يقول : قد اسمعت اذ ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي . واقول : وكيف تسمع بك حيا كفيف البصر اصم الاذان , من المؤسف ان ينسلخ من عمر الوطن زهاء القرن , وقد اعتراه الهرم منذ نشأته , وانحل وكاؤه وأصيب بالزهايمر قبل ان ينعم بأطوار الحياة كما البلدان الأُخر , سوى طفولة استمرت لتذيب الشحم وتأكل اللحم وشيخوخة تدق العظم .
ولعل عوده يبس قبل ان يورق الورد , رغم تدفق النفط في عروقه وما يفيض من ترابه من انهار نقديه هائلة , لو وجدت العقل الفطن والادارة المتزنة وتغليب مصلحة الوطن على المصالح الشخصية لصيّرت منه في غضون اقل من عقد بلدا غنيا بكل الموارد ومصدرا لكل الصناعات وقوة اقليميه تنافس قوى الغرب بكل ما يملك .
ولكن للأسف تصلب الشرايين في قلبه لم يجد له من يقوم بعلاجه , ولد وطني وترعرع وربى طوال قرن ونيف اسيرا لتشريعات القبيلة ونظامها الارتجالي , لا نظام يحكم ولا قانون يجمع سوى الشعارات البراقة والكلمات الرنانة والعادات البالية وما تمليه الطبيعة. لم يترك لمن يحبه سوى العيش على انقاضٍ سماها دولة , ورفع على اطلال التاريخ اعلام الجمود , وقضى عمره يترنم على نغمات اوتار الذاكرة .
ولعلنا نعي ان لك بداية نهاية ومصير الجمال ان لم يكن حقيقيا للزوال مهما كانت القوة المادية ان لم تكن مقترنة بالقوة الروحية والمعنوية , فصل قصير للصيف وتساقط للاشعة الشمسية عليه قد تكون كفيلة بإذابة جميع المساحيق التجميلية وانهيار عمليات الترميم المزيفة , حتى يظهر للعيان الكلف يكسو محيا البدر والنتوءات تتجلى على تراسيم القمر .
ولا شك بنظري ان الضعف اخذ يبرز جليا من خلال طرق معالجة المسئولين للمعضلات وادارة الازمات التي تحيط بنا والمتغيرات العالمية المتسارعة من حولنا , فلم ينجع أيا منهم في نهجه لخلق بيئة صالحه للإصلاح , ولم يحجّم ايا منهم من اورام الفساد المستشري , ولعمرك لا ذا انجزه ولا ذاك قضى عليه , ولا زال يفقس بيضه في عش الاخرين , ويطأطأ رأسه في ربق حيتان الارض , ويشرعن استجداء الخير من اعدائه وممن لا يريد له الفلاح .
ولعل اعضل الامور واشدها تأصلا في الوطن ولم تجد من يجد لها دواء ناجع سوى التسكين , الانين المتعالي تحت مظلتي الفساد والجمود التي خيمة عليه منذ عقود , والتي اسهمت في خلق افة اجتماعية صيرت من الشعب شعوب متناثرة متآكلة , غارقة في اتون التكفير تارة والقبلية تارة اخرى , غاصة في مسابقات مزاين الابل فينة , وفينة اخرى بمزاين التمر , حتى التيوس اصبحت توصف بما يوصف به البدر , ناهيك عن كثرة انشاء القنوات القبلية الفارغة من المضمون والتي فرقت الوحدة وقضت على ثقافة الجسد الواحد وشقت لحمة ابناء هذا الوطن , مهملة للحيتان الوقت الكافي لتبحر في تبديد خيرات البلد وثرواته على الشعراء والفنانين وعلى الملذات والمصالح الشخصية..
وان ابعدنا سوء الظن في الاهداف الا اننا لا يمكن ان نزكي ونصحح التصورات ونشيد بالمسيرة التي فاق عمرها المائة عام , ولم تجلب معها الا مزيدا من النهب والعوم في محيط من السرقات , لا تقدم صنعت ولا حضارة شيدت ولا تربية وثقافة انسانية غرست . سوى قصور في الرمال لا تأخذ منها سوى الصور وكثير من جذب الانظار .
