مواضيع اليوم

هي فقط مجاذبات عربيـة !

عبدالسلام كرزيكة

2010-06-22 14:40:08

0

لماذا تخلفنا نحن العرب بينما تقدم غيرنا ؟ هل ذلك بسبب العروبة أي أن (طينة) العرب ثقيلة ولا يتحملها الآخرين ؟ ، أم أن ذلك لتدين غالبية العرب بالإسلام الذي إرتبطت صورته بالتشدد والتطرف وبالإرهاب ؟ ، ما ثبّط من إرادات العرب وعزائمهم ، وجعلهم هدفا سهلا لضغوطات تحول دون حصولهم على فرص التقدم بين الأمم رغم إمكاناتهم الجبارة ؟ لكن الصورة الأخيرة للإسلام هي حديثة ، بينما تخلف العرب قديم ومنذ أن كانت العصبية على أشدها بين الفرس والروم .. ومختلف الأجناس التي كانت تبحث عن سيادة على باقي الأجناس . فما الذي أخرنا عن النهوض حتى أصبحنا نشك في إمكانية حدوث ذلك ؟!..
هل ذلك بسبب اللغة العربية العتيقة والعقيمة ، التي لاتتماشى والمتغيرات الحديثة والعصرية ( على حد قول أحدهم) ؟ ..أم أن ذلك بسبب العقيدة الإسلامية التي تكبل عقول العرب وتمنعها من التفكير والإبتكار (على حد قول آخر) ؟ .. الأسئلة كثيرة وحيّرت العرب ليس لأنها معقدة ، بل لأنها تجعلهم يعيشون صراعات نفسية مريرة قبل أن يُنفسوا عنها بنفير أبخرة حارة تصم من حولها عن معرفة مدلولاتها اللفظية قبل المعنى المقصود منها .. فدفاعات العربي عن عروبته (ظالمة كانت أو مظلومة) هي من باب (أنصر أخاك ظالما أو مظلوما) لكن بتأويله الخاص (لمعنى) العبارة ، التي وفي معناها الحقيقي أن الأخ الظالم تتم نصرته على نفسه بردعها عن تجاوزاتها وتعسفاتها لاعلى غريمه ومنافسه ، وفي التأويل الذي تتبناه الأغلبية العظمى من العرب أن الأخ الظالم تتم نصرته على غريمه ومنافسه حتى ولو كان ذلك بغير وجه حق ، ما يفضح تواكل العرب على بعضهم البعض وتواكلهم كلهم على إنجازات الشعوب  الأخرى، ونقلاتها ، وتطوراتها ..
اللغة العربية لم تكن يوما عائقا أمام النهضة العربية المنتظرة ، لأن الفكر لايمكن حصر إنتاجاته في حيز اللغة الضيق والعاجز في أحيان كثيرة عن تجسيد نتائجه النظرية على أرض الواقع .. والعرب تقدموا ( فيما مضى طبعا) على غيرهم في شتى العلوم ، وجذور العلوم الحديثة كانت منابتها عربية ، فماذا حدث لينقطع خيط المسيرة وتتوقف ؟ .. حدث أن العرب برمجوا عقولهم على حقبة ذهبية في تاريخهم وجمدوها عن الإستمرار قدما ، وتعلقهم العاطفي بتاريخهم ذاك جعل إنفعالاتهم (طفولية) شبيهة بإنفعالات العاشق الذي يغضب عندما يقوم أحدهم بذكرمساوئ معشوقته على مسامعه ، هي مساوئ حقيقية لكنه ( لايريد) إمعان النظر فيها لأنه (لايريد) تصحيحها حتى ولو كانت سلوكية فقط ! ..
الإشكال ليس في اللغة العربية بل في العرب الذين لايبتكرون أشياءا تجعل باقي الأمم تنكب على تعلم لغتهم ليس لأجل سواد عيونهم بل للنهل مما توصلوا إليه من تنائج علمية متقدمة ، فلولم تكن أرقى لغات العالم اليوم من إنجليزية وروسية وفرنسية ويابانية وألمانية لشعوب متطورة ما كلف أحد نفسه عناء تعلمها ، وليس للأمر علاقة بتطور القواعد بل بعدد متحدثيها وقوة تأثيرهم على من حولهم ، ومادام تأثير العرب على الساحة العالمية وفي شتى المجالات غائبا فسيظل تأثير اللغة العربية منعدما ..
لكن الأكثر إنفعالا سيتحجج بأن اللغة العربية هي لغة القرآن .. حسنا لكن المولى عز وجل قال : (( وأنزلناه بلسان عربي)) وهو يعني رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم لاخصوصية العربية في نشرالقرآن وتعاليم الدين الإسلامي بدليل أن المصحف الشريف كتب اليوم بكل اللغات لتسهيل نشر الإسلام على العالمين ، وبالمنطق حتى لو تقدم العرب أوأصبحوا مؤثرين ، فإنهم غير قادرين على نشر الإسلام بالعربية فقط ..
ومادام الأمر كذلك فلماذا نغضب حين نسمع إنتقادات صريحة وحقيقية عن أوضاعنا المتردية ، ومكانتنا المتأخرة بين الأمم ؟ .. غضبتنا تلك إذا كانت صادقة
فالنهوض بأمتنا العربية سيكون بواقعية أكثر ، وذلك بإيجاد آليات حقيقية لإخراجها من غياهب بطولات الماضي الخالدة الذكر بلسان الحق وفي قرآنه الذي لايحتاج منا لدفاعات (شكلية) ومصطنعة تخفي حقيقة أننا متكاسلين عن أداء أبسط واجباتنا كمواطنين متدينين بإسلام يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، لكننا نأتي المنكر ونصد عن  الحق  وعن المعروف .. وهنا منعرج آخر خطير من مسار رحلتنا التضليلية ، الهادفة للتظليل على إنبطاحنا في الركن المظلم من العالم ، وتكاسلنا ، واكتفاءنا بالترويح عن النفوس ، والإستهلاك بدل العمل الجاد والإنتاج ، فالدين الإسلامي (معاملة) قبل أن يكون عبادات متطابقة وشبه آلية ، والمعاملة ليس بالخلط بين القوانين الإلهية التي تظل - حتى وإن كان البعض لايستسيغ فكرة ( الإله الواحد) - أفضل بكثير من القوانين الوضعية لبشر سنوها على غيرهم ، في الوقت الذي تركوا فيها لأنفسهم ثغرات يتمكنون من خلالها من بسط سلطاتهم وتحقيق رغباتهم مهما كانت ، وبما أن الظلم صفة متجذرة في نفوس البشر فإنهم ينتحلونها متى تحصلوا على القوة مادية كانت أم روحية ..
القوانين الإلهية أقرب إلى التصديق مادام الإله العلي القدير - الذي لايملك دوافعا أنانية كما البشر - قد نفى عن نفسه صفة الظلم ، ومادام قد طمأن عباده إلى أن حلمه يسبق غضبه ، وبأن رحمته تسبق عذابه ، فلماذا إذن نخجل بقوانينه إذا كان لنا إيمان حقيقي به وبرسوله وبدينه ؟ ..
الحقيقة أن ذلك إنفعال آخر عشوائي للتهرب من واقع تشتتنا ما بين القوانين الإلهية والوضعية في حياتنا وفي تعاملاتنا ، وواقع أن الإسلام إسمٌ لاتحمل يومياتنا من مدلوله أكثر من حركات تكاد تكون رياضية أكثرمنها روحية ، وتعاملات يقشعر البدن من ذكرها .. فنحن مسلمون بالإسم وفقط ، وفي واقع حالنا نحن ندين بمستعمرينا القدامى الذين رحلوا بعدما سنوا لنا القوانين والدساتير ، وندين بكل ما يسوّغ لنا إرتكاب المخالفات ، والفواحش ، والمعاصي ، شرط أن لايكون فيه حدٌّ مستحق وعادل  كتلك التي توجد بالقانون الإلهي ..
سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صفات المسلم هل يزني ، ويسرق ، ويكذب ؟ فأجاب بنعم على الجميع ماعدا على الأخيرة أي الكذب التي أجاب عنها بلا ، فلو إكتفى المسلمون بمحاولة تجسيد صفة الصدق فقط في حياتهم وتعاملاتهم ، لتجسدت باقي الفضائل من وفاء وأمانة بصفة تلقائية ، لكن واقع المسلمين أنهم لم يتمسكوا بدينهم ولايعتبرون القرآن مرجعا ودستورا يعملون به في حياتهم ، لكنهم مع ذلك يسبون القوانين الوضعية رغم ماتتيحه لهم من أجواء للمعاصي والأهواء ؟! ..

ولو علم العرب أن إستماتاتهم اللفظية في الدفاعات عن مواريث أمتهم النظرية لن تفيد كثيرا ، لتوقفوا عن هدر طاقاتهم اللغوية المحدودة ولوفروها للتنوير في إيجاد حلول عملية لتنشيط الهمم ودفعها نحو العمل الجاد كما في خلايا المجتمعات المتطورة .

ـــــــــــــــــ

تاج الديــن : 06 - 2010

 

 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات