مواضيع اليوم

نقل الجينات من السليم إلى المريض للعلاج

A.Fattah Edris

2012-06-28 19:07:32

0

بسم الله الرحمن الرحيم

نقل الجينات من السليم إلى المريض للعلاج
عرف الجين بتعريفات عدة, منها ما عرفه به د. هانى رزق من أنه: تسلسل من نكليوتيدات (Nucleotides) الحمض النووى الريبي ناقص أكسجين، ويرمز لهذا الحمض بأحرف (DNA)، التى هي اختصار لكلمة (Deoxyribonucleic Acid)، وهذا الحمض يحتوى على المعلومات الوراثية للخلية، ويوجد على نحو متميز فى الكروموسومات (Chromosome)، ويبقى فى نواة الخلية كمستودع دائم للمعلومات، ويتضاعف ويتوزع بدقه عند كل انقسام خلوى، ومواد بنائه الأساسية هى: سكر ديؤكسى رايبوزى، وحمض الفوسفوريك، وقواعد نيتروجينية
ولما كان الجين هو حامل الشفرة الوراثية التي تشفر للأمراض والتشوهات الوراثية على مستوى الخلية, وكان هو المسئول عن كثير من الأمراض والتشوهات الوراثية, فقد اتجه علاج هذه الأمراض والتشوهات جينيا إلى معالجة الجين الذي يشفر لها, ومن ثم فإنه يقصد بالعلاج الجينى: معالجة بعض الأمراض الوراثية التى يحملها الجين، وذلك إما عن طريق إحلال جين سليم محل الجين المعطوب، أو إصلاح الجين المعطوب وتعديله، أو إدخال جينات سليمة موجهة، أو تثبيط عمل الجينات الممرضة وإعاقتها عن التعبير عن نفسها، إما باستخدام مواد كيميائية، أو باستخدام جينات مضادة فى تعبيرها الجينى للجين الممرض.
والخلايا المعالجة جينيا نوعان: خلايا جسدية، وخلايا إنشائية، فالخلايا الإنشائية، تتمثل فى المبايض والخصى وما نتج عنها من بويضات ونطف، وقد منع أكثر البيولوجيين معالجتها جينياً، لأن أثر هذه المعالجة لا يقتصر على المريض، وإنما يمتد إلى ذريته عبر الأجيال المتعاقبة منها، وتعد معالجة هذه الخلايا جينيا محرمة شرعا وإن دعت إليه الضرورة أو الحاجة، لما يترتب عليه من اختلاط الأنساب، وحدوث طفرات وراثية ضارة، قد تنشأ عنها أمراض أشد من الأمراض التى تعالج منها هذه الخلايا جينياً.
وأما الخلايا الجسدية: وهى عدا ما سبق من سائر خلايا الجسم، فلا يترتب على معالجتها اختلاط الأنساب، وذلك لأن معالجتها جينياً يقتصر أثرها على المريض فقط، ولا ينتقل إلى ذريته، لعدم تأثر الخلايا الإنشائية بهذه المعالجة، ومعالجة الخلايا الجسدية مشروع، لأنه من قبيل التداوى من المرض، الذى حض عليه رسول الله r، إلا أنه ينبغى أن يتقيد بقيود منها: أن يغلب على الظن نفعه للمريض، وأن لا يلحق به ضرراً أشد من ضرر المرض الذى قام به، وأن يكون استخدام وسائل العلاج الجينى فى حقه مأموناً، وأن لا يترتب عليه محرم، من قتل نفس أو اعتداء عليها، أو إضرار بها، ونحو ذلك، وأن تراعى فيه أحكام الشريعة الإسلامية المتعلقة بكشف العورة أو النظر إليها، أو الخلوة بين الطبيب والمريض إذا كان من غير جنس الطبيب.
ولما كانت المعالجة الجينية للخلايا الجسدية فى أكثر صورها، تقوم على نقل جين سليم إلى المريض، بدلاً من الجين الممرض أو المطفور، سواء أضيف الجين السليم إلى الجين الممرض، أو تم التخلص من الجين الممرض ليحل محله الجين السليم، فإن الجين السليم التى تعالج به هذه الخلايا يؤخذ من غير المريض، والحصول على هذه الجينات من غير المريض لا تمنعه الشريعة الإسلامية، وذلك لأنه لا يترتب على التداوى به اختلاط الأنساب كما ذكرت، ولأنه طريق إلى التداوى المشروع، فيكون مشروعاً كذلك, لأن الوسائل تأخذ حكم غاياتها، وسواء فى هذا أن يكون المأخوذ منه الجين قريباً للمريض أو أجنبياً عنه.
إلا أنه ينبغى أن يتقيد الحصول على هذه الجينات السلمية من الغير بالقيود التالية:
