تشعل النار تحت الوعاء ثم يؤخذ قسما من السائل من الوعاء ويكون لونه بنيا مائلا للسواد ويسمى ( ماء الخمير ) وهذا المحلول يستعمل في التنظيف وغسل ألأرضيات والحمامات ويحذر من ملامسته للجسم لأنه كاويا ويفعل فعل النار عند ملامسته للجسم ، ثم يترك الوعاء على النار حتى يتبخر معظم السائل ويصبح قوام العجينة متماسكا ، فيحضر على أرضية مبلطة قالبا خاصا من الخشب تصب العجينة داخله ويسوى ويملس سطحه وتترك مدة من الزمن حيث يتصلب ثم يقطع بالسكين من قبل إنسان له خبرة بذلك وتشكل قطع الصابون شكلا وحجما حسب الرغبة وكلما كان الزيت الذي يحضر منه الصابون أجود كان لونه ورائحته أفضل . ومعلوم أن زيت الزيتون إذا تعرض لضوء الشمس وحرارتها أصبح لونه أبيضا وكريه الرائحة وساما لأن حرارة الشمس تحلل الزيت إلى عناصره ويفضل خزن الزيت في مكان معتم لا تصله الرطوبة وتكون حرارته مناسبة . وقد روى لي أحد الشيوخ أنه في صباه انهار سقف عقد على ما فيه وتم إخراج ما استطاعوا إخراجه من تحت ركام السقف ثم ترك لأكثر من خمسين سنة لم يعمر ثم قام أصحابه بتنظيفه وإعادة سقفه فوجدوا في أحد ألأماكن التي لم يصلها الردم وتحت الراوية عددا من جرار الزيت المغلقة بواسطة الطين سالمة لم تنكسر وكان يتم إغلاق جرار الزيت عادة بغطاء خاص من الفخار يغطى بقطعة قماش ويطين على الجميع على باب الجرة على لا تسقط الحشرات والفئران في جرار الزيت وتفتح كل جرة عند استعمالها ، وعند فتح هذه الجرار المعتقة وحدوا أن الزيت الذي بداخلها قد تحول إلى مادة صلبة قال انه لم يذق في حياته ألذ من طعمها وعند سؤال احد العارفين قال لهم إن الزيت تحول إلى ( الترياق ) والذي يضرب بلذته المثل والذي يستعمل لشفاء عدة أمراض ويدخل في الوصفات الطبية الشعبية وللشفاء من لسع الهوام . وجرة الزيت مقياس معروف ومكيال معترف به في الريف ووزن جرة الزيت حوالي ستة وعشرون كيلو غراما وفي السبق لم يكن نظام الكيلوغرام معروفا وإنما يقال جرة الزيت ( ثماني هوايا ) او يقال جرة الزيت سبع وعشرون أوقية ( والأوقية ) مقياس معروف من الفخار ذو سعة معينة ويكون في القرية عادة عددا محدودا من هذا المكيال وعند أناس معينين ويعطونه لكل الناس ولا يمنعونه عن أحد وهو يشبه المغطاس ولكن بأذن واحدة لتمييزه ، والمغطاس هو وعاء لكيل الحليب وترويبه ويتسع لحوالي لتر من الحليب ويباع فيه اللبن الرائب والحليب وشكله ككوز الذرة ولكن به انتفاخ من أعلاه ومخصور من الوسط ليسهل حمله وله أذنان ،وهناك مكيال يباع به اللبن الرائب مصنوع من الفخار ويشبه المغطاس ولكنه أكبر منه ويسمى ( البقلولة ) ويتسع لمغطاسين ويروب به عادة لبن البقر لأن كمية الحليب البقري أكثر وسعره أقل فتزاد الكمية لمعادلة الثمن . وتكال الحبوب ( بالصاع ) وكذلك ( بالمد ) والمد أربعة صاعات وكذلك تكال ( بالقنطار ) وكلها مكاييل محددة