مواضيع اليوم

وحيدة ً بطريق العودة

emad helal

2010-03-07 23:05:52

0

  وحيدة ً بطريق العودة 22-10-2009
2:41 am


ألهمتني تلك الفتاة عندما رأيتها لأول مرة ,وقد ارتسمت على شفاهها ابتسامة راقية حزينة ..يهوى رؤيتها الناس .
وكعادتي أُلامس امواج البحر العابرة تجاهي ,وهي كذلك تنظر إلى البحر وتحاكيه لساعاتٍ طوال ..في كل مرةٍ ألقاها هناك ..أ ُلقي عليها التحية تُمسك بيدي وكأنها تبحث عن شيءٍ ما ..
ربما لم أعش حياتها يوماً ,ولكن التمس في عينيها حزناً تحاول جاهدةً ان تخفيه ..
حكايتي معها بدأت منذ أول لقاء ,وغايتي الوحيدة هي أن ارى ابتسامتها دون حزن ِ عينيها ..
جلست بحذاها كعادتي وانا اتصنع الصمت ولكن بداخلي حيرة كبيرة عندما انظراليها أود ان احاكيها او ان اضعها على طريق الاطمئنان لكي تتطرق بالكلام معي وتعتاد وجودي ..

يحل الصمت دائماً ..وتبحث كلاً منا عن أحجار لتلقي بها على سطح الماء .. لتلقي احدانا الحجر منتظرة ً من الأخرى ان تسمع وقع الحجر على سطح الماء ,وكأنها موسيقى تلفت انتباهنا بالرغم من تكرارها بين الفينة والاخرى ..

كانت تلك اللحظات تملك شيئاً من التميز ..عشتها معها مستمعة دون تعليق لأحاول عيش المواقف اللتي تخبرني بها ..
اطرقت بالكلام قائلة ً " ما أصعب ان اعيش وحيدة بعد أن كنت أملك كل شيء " و أنا لازلت مستمعة .. وتكمل هي حديثها ..

أعود بالذاكرة سريعاً الى ذلك اليوم الذي كنا نعيشه أنا ووالدي كأي أبٍ وأبنته , وهو يُمسك بيدي كعادته وكأنه يقدمني للناس ويقول هذه هي ابنتي ..
اتشبث بيديه كأنسان تائه وهو دليلي في كل شيء ...كانت عيني التي أرى بها واذني اللتي أسمع بها ويدي التي اُمسك بها ..هو والدي ومن كان يعيش حياتي معي رغماً عني وحباً لي ..
كُنت عاراً لأمي تخفيني عن سيداتها التي تزعم بأنهم من وجاهات المجتمع وسيداته بوجهة نظرها ..
شاء القدر وجاء ذلك اليوم الذي لم اطمح اليه يوماً ...
جاء اليوم الذي لابد من بعده أن تكون لي أذن تسمع وان كانت عيني لا تُبصر .. فقد رحلَ من كنت ارى الدنيا من عينيه ... واصبحت انا سخرية ً للقدر ووضيعة لأمي ..
ودعني صباحاً راحلاً الى أعماله ...وعاد لي محمولاً على اكتف الرجال ..وكل من حولي ينعى ويبكي رحيله ...
ان كان هو قد رحل منهم شخصاً فانا قد رحل مني كياناً وجسداً وروحاً.
اعتدنا الرحيل سوياً والمكوث سوياً ونعيش الحكايات سوياً ..ونكتب سوياً .. ومذكراتنا كانت سوياً ..
تُصدر امي قراراً بأن تُلحقني بالمدرسة لتريح عينيها من رؤيتي طوال اليوم ولتبقى على راحتها ..اخذتني الى تلك المدرسة التي أحسست بانها أملي وبداية مشواري بدون والدي ..
وأنا هناك لبرهة اختلس السمع من وراء الأبواب لأسمع هتاف الاطفال بداخل تلك الغرفة يتسابقون في الرد على سؤال استاذهم للحظات أبحث عن نفسي بينهم ليوقظني شعور الفقدان افتقد تواجد ذلك الحنون.
تصارعني لحظات من الذاكرة لتعود بي الى 3سنواتٍ سابقة وقد مرت بي بحثاً فيها عن أحضانه ودفء يديه ..(والدها)...
يُقضني فجأة صوت الموسيقى الصارخ لأخطف قدمي باتجاه الصوت وصولاً الى دار أمي ..أسمع فيها صوت وقع اقدام بترانيم ذهبية "أصوات اقدام محملة بالذهب " تلك هي أمي تُطرب عشيقها رقصاً على وقع الخلخال ...

أخذتني الذكرى لأعود بحثاً عن كتاب والدي ما أجمل لمسات ذلك الكتاب ..اشتقت لبوح والدي على صفحاته ..أفتقدك يامن علمتني لغة يديك ..ارغمتني على كشف اسرار الايدي...
حاولت الوصول الى ذلك الكتاب جاهدة ..أعتمدت على لغة يدي ودقات قلبي اثناء شم رائحته الزهرية المميزية بتغليف مخملي بين طياته بعض بتلات الاواق لأزهار ٍ قطفناها سوياً ..
رحلت بكتابي المخملي الى أمي وطرقت الباب لعلي أرى اجابة ..
وتمسك بي أمي بسخرية وانا بيدي ذلك الكتاب وتضعني بمكان اسمع فيه التقاء كل الاصوات وكأنه نقطة بالمنتصف ..
وأحس بوجودها خلفي لتلف خصري بخمار ٍ وترغمني على ترك الكتاب ... وتلقي على مسامعي كلمة ٍ جعلتني ابكي بكاء الطفلة التائهة بأحضان أمها دون ان تحس بحنانها ..
هيا " ارقصي " واقف انا حائرة باكية لا اعلم كيف بي أن .. أبحث عن جدران التمسها ان تأويني من جبروت أمي ...
افك عقدة الخمار وابحث عن الكتاب وأنا أجلس ارضاً وفجأة اصرخ ..
أمي اتعلمين انها ذكرى وفاة والدي السنوية ..
تسكت امي لبرهة وتلقي بي خارجأ لتكمل هي طرباً ورقصاً على موسيقى القدر ..
حاولت ان اصل الى غرفتي لأختلي بكتابي بحثاً عن رائحة والدي لأغفى باحضان يديه ..
لم أكن على امل أن يعود لي بصري منذ زمن ولكن اليوم اصبح أملي كبيراً ..أُمسك كتاب والدي ولا استطيع قراءته ...
غلبني النعاس وانا اتمنى ان أقرأ كلماته ...
وكأن شيئاً يوقضني من نومي ...وقد سمعت الاذان لثاني مرةً بوضوح وأولها كان اذان ذلك الشاب بأذني اثناء ولادتي ,, بعدها علمت انه والدي.
اسرعت وتوضأت وصولاً الى سجادتي لأصلي حسرةً على امي التي لاتعلم مالصلاة منذ وفاة والدي ..
عدت لأمسك بالكتاب وبداخلي فرح لم اشعر به دوماً ... وعدت الى مكتبة والدي لأعيده بمكانه ..
حاولت صعود السلم وصولاً الى مكانه الذي في كل عام يعتلي درجة وكأنها سنين حياتي ...
في كل مرة كان والدي يغير مكان الكتاب بعمري سنواتً واشهراً ..
تتعثر رجلي بأدراج السلم وأقع أرضاً ولاارى امامي شيئاً ...
بعد بضع دقائق احسست بشعاع الضوء وبصعوبة في فتح عيني ...
طلبت العون من ربي ان يعيدني ادراجي واقف ثانيةً ... واذا ببصري قد عاد لي بعد ان تمنيته لبضع دقائق ..
عاد لي نهائياً بعد ان كنت عاهة مستديمة بنظر أمي والأمل الكبير لوالدي ..
تمنيت لو ان والدي كان موجوداً في لحضتها لأرتمي بأحضانه ضاحكة..
ولكن قدر الله وماشاءفعل ... لا أرى والدي سوى بالصور والاحلام الآن .. ولكن ارى رحيل والدتي الى دار الملذات بحثاً عن سعادة زائلة لا محالة دون وعي وادراك ...
لازلت الآن اعاني عودة بصري واشكر الله الذي انعم بعودة بصري ..
ولكن يُرهقني النظر الآن لما آلت له الحياة من بعد والدي ...

انهت كلامها تلك الطفلة عند هذه الكلمات ... ونفضت يديها وقوفاً عن تراب البحر وأعادت غسلهم بالماء وقالت لي ..
" ارأيتِ كيف الآن قد نظفت يدي بالماء بعد التراب " ولكن لا تزال رائحتها عالقة بيدي ... هكذا انا عندما كنت كفيفة ارى الحياة بمنظور آخر يُعطيني الأمل ويغسل الخوف والتردد من داخلي ...

تصافحنا ومسحت كلاً منا دموعها ورحلنا على أمل اللقاء في يوم ما ..
وهاقد مرت أعوام وأعوام وفوجأت بقصة ذلك الكتاب المخملي التي سمعتها... وقد أصبح عنوانه " وحيدة بطريق العودة " ..
وقد اصبحت كاتبة وبدايتها كانت مذكرات والدها ...
من احدى قصائدها :
أتعلمين ما الحب يا صغيرتي ..
الحب معزوفة على أوتار رجلٍ أعمى ..
الحب كأنغام اغنية قديمة نرددها
الحب كلعبة ليس لها نهاية معروفة

اتعلمين ما الحب يا صغيرتي ؟..
الحب ان تحتضني خيال الحبيب
الحب أن تهوي رائحى شذاه ..
الحب ان تعلق قبلته على يديك ِ

اتعلمين مالحب يا صغيريتي؟
الحب ان تبتسمين وعيناك تبكي
الحب رواية ولها أبطال ..
الحب اسطورة عشناها وخلدها التاريخ

تلك هي كلماتها ... الأمل لايزال موجوداً ... ليس للارادة والتحمل مقياس ومادامت القلوب قوية ومؤمنة بالقضاء ...

فاطمة عبدالهادي البناوي
056620089
0097336765007

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !