فى عمق الزمن المتطاول كان العرب الجاهليون يعيشون فى شبه الجزيرة وكانت جاهليتهم شديدة الوطأة عليهم جغرافيا حيث قسوة الأرض والمناخ وسياسيا حيث القبلية المتعصبة المعتدية ... ولكن رحمة الله تأبى أن تترك عباده فى أعماق الظلمات بلا نور "ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور " وقد كانت هبة الله لهذه الأمة -فى ذروة ضعفها -عطاء لم يتيسر لأمة أخرى ولعل هذا كان من إعداده سبحانه للرسالة الخاتمة ...أقول تمثل العطاء الربانى للعرب فى ناحيتين :
أولاهما :هذا الولع الفطرى بقيمة الكلمة وامتازت بأنها الأمة الوحيدة التى أقامت أسواقا للفكر أشهرها سوق (عكاظ ) التى تتوافد عليه أكابر العقول من الشعراء والنقاد ...وبلغ تقدير هذه الأمة شأوا عاليا حيث كانت الكلمة تعدل حياة قائلها لأنها ترتبط بشرفه ..وصارت الكلمة ترفع قوما وتخفض آخرين وقد تمثل هذا فى احتفال الزعماء والكبراء بالشعراء أملا فى مدائحهم ..ولعله مما يذكر فى هذا المجال البيت الذى قاله /الحطيئة فى قبيلة /بنى أنف الناقة ..الذين كانوا يخجلون من هذا اللقب ..فقد قال فيهم :
قوم هم الأنف والأذناب غيرهمُ ومن يسوى بأنف الناقة الذنبا ؟ا
فأصبحوا -بعد هذا البيت-يتطاولون شموخا بآنافهم .
والثانية :بعض الأخلاق القويمة التى ما كانت هذه الحياة الصعبة تصلح إلا بها ....
فقد كانت الشجاعة خلقا فطريا لدى القوم حماية لوجودهم وكسبا لحاجاتهم ...وكان الكرم شيمتهم كواحة للضيفان والفقراء ...وكانت المروءة من سجاياهم تتجلى فى سلوكهم وأكاد أرى وجه أبى جهل وقد صفع أسماء بنت أبى بكر وقد جن جنونه لهجرة النبى صلى الله عليه وسلم ولكنه التفت إلى زميله قائلا: اكتم عنى ...فقد اعتذر عن عدوانه على النساء وعدها سقطة لاتليق بالرجال ....
ومما لاينسى فى هذا المجال تلك المروءة العالية لهؤلاء (الجاهليين ) عندما كان أحدهم يلقى عدوا له على حين غرة فقد كان يصيح به :(خذ حذرك فإنى قاتلك ) .............
ومن صور الأخلاق الرفيعة لأهل (الجاهلية الأولى ) :ما اجتمع عليه الأكابر من قريش من العزم على رد المظالم وإنصاف أصحاب الحقوق وعقدهم حلف (الفضول ) الذى قال عنه صلى الله عليه وسلم "لو دعيت به فى الإسلام لأجبت "...........
ولابد هنا من التساؤل والموازنة :هل نحن -أيها المسلمون -وفى عصور الجاهلية المعاصرة على مستوى القوم فى هذه الخصال ؟
التعليقات (0)