الإسلام يجب ما قبله
العلامة السيد محمد علي الحسيني
إن الإسلام دين عادل في منهجه وأحكامه، ومن بين أهم القواعد الفقهية العامة المشتركة والمطبقة في أبواب الفقه، والتي تعكس حكمته وعدالته قاعدة: «الإسلام يجب ما قبله».
فقد شرع الله هذه القاعدة تحبيبا منه وترغيبا لغير المسلمين في الإسلام الذي يقوم على العفو عن ما سلف، وهذا يشمل العبادات تحديدا، فلا تقضى صلاة على غير المسلم عند دخوله الإسلام، ولا يحاسب عن سائر العبادات الأخرى وذنوبه وخطاياه؛ قال تعالى: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم}.
أما ما لا يسقط، فهي الحقوق الشخصية، وصحة المعاملات، وثبوت الضمانات، وبقاء الديون، فلا توجب إشكالا في مدلول القاعدة. إذن، نطاق الجب وفق القاعدة هو حق الله لا حق العباد، وهذا لحماية حقوق الناس من الضياع.
العفو عما سلف
إن مصدر القاعدة دليل شرعي وحجة من السنة النبوية الشريفة، فقد جاء في الحديث المشهور عند عامة المسلمين، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار) أنه قال: «الإسلام يجب ما قبله»، وهذا الحديث موافق للقرآن الكريم بقوله تعالى: ﴿قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف﴾، وقد دلت الآية بظاهرها على أن الكفار إن تركوا الكفر وأسلموا يغفر الله لهم ما قد سلف، ويتجاوز عن خطاياهم ومعاصيهم حال الكفر.
ولا شك أن هذه القاعدة حجة يؤخذ ويستدل بها باعتبار حجية وشرعية منشئها ومدركها، وهما القرآن الكريم والسنة الشريفة. ومن السنة قيام سيرة رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الأخيار) وسيرة متشرعة؛ إذ العفو عما سلف ثابت في سيرة النبي قولا وفعلا للنبي؛ حيث لم يكلف أحدا بقضاء ما فاته من العبادات حال الكفر، كما لم يأمر بإقامة الحد على عمل ارتكبه الأصحاب قبل الإسلام.
الإسلام مفعم بالتسامح والمرونة
بعدما عرفنا مصدر القاعدة وحجيتها، نأتي إلى معناها ودلالاتها، ومفاد هذه القاعدة أن غير المسلم عندما يعتنق دين الإسلام يسقط عنه ويمحو الله ما صدر منه حال عدم اعتناقه الإسلام من معاص وآثام وخطايا وأقوال وأفعال وما ترك مدة عدم اعتناقه للإسلام، ويكون الإسلام كفارة لذنوبه من قول أو فعل أو ترك؛ فإنه بمجرد اعتناقه الإسلام والتشرف به، يسقط عنه ما ثبت في ذمته ويمحو الله عنه الذنوب والسيئات امتنانا من الله تعالى لترغيبه في قبول الإسلام، وعدم الخوف من أي أثر سابق.
ويستثنى من ذلك الشمول الحدود الإلهية - وفي المسألة خلاف - وكذا الحقوق الشخصية وخاصة المالية منها؛ فلا تسقط الديون مثلا بإسلام غير المسلم، بل تبقى في ذمته باعتبارها حقوقا فردية شخصية يجب أداؤها، فالقاعدة بالعموم تدل على أن الإسلام يجب؛ أي يسقط حق الله عمن اعتنق الإسلام، لا حق العبد الثابت الذي لا يسقط.
ومن هنا يتبين لنا عظمة هذا الدين ونهجه وعدالته التي رحم بها كل عباده، بل حتى غير المسلمين الذين دعاهم إلى الدخول في هذا الدين الحق، ووعدهم بالعفو والمغفرة، ودعاهم إلى العمل الصالح ليكتمل إيمانهم ويفوزوا فوزا عظيما؛ قال تعالى: {ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما}.
التعليقات (0)