يهودي... حاشاكم...!!!. يحضر العنصر اليهودي في ثقافتنا الشعبية كمرادف للسلبية في كل مستوياتها. و هكذا يتم إطلاق وصف " اليهودي " على كل شخص لم تجد الرحمة طريقا إلى قلبه، و على كل من يخدع الناس و يستغفلهم، وعلى كل خائف رعديد كذلك... فما الداعي إلى هذه الصور النمطية؟. و ما مدى حقيقتها و صدقيتها؟.
لقد كان اليهود دائما جزءا لا يتجزأ من النسيج المجتمعي في عدد من مناطق العالم الإسلامي، إلا أن الإختلاف الديني شكل نقطة حاسمة في طبيعة العلاقة القائمة بينهم و بين المسلمين. و رغم أن ذلك لم يمنع الطرفين من التواصل و تبادل المنافع، فإن الإنطباع الذي خلفه الخطاب الديني عن اليهود لا يمكن تجاهله في هذا الشأن. و هذا يعني أن كثيرا من المواقف التي يتم تداولها بين عامة الناس عندما يتعلق الأمر ب" اليهود" جاءت كاستجابة مباشرة لقراءة محددة للنص الديني تضع اليهود في مقام " القردة و الخنازير". و هذا التوصيف هو الذي يجعل لازمة " أعزكم الله" أو "حاشاكم" ... تحضر باستمرار كلما تم ذكر لفظ " اليهودي " في الأوساط الشعبية. أي أن الفكرة التي استقرت في العقول تنظر إلى هذا الإنسان بوصفه رجسا أو كائنا خبيثا ينبغي تجنبه و عدم الثقة فيه. و قد ساهم الصراع في الشرق الأوسط منذ تأسيس دولة إسرائيل في تقعيد هذه الصورة النمطية الجاهزة و تأكيدها. و مرة أخرى كان للفكر الديني دور مهم في ترسيخ هذه المواقف السلبية و العدائية. و أصبح اليهود أعداء مباشرين للمسلمين الذين يرفعون أكف الضراعة إلى الله من أجل تخليصهم من شر أعدائهم و الإنتقام منهم شر انتقام. و أصبح الكثيرون يحفظون عن ظهر قلب أدعية يتم ترديدها في كل مكان، و ذلك من قبيل: " اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم، و جمد الدم في عروقهم، و يتم أطفالهم... " و هي أدعية تحض على الكراهية و العنف، وتكشف عن غبن كبير أصاب المسلمين جراء السياسات التوسعية لدولة إسرائيل التي لا يمتلكون حيالها إلا الدعاء. و رغم أن ممارسات قادة إسرائيل لا تعبر عن مواقف كل اليهود، فإن سيف دعاء المسلمين لا يستثني منهم أحدا.
إن هذه الصورة السلبية التي ترسخت في الضمير الجمعي الإسلامي، و خصوصا في هذه المنطقة التي تسمى: " العالم العربي" تعبر عن روح الإنغلاق التي تميز الثقافة الإجتماعية، والتي بموجبها يتم النظر إلى الآخر المختلف باستعلاء. لكنه استعلاء فارغ و غير ذي سند. فقد أبدى اليهود قدرات مبهرة في شتى المجالات. وقدموا خدمات جليلة للإنسانية نقلتها من ظلمات العصور الوسطى إلى نور العلم الحديث الذي بسط ضياءه على العالمين. وهكذا برز عدد كبير من اليهود العباقرة في العلم و التكنولوجيا وفي مختلف ميادين الحياة. و لا يمكن لأحد أن يقفز على العبقرية اليهودية في هذا الشأن ( طبعا لا أتحدث هنا عن الخصوصية اليهودية بمعناها الصهيوني ) عند شخصيات متميزة مثل: ألبرت إنشتاين و سيجموند فرويد و كارل ماركس و كارل بوبر و ولفغانغ باولي و لودفيخ فتجنشتاين و نعوم تشومسكي و كلود ليفي ستراوس... و المدهش أن بعض المسلمين يعتبرون أن تفوق اليهود وغيرهم في العلم هو أمر من الله الذي سخرهم لنا و جعلهم في خدمتنا. ومثل هذا الخطاب هو الذي يضفي التبرير على الواقع المتخلف الذي يسكننا و نسكنه على كل المستويات. لذلك يعيش المسلمون مفارقة عجيبة، فهم يدينون بكل ما يقع تحت تصرفهم من وسائل التكنولوجيا الحديثة لليهود و نبوغهم، لكنهم مع ذلك يعلنون عن حقدهم تجاههم بمناسبة أو بدونها.
إن كثيرا من المواقف المتداولة بشأن اليهود في مجتمعاتنا تتغذى بفهم محدد للخطاب الديني السائد، والذي ساهم إلى حد بعيد في تشكيل ملامح سلبية عن الشخصية اليهودية. و الحال أن هذه الصورة تخلط بشكل كبير بين الصهيونية و اليهودية و تجعلهما و جهين لعملة واحدة. و هو تصور خاطئ و لا يمت للحقيقة بصلة. محمد مغوتي.21/11/2010.
التعليقات (0)