المساواة في فكر الإمام علي: نحو مجتمع عادل ومعافى
العلامة السيد محمد علي الحسيني
تشكل المساواة مفهوماً أساسياً في تأسيس مجتمعات متوازنة ومستقرة، حيث يؤدي الفهم الصحيح لهذا المفهوم إلى تقليل الصراعات والتمييز في المجتمع.
تبرز أهمية هذا المفهوم بوضوح في تعاليم الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) الذي أكد على أنسنة العلاقات ضمن النسيج الاجتماعي ورفض أي شكلٍ من أشكال التفاوت الطبقي أو العرقي أو السياسي، وقد قدم الإمام أنموذجاً عملياً للعدالة والمساواة يتجسد في أقواله وأفعاله، معززاً مكانته كمصدر إلهام ومرجعية في هذا المجال.
أسباب الصراعات والتمييز في المجتمع
تعاني العديد من المجتمعات من مشكلات وصراعات متأصلة ناتجة عن التمييز الطبقي، العرقي، الفكري والسياسي، وهي تخلق زيادة في الفوارق، وتفاقم مظاهر الاستئثار والطغيان، لذلك يحذر الإمام علي من مخاطر هذه الظواهر ويدعو إلى تبني مفهوم المساواة الشامل كأساس لعلاقات صحية وإنسانية في المجتمع.
وضع الإمام علي أسساً واضحة للمساواة، مؤكداً أن البشر جميعهم متساوون في الأصل والخلق، إذ أعطى الأولوية للقيم الإنسانية المشتركة والأخوة في الدين أو النظير في الخلق من دون اعتبار للون، واللغة، والجنسية، مشدداً على ضرورة العدل والتساوي في المعاملات، وهو صاحب مقولة: “الناس صنفان: إما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق”، وهو كلام يعبّر عن عمق الرؤية الإنسانية للإمام علي، بحيث يشدد على أن كل فرد في المجتمع إما أن يكون أخاً في الدين أو نظيراً في الإنسانية؛ ويعزز هذا المفهوم الشعور بالمسؤولية المشتركة ويدعو إلى التكافل والتعاون بين الناس.
دور الإمام علي في تشجيع قيم العدالة
لعب الإمام علي دوراً محورياً في تعزيز مفهوم العدالة الاجتماعية؛ بحيث أولى أهمية خاصة للعدالة كأساس للحكم والإدارة، ولم يكن ذلك مجرد شعار بل تجسد في أقواله وسلوكه، وهو القائل: “من كانت له إلي منكم حاجة، فليرفعها في كتاب؛ لأصون وجوهكم عن المسألة”، فوجه تحذيرات صريحة ضد الاستئثار والظلم، وشدد على ضرورة إنصاف المظلومين وتوزيع الثروات بعدالة، مقدماً بذلك نماذج يحتذى بها في القيادة والحكم، على رأسها، قصة درعه الشهيرة أمام القاضي شريح، عندما افتقد الإمام علي درعه المفضلة، فوجدها في يد يهودي كان قد عرضها في السوق يريد بيعها، فلمّا رآها (عليه السلام) عرفها، فقال لليهودي: “هذه درعي كانت قد سقطت عن جمل لي في مكان كذا”، فأنكر اليهودي عليه قوله، وطلب أن يحكم بينهما قاضي المسلمين، فقبِل الإمام علي وهو أمير المؤمنين وحاكمهم في حادثة تعكس تفعيل قيم المساواة حتى بين الحاكم والمحكوم بل حتى مع غير المسلمين.
لذلك تشكل تعاليم الإمام علي إطاراً حيوياً لبناء مجتمع يسوده العدل والمساواة، يدعو إلى اعتماد الشفافية والنزاهة وتكافؤ الفرص كركائز أساسية للنهضة والتقدم المجتمعي، كما يؤكد أهمية العمل المشترك والتضامن الاجتماعي من أجل تحقيق مجتمع معافى ومستقر ينعم فيه الجميع بالأمان والعدالة.
التعليقات (0)