1- أن تدعو الضرورة إلى هذا العلاج الجينى، بأن لم يمكن معالجة هذا المريض بوسائل المعالجة التقليدية، أو كانت معالجته بها لا تحقق من الآثار العلاجية ما تحققه المعالجة الجينية، وذلك لأن الأصل حرمة أجزاء الإنسان المعصوم الدم ، وهذه الأجزاء لا تباح بالإباحة، إلا إذا كانت هناك ضرورة فى أخذ جزء منها للتداوى به، كالدم ونقي العظام وهذه الجينات، فإنه يباح أخذها مراعاة لحال الضرورة، إذا لم يمثل هذه الأخذ اعتداء على سلامة البدن، أو صحة المأخوذ منه، وكان هذا العضو المأخوذ مما يتجدد.
2- أن لا يكون أخذ الجين السليم، عن طريق الاعتداء على المأخوذ منه، وأن لا يكون فى هذا الأخذ ما يلحق به ضرراً، سواء كان يصل به إلى الهلاك أو لا يصل به إلى ذلك، ومن المعروف أن أخذ الجين لا يتأتى إلا بأخذ الخلية، وهذه الخلية لها عمر معين تكون فيه قابلة للانقسام والتكاثر والتجدد، فإذا ما بلغت نهايته أصابتها الشيخوخة ثم الموت، لعدم قابليتها للانقسام والتجدد بعد ذلك، ولذا فينبغى أن تؤخذ هذه الجينات ممن تكون خلاياهم متجددة، لقدرتها على ملء المساحة التى أخذت منها الخلايا المعالجة، بخلاف أخذها من غيرهم، لعدم تجدد خلاياهم، وعجزها عن ملء الفراغ الذى أخذت منه هذه الخلايا.
3- أن لا يكون فى أخذ هذا الجين اعتداء على الخلايا الجذعية الجنينية، الفائضة عن حاجة النقل إلى الرحم، لما فى ذلك من اعتداء على مبدأ تخلق الإنسان، ولأن هذه الخلايا لم يخلقها الله تعالى لمثل هذه الغرض، وإنما خلقها ليتكون منها الإنسان، وأن لا يكون فيها اعتداء على خلايا جنينية أو على جنين بالرحم وإن لم ينفخ فيه الروح، لاتفاق جمهور الفقهاء على حرمة الاعتداء، على من كل قبل زمن النفخ من الأجنة.
4- أن لا يؤخذ فى مقابلة الحصول على هذه الجينات أو الخلايا عوض، لأن الإنسان مكرم، وأجزاؤه مثله، وفى أخذ العوض عليها امتهان لكرامته، يضاف إلى هذا أن جواز التصرف فرع الملك، أو الولاية أو النيابة عن المالك لما يتم التصرف فيه، والإنسان ليس مالكاً لبدنه أو جزء منه، وإنما الملك فى ذلك لله سبحانه، والإنسان مؤتمن على بدنه، وله حق الانتفاع بأعضائه بما لا يضر بها، فإذا كان الانتفاع بها يلحق الضرر بالنفس أو ما دونها حرم عليه ذلك، لنهى الشارع عنه، إذ قال الحق سبحانه: ( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة )، وقال تعالى: ( ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ً )، وإنما جاز له التبرع بالأجزاء المتجددة من بدنه، بما لا يلحق به ضرراً، للنصوص الخاصة التى أبينها بعد حين.
5- أن يقتصر عند أخذ هذه الجينات أو الخلايا من الغير، على ما تندفع به حال الضرورة، ومثلها الحاجة إلى هذه المعالجة الجينية، إذ الضرورة تقدر بقدرها، ومن ثم فلا يجوز أخذ ما زاد على المقدار الذى تندفع به الضرورة أو الحاجة.
6- أن لا يترتب على أخذ هذه الجينات أو الخلايا، نقل الأمراض الوراثية أو الفيروسية، إلى من يعالج بها، أو إحداث طفرات وراثية ضارة فى خلايا المريض، بسبب هذا النقل، لأن تدخل الطبيب المعالج فى بدن المريض، يجب أن يتقيد بما فيه نفع المريض وإصلاح بدنه، فإذا ترتب على هذه المعالجة إلحاق الضرر به، بإهلاكه أو اعتلال صحته، منعت لنهي الشارع عن إلحاق الضرر بالغير، فقد روى عن ابن عباس رضى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا ضرر ولا ضرار فى الإسلام ".
7- أن يكون فى نقل هذه الجينات من السليم إلى المريض فائدة علاجية، أو يغلب على الظن فائدتها له، فإذا انعدمت الفائدة أو كانت موهومة أو مشكوكاً فى حصولها للمريض، فلا يجوز نقلها إليه، لما ذكر فى القيد السادس.
