على الرغم من اختفاءه عن المشهد السياسي في بلاده، المملكة العربية السعودية، إلا أن الأمير بندر بن سلطان، الأمين العام لمجلس الأمن الوطني، لا يزال صاحب مدرسة مؤثرة، ليس في مملكة أجداده فحسب، بل في العالم العربي، حيث معجبوه الكثر وحسّاده على حد سواء.
وفي السعودية يمكن أن تسمى بضعة أسماء من حضور تلك المدرسة وتلامذتها الأوائل مثل رحاب مسعود، عادل الجبير، وسلمان بن سلطان، وأحمد قطان، وآخرون. أما في الخارج، حيث عالم العرب الأرحب، فإن القائمة لن تخلو من محمد دحلان، وحمد بن جاسم، وآخرين يتتبعون الأخبار، مثّل لهم بندر القصة الأكثر إثارة في حياة رتيبة.
وبعد أن صار سفيراً لبلاده خلفاً لفيصل الحجيلان في العاصمة الأميركية واشنطن، كأصغر سفير في أكبر عاصمة في العالم، فكر الأمير بندر بن سلطان، الآتي في ذلك الوقت حديثاً من العسكرية، ومن الطيران بصفة خاصة، في كيفية تحديد أهدافه كطيّار بارع.
كانت أهدافه : النفوذ، السلطة، الاتصالات؛ الأمر الذي جعله يختار شابين أثنين كانا لا يتجاوزان حينها الثلاثين من العمر؛ أولهما كان عادل الجبير، وهو شاب قضى معظم سنين عمره خارج المملكة، ويتحدث الإنجليزية بطلاقة، وأوكل إليه بندر مهمة الاتصالات بالكونغرس، ومجلس النواب، وقوى المجتمع المدني.
الجبير هذا، نفذ بسرعة، على طريقة طارق بن زياد، حتى دخل الديوان الملكي السعودي من أوسع أبوابه، مترجماً خاصاً للملك، ومنه صار سفيراً لبلاده في واشنطن العظمى، حتى يومنا هذا. وأصبح الشاب الصغير في الثمانينات، الذي كان يطرق أبواب الكونغرس، يحتل ذات المكتب الذي تركه له سابقاه: بندر بن سلطان، وتركي الفيصل.
أما الشاب الثاني فقد ظل بعيداً عن الأضواء فترة طويلة حتى فاجأ الملك السعودي، عبد الله بن عبد العزيز، الناس بطرح أسمه علناً وتعيينه في منصب وزير وبالمرتبة الممتازة، ألا وهو السيد رحاب مسعود.
وكان العاهل السعودي عبد الله بن عبد العزيز قد أصدر أمرا ملكيا بتعيين رحاب بن محمد إبراهيم مسعود نائبا مساعدا للأمين العام لمجلس الأمن الوطني بالمرتبة الممتازة، بعد أن كان رفيقاً لمعلّمه سنوات طويلة في كل العواصم، ولم يكن يخلو أي اجتماع من وجوده.
ووفقا لما ورد بوكالة الأنباء السعودية " واس " فقد احتل رحاب مسعود منصبا دبلوماسيا رفيعا في سفارة الرياض لدى واشنطن، وكان مساعدا أيمن للأمير بندر ورابط اتصال مع مراكز حساسة في واشنطن، إلى جانب مهام دبلوماسية تقلد بها وساما رفيعا من الدولة.
وبالعودة إلى واشنطن حيث مبتدأ القصة، فقد عمل الشابان تحت رئاسة بندر بزمالة تغلب عليها حدة التنافس؛ فهما من الموقع الواحد لكن السمات، والمميزات، وماهية الدفع مختلفة لدى الشابين، اللذين سرعان ما مضى كل منهما إلى طريقه، رغم أن عادلاً سبق وأن عمل تحت إدارة رحاب في شعبة الكونغرس بالسفارة السعودية في واشنطن.
رحاب مسعود أستمر في النهاية مع بندر. كان مسئولاً عن الاتصالات مع البيت الأبيض، الاستخبارات، أجهزة صناعة القرار التنفيذي، حتى منحه الملك عبد الله المرتبة الممتازة، وأصبح مكلفاً، بعد رئيسه بندر، بأكثر الأجهزة سطوة في السعودية، وهو جهاز الأمن الوطني الذي يتولى نشاط التنسيق الأمني، والاستراتيجي، بين أجهزة الأمن العملاقة في المملكة.
ويعد رحاب من أكثر المسئولين السعوديين حركة وانضباطا واتصالات؛ معظم عواصم العالم تعرفه : واشنطن، طهران، بكين، موسكو، الدار البيضاء، دمشق، وعواصم لا تعد ولا تحصى.
وعرفه خلال طريقه إلى هذا المنصب الرؤساء : رونالد ريغان، هيلاري كلينتون وزوجها، وآل بوش، وغورباتشوف، ويلتسن، وليس انتهاء بالصحافيين الذين يجيد تمرير الكرات البينية لهم، وسحرهم جميعاً بثقافته الواسعة، من غربية إلى شرقية، وقدرته على ضبط إيقاع الحوار الذي لا يعرفه إلا رئيسه، ورؤساء رئيسه، مستمداً من تراث أبيه كل هذه المواهب.
وكان والده الراحل محمد إبراهيم مسعود وكيلاً لوزارة الخارجية، ثم وزيراً للدولة في مجلس الوزراء، فضلاً عن أنه كان يداً يمنى للملك فهد للمهام الخاصة، وبشكل أكثر وضوحاً تلك المهام التي كان مسرحها منطقة القرن الأفريقي التي زادت التهاباً، مما يجعل الأجهزة الأمنية في المملكة، ومنها الأمانة العامة لمجلس الأمن الوطني، مطالبة بالأخذ بعين الاعتبار مداواة التهابها.
وآخر المنضمين إلى المدرسة البندرية، كان الأمير سلمان بن سلطان، الذي عمل مع بندر في واشنطن سنوات طويلة، حتى أنتقل معه إلى مجلس الأمن الوطني وأصبح مستشاره الخاص للشؤون الأمنية، والاستخباراتية. وكذلك أحمد قطان الذي يتولى سفارة السعودية في مصر.
ولم تنته القائمة عند هذا الحد، بل إلى الشرق هناك، حيث الدوحة الغنية بالغاز والطموحات، وتحديداً إلى رجلها المثير للجدل، الشيخ حمد بن جاسم، رئيس الوزراء، الذي تعلّم من بندر أن واشنطن هي المحطة الأولى، وأفلح بالفعل في نسج بعض من العلاقات هيأت الدوحة للعب مباريات من الدرجة الأولى أحياناً.
ولم يفوّت شيخ قطر، المعروف بالألعاب البهلوانية المثيرة، قراءة الكتاب الذي صدر عن بندر فور نزوله إلى الأسواق في نيويورك، التي تبعد عن عاصمة حكمة أكثر من ثلاثة عشر ساعة بالطائرة، رغم صعوباته في اللغة، الأمر الذي جعله يطلب نسخة مترجمة، ويغوص في عالم بندر الذي سحره منذ سنوات.
أما فلسطينياً فإن دحلان يلقب في الجلسات الخاصة بين الفلسطينيين أنفسهم بأنه "بندر الفلسطيني"، فهو يجيد استخدام العلاقات الجيدة في العمل السياسي لمصلحة قضيته، وتمثّل له واشنطن العاصمة الوحيدة في الكون القادرة على حل أزمة شعبه المهجّر منذ نصف قرن، في أفظع مأساة إنسانية عرفها التاريخ.
وعلى الرغم من ان دحلان لم يلتق بندر إلا في مناسبات بسيطة وخاصة، فإنه كان مأخوذاً باللحظة ومتابعاً لها، وغالباً ما كانت أذنه إلى المتحدثين، لكن عينه لا تبارح رجلاً واحداً فقط: أسمه بندر.
وعلى الرغم من الإشاعات والأقاويل التي بثها حسّاد الأمير في الورق والإنترنت عن ملابسات غيابه، فإن الحقيقة هي أنه بدأ يميل إلى أن يعيش حياته الخاصة، التي طالما أفتقدها، في قصره المرّاكشي، حيث المدينة التي تشعره بالهدوء، وسبق لها أن سحرت رجله السياسي الأكبر ونستون تشيرشل.
وليست مرّاكش هي القاسم المشترك الوحيد بين الرجلين، بل أيضاً نوبات الكآبة التي يعانيان منها، وبدأت مع بندر فور تلقيه خبر توعك ملكه الراحل فهد بن عبد العزيز عام 95، ولم يخرج من غرفته لمدة أسبوعين.
التعليقات (0)