هذا الضعف ان اعترفنا به هو نتيجة طبيعية لافتقار البلد للحرية والتمثيل الشعبي الحقيقي وغياب الاعلام الحر النزيه وغياب الشفافية وصم الاذان عن الاستماع للآراء الاخرى وانعدام النقد ومحاربة المعارضة التي تعنى بعيوب المسئول وتصحيحها , مما فاقم الازمات وكرس المحسوبية والاستبداد بالرأي وتغلغل الفكر الواحد وهيمنته على كل الافكار , الذي قام بدوره بقسر البلد على الجمود واهمل الفساد يتفاقم , وانغمس في ارهاب مخالفيه , اما من خلال القذف في مخالفة العقيدة او الاتهام بالانتماءات الى فئات واحزاب مخربه , ناهيك عن التشكيك في ولائهم لدينهم ووطنهم و قيادتهم بل قد وصل الى به الحد الى التكفير واطلاق النعوت اللامسئولة . واخذ في تصوير كل من تمرد على افكاره واراد المشاركة في بناء الوطن وسمّج افكاره بالانحلال او بالبدعة بل وحتى بالزندقة .
فكر غرس في العقول بذرة اهتزت وربت واورقت شجر الجمود وازهرت الفساد . ما فتأ يسلب من المجتمع عقله ويسل سيفه في وجه الكلمة والعمل بجهد على اسر العقول خلف القضبان ولفظ الادمغة بذنبٍ انها تندد بالعقم وتمج الأُسْن وتلفظ الأُفول الذي تربع منصة البلد , حتى صنعت من ابناء الوطن مجرد بوق اينما وجه كبَّر وعبدا لا يؤمن الا برأي جحاجح السلطة .
ولعلي لن اخطيء ان قلت انه لم يعد امامنا الا الوقت القصير ان رام الغيورون على هذا البلد انتشاله من براثن الجمود والفساد المتورم والنأي به بعيدا عن الخريف العربي قبل ان يُزجّ به في معمعمة لن يجد بصيص الامل قريبا ليتخلص منه , من خلال تكاتفنا جميعا يدا واحدة ولكن لابد من ارهاصات ان اردنا اصلاح المسار دون اخطاء . تكمن بداية في الاعتراف بالأخطاء الماضية علنا قبل الشروع في أي نهج للإصلاح , اضف اليه ايضا لابد من الافراج الفوري عن كافة سجناء الراي والكلمة اولئك الحريصين على مستقبل البلد ووحدة مجتمعه واخراجه من ديجور الظلمة. ومن ثم يمكننا عندها الولوج معهم ومع غيرهم في جمع الافكار جميعا في بوتقة واحده لكي يتسنى للجميع المشاركة في تنقيتها من الشوائب ومن ثم صهرها لتخرج لنا معدنا مائعا نقوم جميعا بسكبه على طاولة النقاش , ومن ثم نسبكه ليخرج لنا معدنا نشارك في صياغته جميعا .
على اساسٍ تكون فيه الحرية هي المبدأ التي هي وحدها القادرة على دحض الباطل والعضل المتغلغل وهي الركن الرئيس بانتصار الحق واستئصال جذور الفساد , الحرية التي لا يعارضها ولا يخشاها الا الضعيف الذي لا حجة له او المغرور الذي يعتقد انه الحق والحق معه . ولا يحاربها الا الفاسد المستفيد من هذا الجمود . ومتى كانت حرية الرأي وحرية التعبير مفتوحة على الجميع ومتاحة للجميع فلن يجد الباطل والفساد له مكان يلج فيه ولن يكون منتصر هنا على تراب ارضنا الطاهرة سوى الحق ورايته هي الخفاقة دائما . الحق ذو المسار الصحيح وليس الحق المتوشح بوشاح الصحيح الخاضع للفلترة الغربية والتعليمات الاجنبية . تلك الحرية التي تنبذ التهميش وترفع الشعوب من سقط المتاع الى المشاركة في بناء مستقبله ومستقبل الاجيال من بعده .
دمتم بود
التعليقات (0)