-يوميات الثورة-
الانتخابات ودور الإعلام
أما وقد بدأت أولى الخطوات الإجرائية في إنجاز الانتخابات النيابية بتوزيع الدوائر وانتشار مئات اللجان الإشرافية على مختلف أرجاء الوطن وتدفقت مؤشرات الجماهير من خلال الإقبال على مراكز القيد، فإنه يتعين على مختلف المؤسسات التربوية والإعلامية والثقافية الحكومية منها والحزبية والشعبية أن تنتقل مباشرة إلى مرحلة التفاعل الإيجابي والإلمام بدورها إزاء قضية الانتخابات بصفتها أهم تجربة وطنية معاصرة وباعتبارها أبرز تحدياتنا الراهنة وأهم مقوم لمواجهة المخاطر وهي السياج المتين الذي يحرس عقيدة الشعب من الانحلال ويحافظ على كيان الأمة من التمزق ويحمي الثورة من الانحراف ويصون الوحدة اليمنية من التهتك.. ومن الواجب أن لا تقتصر نظرتنا لهذه التجربة على حسابات الربح والخسارة، ومقاصد الاستغلال والترفع عن أي تواطؤ يخل بنزاهة الانتخابات سواءً تمثل ذلك التواطؤ بتعاطي الدعم الخارجي لترجيح دفة الوكلاء أو باستخدام النفوذ الرسمي وإهدار المال العام في التأثير على آراء الناخب..
ومن المحزن أن تبدأ إجراءات القيد والتسجيل من غير أن ترافقها حملات إعلامية وتثقيفية مكثفة عما تمثله الانتخابات من أهداف استراتيجية عليا، وما يقترن بممثلي الشعب في البرلمان القادم من مسئوليات وأعباء في صدارتها سن القوانين وإعادة تشكيل سلطات الدولة ومعالجة الاختلالات في حياة المجتمع وإثبات هيبة النظام وسيادة القانون وتجسيد الذات الوطنية المعبرة عن وحدة الوطن وتطلعات الشعب..
إن اللجنة العليا للانتخابات وهي تخرج من نفق المعادلات الصعبة في تكوينها، ثم وهي تضع تجربة نادرة لغلبة العواطف الوطنية على ما عداها من ميول سياسية.. إنها بذلك لجديرة بالثناء، حتى وإن استدعى الأمر غض الطرف عن طريقتها في تشكيل اللجان وتقسيم الدوائر. فمن الخطأ أن نطمح بالحد الأقصى من الآمال في ظروف عصية كهذه، فكل ما يريده الناس من بعضهم (حسن النية) ريثما تقترب الأكف من بعضها وتهفو إلى مصلحة اليمن كقاسم مشترك أو كمدخل إلى ما ينفع الناس.
لكنما.. يفترض في هذه اللجنة وقد تجاوزت (الأنا أو الطوفان) أن تولي الجانب الإعلامي أهمية قصوى لكي ينخرط في عضويتها كل أبناء الشعب ولتجعل من نفسها هيئة إشرافية وتنفيذية يسندها الشعب ناخباً ومرشحاً ورقيباً وذلك أمر أغفلته اللجنة وتجاهلته مؤسسات المجتمع أحزاباً سياسية ومنظمات جماهيرية واتحادات نقابية ومهنية وإبداعية.
لقد حان الوقت للشروع العملي في تكريس مبدأ التداول السلمي للسلطة على قاعدة الوعي المعرفي القائم على إثبات حقيقة جوهرية بأن الشعب مالك السلطة ومصدرها. ولن يتأتى الوصول إلى هذه النتيجة دون الإقرار بوجود قطاع واسع من أبناء الوطن في أمس الحاجة لوضوح الرؤية ولمزيد من الاقتناع بصدق التوجه وسلامة الهدف وإثبات حق الشعب في الاختيار المتحرر من شبح الماضي وكوارثه.
إن للناس ذاكرة تقليدية تنهمر منها ذكريات مريرة حافلة بالدروس التي تصد المواطن عن الانتصار لإرادته الشجاعة وتثنيه عن الخوض في غمار تجارب يشوبها الغموض، وتمنعه من المجازفات التي اعتادها ذات ثمار وخيمة ومردود سيئ.
ومن المفيد أن نذكر بحجم المعاناة التي احتملها المجتمع ثمناً للشعارات الجوفاء وتعاملاً مع أوهام نسجها تجار المبادئ وذهب ضحيتها الطيبون من الناس.
إنه ليشق على الجماهير في جزء من الوطن إلغاء مساحة كبيرة مما يعلق في ذكرياتهم عن سنيّ طويلة من القحط الفاجع الذي أفرز ثروة هائلة من اليأس والقنوط وحفنة من الآمال التي شيعها بذخ العنف وحللتها الغارات وملأت البيوت عويلاً والمدن هزائماً والمقابر ضحايا.
وما لم نعتمد في انتخاباتنا القادمة على نشاط تثقيفي مركز فلن يكون في وسعنا أن نمسح من أذهان الناس تجارب موحشة عن الدائرة المقفلة ومرشحهم الغريب والفائز رغم أنوفهم وممثلهم الحبيب شاؤوا ذلك أم أبوا.. وعلى نحو آخر كانت الجماهير في جزء من الوطن تدفع ثمناً باهضاً للتآمر على حريتها وتقدم مهجتها في مواجهة قوى التعذيب وفلول المرتزقة.
ولهذا تتأكد مسئولية اللجنة العليا للانتخابات ومؤسسات المجتمع اليمني على رسم سياسة إعلامية تساعد أبناء الشعب على تجاوز الآثار السلبية في تجارب الماضي وتعين الناخب على التخلص من جراح التجارب الفاشلة وتمكنه من نبذ الرواسب الذهنية التي تفضي به نحو اليأس وتسلمه إلى الملل وعدم الاكتراث.
وإذ لا عتب على من لا يعلم فإن الأسس والضوابط لا تكون موضع التزام ما لم تصبح مسئولية تنفيذها ووعي كنهها وعلم غاياتها جماعية.
لقد حان الوقت لارتياد بوابة الحلم التي طرقها المفكر ولم تجبه، وغمزها الشاعر وأنكرته، وخطبها السياسي فارتدت عليه تقصف قلبه.
وما من مبرر لتخلف أجهزة الإعلام عن مهام التعبئة ورصد اتجاهات الرأي العام والرد على مجمل الأسئلة المطروحة حول مستقبل الديمقراطية والتعريف بأهمية الانتخابات، والربط بين بطاقة الناخب ومصالحه العامة كواحد في المجتمع ومنه ..
وليس من مفهوم شريف للنضال أكثر من كلمة نقية حيال حدث يتصل بمستقبل الأمة وتحديات العصر..
شاهد من الشعر:
وإن الذي بيني وبين بني أبي
وبين بني عمي لمختلف جدا
الصحيفة: الثورة العدد:
التاريخ: 22/1/1993م
التعليقات (0)