وإنما جاز نقل هذه الجينات السليمة إلى المريض، لأدلة منها ما يلى:
أولاً: الكتاب الكريم: آيات منها:
1- قال تعالى: ( وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه ).
وجه الدلالة من الآية:
أفادت الآية الكريمة حرمة ما فصل الله تعالى تحريمه لنا، إلا ما اضطر المرء إليه، لأي سبب يقتضيه، سواء كان سبباً علاجياً أو غيره، فإنه يباح حينئذ، لحال الضرورة الملجئة إليه، إذ الاستثناء من الحظر إباحة.
2- قال سبحانه: ( فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم ).
3- قال جل شأنه: ( فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم ).
وجه الدلالة منهما:
أفادت الآيتان رفع الجناح عمن اضطر إلى تناول المحرم، أو استخدامه لدفع حال الضرورة عنه، فدل هذا على زوال الحظر عند الاضطرار إلى المحظور، سواء كانت الضرورة علاجية أو غيرها، وهذا دليل على حل العلاج الجيني، بنقل الجينات السليمة إلى المريض من بدن غيره.
4- قال عز من قائل: ( ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ً).
وجه الدلالة من الآية:
حض الشارع على إحياء الأنفس، إذ جعل الحق سبحانه إحياء النفس البشرية بمثابة إحياء الناس جميعاً، ونقل الجين السليم من الإنسان إلى غيره لمعالجته به جينياً، قد يترتب عليه إحياء نفسه، خاصة إذا كان الجين الممرض مما قد يؤدى إلى وفاة حامله، كالجينات المسببة للسرطان، أو الهيموفيليا، أو المؤثرة على الجهاز المناعى بالجسم، ونحو ذلك.
5- قال تعالى: ( وتعاونوا على البر والتقوى ).
6- قال سبحانه: ( وأحسنوا إن الله يحب المحسنين ).
7- قال جل شأنه: ( ولا تنسوا الفضل بينكم ).
وجه الدلالة من الآيات:
أمر الله سبحانه بالتعاون على البر والتقوى، والإحسان إلى الناس، وقضاء حوائجهم، وفى أخذ الجينات السليمة من الصحيح لمعالجة المريض بها، تحقيق لهذه المعانى، فكان مشروعاً.
ثانياً: السنة النبوية المطهرة: أحاديث منها:
1- روى عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه ".
2- روى عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ".
وجه الدلالة منهما:
أمر رسول الله r فى حديث جابر كل من يستطيع نفع أخيه أن يقدم له هذا النفع، ومن يحمل الجينات السليمة قادر على نفع من يحمل جينات ممرضة أو مشوهة، فوجب عليه تقديم كل ما من شأنه إصلاح بدنه إذا استطاع ذلك، ومنها الإذن بأخذ الجينات السليمة منه لمعالجة المريض، ونفى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حديث أنس الإيمان عن المرء حتى يحب لغيره ما يحبه لنفسه، وكل إنسان يجب أن يكون صحيح البدن معافى من الأمراض، ولا يتحقق الإيمان للصحيح البدن إلا إذا أحب لغيره ذلك، وهذا لا يتأتى إلا إذا قدم الصحيح للمريض ما يكون به صحيح البدن، إن كان بوسعه ذلك، ومنها الجينات السليمة إن كانت صحة المريض تتوقف على نقل هذه الجينات إليه.
ثالثاً: الإجماع على وجوب رد مهجة المسلم:
لا خلاف بين علماء السلف والخلف على وجوب بذل الشيء اليسير، الذى لا مضرة فى بذله على صاحبه وفيه البلغة، لرد مهجة المسلم وإنقاذه من الهلاك أو التلف، إذا أشرفت نفسه عليه.
والجينات السليمة المأخوذة من الصحيح لمعالجة المريض، شيء يسير، لا مضرة فى بذله على صاحبه وتحقق الغاية من نقلها إلى المريض، بتصحيح مسار جينومه، ودفع المرض عنه، وإنقاذه من الهلاك أو الضرر، فوجب على صاحب هذه الجينات بذلها إلى من يفتقر إليها لمعالجته.

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !