هذه بضاعتكم رُدت إليكم !

لفت نظرى  حالة التوجس والرفض التى تبديها  بعض دول الخليج العربى تجاه  حكم الإسلاميين فى مصر , لأننى ببساطة أرى أن نجاح الإسلاميين فى الوصول إلى الحكم إنما  كان أثرا من آثار أموال الخليج التى انهمرت بغزارة على جميع فصائل التيار الإسلامى فى مصر وخاصة تنظيم الإخوان المسلمين التى كانت السعودية هى مأواهم وملاذهم , كما أن الكويت كانت ممولا رئيسيا  للجمعيات السلفية , لاسيما جماعة انصار السنة , وهذا أمر عرفته شخصيا واطلعت على بعض  نتائجه وآثاره فى الثمانينات من القرن الماضى ,  والكل يعرف  ان المال الخليجى هو الذى غير وجه مصر وسحب منها خاصيتها الثقافية , الكل يعلم بالمال الخليجى الذى كان يغدق بسخاء على الشيوخ الذين عملوا على وأد  علمانية مصر بمواعظهم  التى تنطلق من المساجد التى أسهموا فى إقامتها  فى كل  شارع وحارة ومنعطف , وأسفل الأبنية السكنية , بل وفى المدارس والجامعات , والكل يعلم أن المال الخليجى هو الذى كان يقدمه الشيوخ  للفنانات المصريات ليعتزلن الفن الحرام ويرتدين الحجاب , وواقعة  الشيخ الخليجى الذى ذهب  للفنانة العظيمة فاتن حمامة  وقدم لها شيكا على بياض  لترتدى الحجاب وتعلن تحريمها الفن , ولكنها زجرته قائلة : أنا الذى أعلمك معنى الفن  وما يصح ان ترتديه الفنانة من ثياب  .   ,لقد قامت حملة منظمة  من بداية السبعينات استهدفت ثقافة مصر  وإبداعها وفنونونها  مدعومة  بالمال الخليجى مستغلة الظروف الإقتصادية  التى كانت تمر بها مصر والأثر النفسى لهزيمة 67  , وقد تزامن ذلك  مع ارتفاع عائدات النفط ارتفاعا أسطوريا  .  إذن  وصول التيار الإسلامى إلى السلطة لم يتم مصادفة , والذين أعطوه أصواتهم فى الانتخابات العبثية والهزلية  هم هذه الجموع التى تاثرت  بمواعظ  شيوخ النفط  , وهؤلاء المنقبات اللاتى كنّ  يقفن أمام لجان الانتخابات  ويحرضن  على انتخاب الإسلاميين  بالترغيب والعطايا  هن من  اللاتى تخرجن من تحت عباءة الشيوخ المتخمين  بالمال الخليجى .  لماذا إذن هذا الخوف من الذين أسهمتم  يا أمراء الخليج بأموالكم فى وصولهم إلى السلطة ؟ وماذا كنتم تتوقعون بخلاف ذلك ؟  معروف أن الشعوب تشكلها الأفكار السائدة وتصنع فكرها السياسى , وأموالكم هى التى  شكلت فكر  كثير من المصريين  وصاغت لهم مفاهيم جديدة بل وغريبة عن تراثهم  المتوارث من آلاف السنين , وقد تحقق الهدف المتوقع من ذلك وسادت فى مصر ثقافتكم  من أفكار  وأزياء  كما أردتم فهل كنتم تتوقعون أن جيوش المنقبات والمحجبات وأصحاب اللحى  سيتنازلون عن الفكر الذي زرعتموه فى عقولهم أمام لجان الانتخابات ويعطون أصواتهم  لمن  يعملون على إقامة دولة مدنية حديثة تناقض هذا الفكر  الذى  ظللتم  عدة عقود تروجون له وتنفقون فى سبيل نشره  ؟  لماذا التوجس إذن  يا سادة , وكل ما حدث إنما هو من صنع أيديكم  وبفعل أموالكم وتخطيطكم ؟  . نعم  كل ماحدث أن هذه بضاعتكم رُدت إليكم  !