نوما هنيئا.
النوم حالة بيولوجية يحتاجها الجسم من أجل الراحة واستعادة الحيوية والنشاط، لكنه يمكن أن يتحول الى مشكلة صحية اذا تعرض الانسان لأي نقص فيه لأي سبب من الأسباب. وهي ظاهرة يعاني منها عدد مهم من الناس في العالم بأسره. و تحول قلة النوم الى مشكلة مرضية يواجه باستشارات طبية من أجل المعالجة... لكن الذي يستحق المعالجة والدراسة حقا هو نوم من نوع مختلف، وهو بالتأكيد أشد خطورة من المرض المذكور. انه نوم جماعي ولا يتعلق بفرد دون آخر، غير أنه مع ذلك ليس بمواصفات عالمية، ويكاد يكون سمة عربية بامتياز.ولهذا النوم المختلف أعراضه المميزة أيضا. وهي تتراوح بين الصمت المطبق، والانخراط الجماعي في التسليم بأمر الله ( عفوا بأمر الحكومات )، والسير والتصرف على هدى " لا أرى ، لا أسمع، لا أتكلم ". وكأن النوم اياه قدر منزل لا راد له ولا مهرب منه. وبذلك يكون النوم العربي قد استكمل كل أسباب النجاح، ولا تنغصه الا بعض حالات أحلام اليقظة التي سرعان ما يستفيق منها الانسان العربي المقهور ليفهم أنها فعلا مجرد أضغاث أحلام، ثم يواصل رحلة أهل الكهف.
لا أمل في نهاية نفق الظلام العربي الطويل. وغياب الأمل في شعلة الضوء المنشودة، يعني مزيدا من الشخير الجماعي الى أجل غير مسمى. والوضع العربي المتأزم على كل الأصعدة يبشر بمزيد من النوم المريح.( ولا تستغربوا اذا سمعتم عن جمعيات مدنية تدافع عن النوم والراحة في بعض الدول العربية). والمشكلة في هذا العالم الذي يسمى عربيا هي أنه يسير عكس قوانين الطبيعة تماما، فاذا كان الفيزيائيون يرددون دائما حقيقة أن: " الضغط يولد الانفجار"، فتلك قاعدة لا تنطبق على مقامنا هذا. فكلما ازداد الضغط حدة وقوة، تنامت معه الرغبة في الانكماش والتقوقع و الرضا بالنصيب... وما يزيد المشهد رومانسية وشاعرية، هو ذلك التواطؤ المشترك على تجنب ازعاج النائمين، سواء من خلال أشعار المديح التي يرددها البعض عن مشاريع التقدم والنماء ، أو عبر اللامبالاة والانسلاخ التام عن قضايا المجتمع عند آخرين يبدو أنهم افتقدوا الاحساس بتأزم الأوضاع، واختاروا دفن الرؤوس في الرمال وركوب سرير النوم المريح تجنبا لكل ما من شأنه...وهكذا أصبح المثقف الذي يمارس دوره في استنهاض الهمم و مخاطبة عقول الناس سلعة نادرة جدا. وعندما يفتقد المجتمع لدور " المثقف العضوي " بلغة غرامشي، والذي يحمل هموم الأمة، ويتوق نحو التغيير، ويدعو الى الانعتاق من نير التخلف، ويرفض الظلم و الاستغلال، فان أمة النائمين لن تحصل على فرصتها في اليقظة مادام المنبه معطلا أو عاطلا ( حسب السياق) عن العمل.
لقد كان الشاعر معروف الرصافي على قدر كبير من المعرفة بطقوس قراءة فنجان العرب حينما خاطبهم في ذات قصيدة قائلا : ( ياقوم لا تتكلموا، ان الكلام محرم ناموا ولا تستيقظوا، مافاز الا النوم.) ولا يبدو أن اجازة النوم المفتوحة هذه ستنتهي قريبا.
محمد مغوتي. 23/03/2010.
التعليقات (0)