-يوميات الثورة-
فرص التغيير
من حيث جـْـئتَ وفي أي مكان كنتَ وإلى أي قرية اتجهت، لابد أن تستمع للناس وهم يتبادلون الشكوى فيما بينهم.. ويعدون الأخطاء على تنوعها والمشاكل على غزارتها..
فمحترفو السرقة في الأسواق العامة لم يعودوا يجدون في جيب الفريسة ما يسد الرمق وهم لذلك يذرفون دموعهم المهتانة.
والتجار يضجون من سطوة شركائهم ويعبرون عن سخطهم من هور رجال التراخيص وجباة الجمارك والضرائب.
والجنود يتأوهون من أيديولوجيا التحريض وسياسة تأخير الرواتب.. والشرفاء من ذوي المناصب العليا في منازلهم يوسعون التقاسم لعنـًا وبغضـًا والمواطن يتذمر من الغلاء والتلاميذ يتأوهون بمرارة لتأخر الكتاب المدرسي وازدحام الفصول وعدم القدرة على الاستيعاب.
والأحزاب عجز في السلطة.. وحقد موصول بكراسي الحكم عند المعارضة.
وما من أحدٍ إلا وللتنديد والشجب نصيب وقته، ما من يوم يمر بالمواطن أيـــًا كان محتده أو انتماؤه أو عمله دون بيان استنكار شفهي أو مكتوب.
فما العمل..؟
هل من طريقة للخروج من نفق الشكاوى؟ أليس في وسعنا الإقلاع عن الآهات كطريقة سهلة يفضلها الضعفاء وتتأفف منها الشعوب المتحررة من اليأس.
إن الإدمان على البكاء لا يورث غير الحسرة والندم ومن الأفضل ألف مرة التحفز لقطع خطوة إلى الأمام من أن نحشد عاطفة العالم وشفقته بنا..
ومن المفارقات العجيبة التعود على الآهات وتحويلها إلى سلعة نتباهى باستعراضها ونقيم على أساسها أمجاداً عظيمة عبر الصحف وفي ثنايا القراءات النقدية المتشنجة التي تطفح بالعبارات النارية في موسوعة الكلام من أجل الكلام ولذات الكلام.
وكذلك نحن نألف الأخطاء ونربطها بالكرامة الشخصية التي لا يجوز المساس بها.. وفي مثل هذه الحالة يصبح الدفاع عن السلبيات جزءاً من الدفاع عن النفس.. وتلك واحدة من أخطر المشاكل الراهنة باعتبارها المعضلة التي تقف عائقـًا دون التغيير الجوهري الشامل..
وحين يصير الشعب كله مظلومـًا فلا تتعب نفسك بحثـًا عن الطغاة ولكن عد إلى الشعب وستجده الذي ظلم نفسه..؟
ومن المؤلم أن تبدو السلبيات وكأنها قاعدة لنشاطنا المشترك أو هي موضع الإجماع.. وبهذا التحديد لا يوجد ما نتمايز به ولا يوجد شيء اسمه البراءة.. مما يلحق الوطن من مضار.. ولكن الفارق ينحصر في نسبة الممارسة السلبية وتفاوتها من إنسان لآخر.
لقد انعدمت فرص التغيير بفعل سطوة الأخطاء والوقوع الجماعي تحت طائلتها مما نضطر معه للمساومة ومقايضة الخطأ بمثله ((فهذه بتلك)) وتغاضي جهة ما عن جريمة في حق أمن المجتمع يعادله صمت الأخرى حيال اختلاس للمال العام.. وعلى هذا النحو من الاختلال الذي يمس مصلحة الوطن تكونت شبكة عريضة من المصالح المتبادلة وبتنا نعلق الخسائر على مشجب المؤامرات الخارجية ونكتفي بذرف الدموع وتداول المواجع..
وتمر فرص نادرة وثمينة للتغيير فنستهين بها وندعها تضيع دون أدنى استفادة منها أو بذل أقل جهد ممكن لاستغلالها فيما يخدم تطلعاتنا المشروعة.
وإذا كانت بلادنا تتهيأ للشروع الفعلي في أول انتخابات نيابية على مستوى الوطن اليمني فإن من الواجب الوطني تذكير الناخبين بأهمية اختيارهم لمن يمثلهم في البرلمان القادم وبأنهم إما أن يكونوا عونـًا لأنفسهم وسنداً لوطنهم ومصدر قوة للعناصر النزيهة أو أن يكونوا ضد مصلحتهم فتغويهم الشعارات وتخدعهم الوعود وتنطلي عليهم الحيلة ويحكمون أنفسهم بالبؤس والعذاب.
إن في وسع المجتمع أن يفعل شيئـًا من أجل نفسه أولاً إن لم يكن من أجل الوطن والمستقبل، ويقع على كاهل كل رجل وامرأة مسئولية بناء الوطن وحمايته من التبعية والارتهان عن طريق الانتخابات والتصويت للمرشح الغيور على دينه ووطنه وثورته القادر على مقارعة الظلم ومواجهة الاستبداد والعنف المؤهل بعلمه ومنطقه لمجابهة الفساد.
إننا فعلاً، لا نريد نوابـًا، يجيدون البصم على الورق الأبيض، ولا نريد تغليب العواطف الحزبية باختيار الذي تقطر أيديهم بالدماء.
إن أصواتنا لابد أن تكون لهذا الوطن وإذا لم نع الدرس جيداً فسندفع الثمن باهظـًا..
((وكما تكونوا يول عليكم))..
نداء للأخ/ الرئيس:
محمود حسن الجباري الشاعر المبدع والوطني العف اختاره الله لجواره فغادر الحياة ضجراً من معاناتها ورتابتها، وتنكر أبنائها، وكذلك حال المبدعين من أمل دنقل في مصر إلى السياب في الرافدين وقوفـًا عند محمود الجباري من اليمن..
لا المؤسسة الثقافية الرسمية اهتمت بأمره ولا اتحاد الأدباء شيعه إلى مثواه الأخير بيد بكته الكلمة النقية والقصيدة المشبعة بالكبرياء بطهارة الضمير وسمو الهدف..
رحم الله محموداً.. أما تراثه الشعري فلن يخيب.. فخامة الأخ الرئيس آمالنا المعلقة عليه بطبع ديوان الفقيد على نفقة وزارة الثقافة..
شاهد من الشعر:
إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه
فكل رداء يرتديه جميل..
الصحيفة: الثورة العدد:
التاريخ: 4/3/1993م
التعليقات (0)