غزة – ينتزع التراب الفلسطيني في مدينة رفح على الحدود الجنوبية لقطاع غزة الصفة الحصرية لزراعة الورود والأزهار التي تجد طريقها إلى البزوغ فالتورد فالحصاد فالترتيب إلى أن يتم تصديرها لتنعش أجواء أوروبا بألوانها الزاهية، وعطرها النديّ.
وأينما جال البصر في منطقة رفح الغربية، تتوسع حدقة العينين ويعلو الحاجبان عجبًا لهذه المساحات الواسعة التي امتلأت بالأزهار المحيطة بالمكان من كل اتجاه بألوانها الزاهية..
ورغم المعاناة المتفاقمة يوما بعد يوم لأهل قطاع غزة الذين تكويهم نار الحروب والحصار المفروض عليه منذ أربع سنوات، تفتح رفح الغربية قلبها، وتُصَدِّر نيابة عن فلسطين كافة، ملايين الورود والأزهار إلى أنحاء أوروبا.
عمل متواصل طوال العام
وفي إحدى مزارع الورد غرب مدينة رفح كان رياض فوجو (25 عاماً) يحمل مقصاً ويقوم بقص الورد من المزرعة التي يعمل بها، لافتا إلى أنه يعمل مع أقرانه في تجهيز وزراعة الورد طوال أشهر العام حيث يبدأ العمل في شهر يونيو/ حزيران من كل عام وينتهي في أواخر شهر مايو/ أيار.
وأضاف في بداية شهر يونيو نقوم بحرث التربة بعد انتهاء موسم قطف الورد ومن ثم تجهيزها للموسم الجديد، البداية تكون بزراعة الشتلات في نهاية شهر يونيو التي تستمر قرابة العشرة أيام حيث نقوم بزراعة حوالي 50 دونما.
عدة مراحل
في أواسط شهر يوليو يتم ري الشتلات بالماء، ويستمر هذا الري لحوالي شهر كامل يسمى (شهر السقاية)، وفي منتصف شهر أغسطس تبدأ عملية (تكثيف الشتلات) حيث يتم خلالها قص الشتلة لتعطي كل شتلة أكثر من وردة وتستمر هذه العملية لعدة أيام.
وأكمل فوجو مع بداية شهر سبتمبر نقوم بوضع (سلالم من الحبال) فوق شتلات الورد ومن ثم وضع شباك من الحبال المتينة يسمى (ريشت) وذلك لمنع اعوجاج ساق الوردة وحتى نضمن نموها بشكل مستقيم، ويستمر الوضع هكذا حتى بداية شهر فبراير على أن نستمر في سقاية الورد طوال هذه الفترة.
بداية موسم القطف
وأوضح فوجو أنه ومع حلول أوائل شهر فبراير يبدأ موسم قطف الورد بقص ساق الوردة ومن ثم جمع الورد المقصوص على الحبال التي قمنا بوضعها أعلى الشتلات، ومن ثم نقوم بجمع هذا الورد في المخزن حيث ننتقل بالعمل من المزرعة إلى غرفة خاصة بتجهيز الورد للتصدير.
وبيَّن أنه وبعد جمع الورد تبدأ عملية تجهيزه للتصدير بتجريد ساق الوردة من الأوراق ومن ثم جمع كل 20 وردة بطريقة منتظمة داخل صندوق خشبي صغير وبعدها نقوم بربط هذه الورود معاً ووضعها في كيس بلاستيكي لتصبح باقة الورد جاهزة للتصدير حيث نقوم بوضع هذه الباقات داخل علب كارتون ليتم وضعها داخل الثلاجة لمدة يومين حيث يتم تحميلها في شاحنات التصدير.
وأوضح أن موسم قطف الورد يستمر لثلاثة أشهر وهي فبراير ومارس وأبريل، حيث نقوم مع أوائل شهر مايو بخلع ما تبقى من ورد وبيعه بسعر زهيد جداً في قطاع غزة حيث لا يتجاوز سعر 200 وردة الدولار الواحد!! ومع بداية شهر يونيو يبدأ الموسم الجديد.. وهكذا.
موسم أفضل نسبياً
أما مالك المزرعة ويُدعى موسى حجازي (37 عاماً) فقال: أنا أعمل في زراعة الورد منذ أكثر من 14 عاماً، حيث يختلف موسم الورد من موسم إلى آخر بحسب الأوضاع الميدانية والسياسية.
وأضاف يُعد هذا الموسم من المواسم غير الجيّدة لنا ولكنه أفضل نسبياً من المواسم الثلاث الماضية، والمشكلة تكمن في أننا ندفع تكاليف شحن الورد ودخوله إلى إسرائيل إضافة لدفع كافة تكاليف نقله من المطار إلى أوروبا حيث يتعمد الكيان الإسرائيلي تأخيره في المعبر والمطار وأخذ غرامات باهظة لذلك.
وأوضح أن زراعة الورد في قطاع غزة لا تتم إلا في مدينة رفح، حيث تتوفر التربة المناسبة والمياه العذبة الوفيرة، وتتجاوز الأرض المزروعة بالورد فيها أكثر من 400 دونم، وكان في السابق يتم زراعة الورد في إسرائيل ولكن توقفت زراعته هناك بسبب نقص العمال الفلسطينيين الذين كانوا يقومون بزراعته.
واستطرد موسى أنه وبسبب الممارسات الإسرائيلية فإننا لا نقوم إلا بزراعة نوع واحد من الورد وهو القرنفل لأنه يتحمل التخزين والبقاء لفترة أطول من باقي الأنواع الأخرى، خاصة وأن عملية التصدير تستغرق أكثر من يوم، في حين كنا نزرع أكثر من نوع قبل اندلاع انتفاضة الأقصى.
وعن الأسماء التي تُطلق على ألوان وردة القرنفل الذي يقوم بزراعته قال الورد الزهري يسمى فريدة، والأخضر يسمى جوبلن، والأحمر يسمى جوري، والعنابي يسمى دارك تشاو، والأحمر المختلط بالأصفر يسمى تشاو، أما الورد البرتقالي فيسمى أورانج جيفون.
وعند سؤالنا له حول كيفية الحصول على شتلات الورد قال: تقوم الجمعية التعاونية الزراعية في بيت حانون بإمدادنا بشتلات الورد مع بداية كل موسم، والذي يتم جلبه من إسرائيل عن طريق معبر كرم أبو سالم.
وحول الآلية التي يتم فيها جلب شتلات الورد إلى قطاع غزة، أوضح رئيس الجمعية التعاونية الزراعية ببيت حانون غسان قاسم أنه يتم جلب شتلات الورد من إسرائيل عبر معبر كرم أبو سالم، وذلك بثلاث آليات مختلفة خلال السنوات العشرين الماضية.
وأضاف خلال الفترة ما بين العام 1991 والعام 2005 كنا نقوم بشراء الشتلات على نفقتنا الخاصة ومن ثم إقراضها للمزارعين على أن يقوموا بدفع ثمنها بعد انتهاء الموسم، والآلية الثانية خلال العامين 2006 و 2007 كان يتم إقراض المزارعين للشتلات بدون فوائد بدعم من السلطة الفلسطينية.
وأضاف أن الآلية الأخيرة المتبعة من العام 2008 وحتى الآن هي تقديم الشتلات بشكل مجاني للمزارعين حيث تقوم الممثلية الهولندية لدى السلطة الفلسطينية في رام الله بدفع ثمن هذه الشتلات.
واستطرد خلال حديثه: الشتلات الأصلية وتسمى (الشتلات الأم) يتم زراعتها في كل من هولندا وإيطاليا وألمانيا، ومن ثم يتم تجهيزها للزراعة في إسرائيل عبر شركتي (نامير وليفتوف) حتى المرحلة الأخيرة، ليتم بعدها نقل هذه الشتلات إلى قطاع غزة ليتم زراعتها هناك.
التعليقات (0)