ومعروفة وكذلك توزن الفواكه والثمار والخضار والجبن ( بالرطل النابلسي ) والذي يزن إثنا عشر اوقية ، او ( بالرطل الشّامي ) والذي يزن خمسة عشر اوقية ، أو ( بالرطل البرّاوي ) وهو الرطل الخليلي والذي يزن ثمانية عشر أوقية وقد كان المتلاعبين من التجار في المدن عندما يشترون من المزارع منتوج ارضه او الجبن خاصة او زيتا أو زبيبا او القطين يأخذوه منه على أساس الرطل البراوي والذي يزن ثمانية عشر اوقية وكل اوقية تعادل ( 240 ) غرام حسب نظام الكيلوغرام وفوق ذلك يخصمون ثلث رطل وزن الوعاء الذي فيه الجبن او الزيت وعند إعادة البيع يبيعون على أساس الرطل النابلسي فيكسب التاجر ستة أواق في كل وزنة بألإضافة إلى ست اواق اخرى تضاف إلى المجموع فيكون التاجر قد ربح ربحا فاحشا وبمعنى آخر يكون قد سرق المزارع بطريق مشروع . وهناك قصة معروفة في الريف عن المزارع الذي باع تنكة من الجبن لتاجر بسعر عشرون قرشا للرطل البراوي الواحد أي عشرون قرشا لكل خمس وعشرون قرص جبن وكان مع المزارع ابنا صغيرا له وأصر الولد أن يفطر جبنا فاشترى المزارع من الصفيحة التي باعها قرص جبن واحد بخمسة قروش وأطعمه إبنه . وكان البيض يباع بالعدد كل ست بيضات بخمس قروش فيقوم تجار معينين بجمع البيض الزائد عن حاجة المزارع وتعبئته في سلال من البوص ويغطى البيض بالتبن لمنع ألإحتكاك كي لا يكسر ، او يوضع في صناديق خشبية مع التبن ( سحاحير ) وتحمل كل سحارتين على حمار وكان التاجر يفحص كل بيضة على حدة خشية أن تكون قديمة أو تالفة وذلك بأن يضع البيضة داخل راحة يده ويضم أصابعه عليها ثم يوجهها نحو الشمس فإذا كان لونها أصفر فاتحا كانت البيضة جيدة وإذا كان اللون غامقا كانت البيضة قديمة أو فاسدة . وتحضرني قصة التاجر البخيل الذي اشترى سلتين من البيض وطلب من حمال في السوق أن يوصلهما إلى بيته على أن تكون ألأجرة ثلاث نصائح ألأولى في اول الطريق والثانية في نصف المسافة للبيت والثالثة عند الوصول للبيت فحمل الحمال السلتين وطلب النصيحة ألأولى فقال التاجر وكان يحمل بيده قطعة حبل طولها حوالي ذراع إبتعد عن حمارك وأنت تسير خلفه بمقدار طول هذا الحبل بمرتين أو ثلاث لئلا يؤذيك إذا رفص برجله ، فقال الحمال هذه ألأولى وعند منتصف الطريق طلب الحمال النصيحة الثانية فقال التاجر في فصل الربيع ابتعد عن حمارك وأنت تسير خلفه طول هذا الحبل مرتين أو ثلاثا لئلا يلوث ثيابك بروثه فقال الحمال نعم هذه الثانية وعند وصولهم للبيت انزل الحمال السلتين وقال للتاجر أريد النصيحة الثالثة ، فقال التاجر : نعم إذا قال لك أحد أن هناك في السوق حمال أغبى منك فلا تصدقة ، ضحك الحمال وحمل السلتين ورفعهما عاليا ثم اسقطهما على ألأرض وداس داخلهما وقال للتاجر : إذا قال لك أحد أن هناك داخل السلتين بيضة واحدة لم تنكسر فلا تصدقه وترك التاجر في ذهوله ورجع إلى السوق .
التعليقات (0)