لعلك لا تقرأ ما يُكتب في الإنترنت ياعلي ولا تتعاطى معها ، فأنى لمثلك من جرفه الجنوب نحو البحث عن لقمة عيش كريمة ، أنى لك أن تدفعك الرفاهية لمثل هذا ؟!
للوهلة الأولى يا علي وحين ظهورك في قناة الإخبارية عبر تقرير تلمست فيه هذه القناة - ومنذ فترة وأنا أرى ما تقوم به هذه القناة من تتبع لهموم المواطن - أقول تلمست فيه تلك القناة معاناتك ، قبل أسبوعين من الأن ظننتك " يمنياً " . يمني أثر أن يترك ضيق الحال في بلده ليأتي إلى السعودية ليقتات في ظروف يراها أحسن .
لكني فوجئت بأنك " سعودي " ! سعودي بالمسمى كحال كثيرين بل ملايين من السعوديين ، لكن الأمر أنك من الجنوب ، من جيزان ذلك الجنوب المنسي إلا من مساحة في الخارطة .
لا أخفيك يا علي إنه ومنذ تابعت التقرير وأنت تؤرقني ، تلاحقني في كل تفاصيل حياتي ، في منامي ، في عملي ، في طعم وجبات الطعام ، في رنين وسادتي الذي لا أعرف مصدراً له ، في عيون فسيلتي ، حتى أنك أصبحت تلازمني كالقرين .. مثلك يا علي وهمك وجراحك لا يستطيع المرء أن يتجاوز ذلك إلى النسيان .
تابعتك وأنت تأكل في أحد المطاعم الشعبية ، وأنت تمشي لابساً ثوبك السعودي وعلى رأسك ختماً سعودياً أسمه الشماع ، وكأن لسان حالك يقول صدقوني أنا سعودي .. تابعتك وأنت تصعد درجاً يشاركك وجعك لتصل إلى غرفتك في السطوح .. تابعتك وأنت تتحدث .. وأنت تخلع شماغك الختم وتعلقه بمساعدة العقال في أحد الأوتاد .. تابعتك وأنت تتحدث بألم وكيف تركت جيزان بعد حصولك على الثانوية متجهاً عام 1413هـ - إن لم تخني الذاكرة - إلى الرياض عاصمة الخيرات باحثاً عن وظيفة ، تابعتك وأنت تسرد بأسى ما قاله لك موظف ديوان الخدمة المدنية وأنت تتردد عليهم لأكثر من شهر ياأخي " وش تبي " وأنت ترد عليه " ياأخي أبغى أعيش أبغى أكل .. " ، لن تصدق يا علي كم طاردتني هذه الجملة ..! .. تابعتك يا علي وأنت حنق على وطنك الذي وحده عبدالعزيز بن عبدالرحمن ، تابعت عينيك وأنت تعزف عن إنزال الدموع بكبرياء .
لن تصدق يا علي وفي لحظة غادرة أنني حمدت ربي أني نجدي ثم إستغفرته ، إذ في لحظة الحمد قلت في نفسي لو كنت مكان علي وكوني من أهل نجد لكنت وجدت وظيفةً تناسب مؤهلي الثانوي ، ثم عاتبت نفسي بشدة إذ لا يجتمع شعوري بأساك ولا يجب أن يجتمع بتلك اللحظة التي داهمتني .
تابعتك يا علي وأنت تستند - قرب إحدى المصالح الحكومية - على كرسيك ملتصقاً بطاولة صغيرة لكتابة " المعاريض" - قاتل الله المعاريض ومن سعى بها - فقلت لك الله يا علي ابيت إلا أن تكون من العليين والمتعففين .. هكذا يا علي تكسب قوت يومك ! .. لكن يا علي ما سألت نفسك لو إن الدولة طورت نفسها بحيث لا يكون لتلك " المعاريض " حاجة ، ما سألتها أين سيطيح بك وجعك مجدداً ؟
هأنت يا علي عليك من بعضي وبعض البعض السلام ولوطني السلام ، هأنت تدفع بي إلى وجع جديد بعد ان ظننت أن الكتابة أصبحت إرثاً نسيته كما ينسى الصديق صديقه بعد أن يرشفان كأسيهما الأخير ..
لكن يا علي لا بأس أن أشركك معي ببعض همومي فقد أصبحت صديقاً يلازمني أنى وكيفما ذهبت .
هل سمعت يا علي عن مهزلة سوق الأسهم ؟ عن أمال واموال تبخرت ؟ عن أسر إفتقرت ؟ عن هيئات تدثرت ؟ عن ملك نحبه جميعاً يُراد له أن يُكره ؟ عن وطن ليس كالأوطان ؟ عن بلد الأمن والأمان ؟ عن سرقات وتسويفات ؟ لكن كيف لك أن تسمع وقد عُزلت ؟ كيف لك أن تسمع وقد نُهبت؟ نعم نُهبت ، نُهبت حين نهبوا أمالك في العيش الكريم ، نُهبت حينما جردوك إلا من زيك الذي مازلت تتمسك به أملاً أن تعود بصحبة الوطن الجميل إلى أهل هجرتهم وذكريات تحن إليها ، إلى البحر وهو يلفه المغيب ..
يا علي مالي أحملك فوق ما تحتمل ؟ لعلي أعفف نفسي كما فعلت أنت حينما قررت أن تقتات من كتابة المعاريض ، وأفوض أمري إلى عبارة :حنا بخير ونعمة وحنا أحسن من غيرنا ، وألزم الصمت ويلزمه معي كل الموجوعين ونهاجر إلى الأحلام ففي الأحلام بعض عزاء ، ولا عزاء للخائفين الموبئين ، فلا عزاء لك ولا لي فعلينا أنت وأنا ومن يحلو له مشاركتنا السلام ، والسلام أمانة فمن يؤديها ؟
التعليقات (0)