نتنياهو يحفر قبره في غزة الباسلة
الكاتب : يحيي البوليني
yahyazkrya66@gmail.com
==============
لا يعلم التاريخ البشري دولة تعاني من كم المشكلات الداخلية الهائلة برغم صغر مساحتها بقدر ما يعرف عن الدول العبرية المغتصبة التي تحمل في داخلها عدة عوامل يكفي الواحد منها لهدم أمة عظيمة فضلا عن أمة ممزقة جاءت من شتات البشر المجتمعين من كل مكان في العالم , ولم يشفع لهم أن ذلك الجيل الحالي ولد وتربى في دولة ذات ثقافة ولغة وهوية واحدة في أن يجعلهم قلبا واحدا في أي أزمة , كما وصفهم ربنا سبحانه " تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ "
فمن المعروف عن اليهودي في كل مكان في العالم أنه ينعزل عن كل من حوله ويختار لنفسه كهفا يعيش فيه داخل حيزه الضيق فلا يختلط بغيره , ولذلك تجد ذلك الأمر - بتكرار واضح - في كل مدينة شارعا أو حارة لليهود يعيشون فيها .
ومنذ أن قامت تلك الدولة المغتصبة للحق الفلسطيني عام 1947 م , وهي لا تستطيع أن تعيش بأمان أو يتأقلم أفراد شعبها مع بعضهم البعض نظرا لعقيدة اليهودي الذي يحب نفسه ويحب الحياة ولو على الذل فكما قال الله سبحانه " وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ "
فذكر الله كلمة " حياة " وهي نكرة للدلالة على تقبلهم لأي حياة مهما كانت سيئة ويفضلونها على الموت في سبيل أي غاية .
المجتمع الإسرائيلي على فوهة البركان
والدولة العبرية تعج بالمشكلات الاجتماعية الكثيرة والمتنوعة بين أفرادها , والتي تجعل من تطاحنهم وتقاتلهم أمرا حتميا إذا فرغوا من المشاغل الخارجية فكما يقول أحدهم كما ذكرت صحيفة هآرتس وهو الوزير سيلفان شالوم في مقابلة تلفزيونية أجريت مؤخرا بعد سلسلة الاحتجاجات والمظاهرات التي اندلعت بسبب المشكلات الاقتصادية والاجتماعية , فذكر الوزير في تحليله للسبب الرئيسي لقيام تلك الاحتجاجات هو الهدوء الأمني الذي يسود ذلك المجتمع في السنوات الأخيرة مما أتاح للمحتلين التفكير والتركيز على قضايا المجتمع والاقتصاد.
ولهذا لا نتعجب من أنهم حتى في أثناء الهدوء الداخلي كما سماه الوزير شالوم يجرون بعض المناورات والتدريب على عدة إجراءات طوارئ أو إقامة ما يسمونها بـ مناورات الذعر أو بـ "لعبة الحرب" حتى يوصلوا المجتمع إلى أقصى درجات الفزع اللازم لبقاء ذلك الكيان والحفاظ عليه من التفكك الداخلي .
فمنذ الإعلان عن قيام تلك الدولة المغتصبة وضع مؤسسوها شعارا ومبدأ يتعايشون عليه بأن " كل الشعب جيش، كل البلاد جبهة" ليضمنوا أن الشعب كله جيش كبير وينبغي أن يعيشوا حالة الحرب الدائمة وأنه لا بقاء لهم بدون حرب .
وبضمان وجود الذعر والفزع يستسلم المجتمع اليهودي وينقاد لقيادته ولا يفكر في انتقادها ولا في انتقاد الوضع الداخلي ويتوحد تحت الشعار الذي أطلق في بعض الدول الأخرى " لا صوت يعلو فوق صوت المعركة " .
ومنذ اندلاع الاحتجاجات منذ عدة أسابيع , والتي تسببت في حالة ارتباك داخلي وغليان عام في المجتمع الإسرائيلي , وطالت بتأثيرها الكبير الحياة الحزبية بين الحزب الحاكم والأحزاب المعارضة التي تحاول أن تستغل الأحداث لنيل اكبر المكاسب , وأحدثت أيضا شروخات وتصدعات داخل كل حزب من الأحزاب المتصارعة .
وكان لابد من التفكير لوقف تلك الاحتجاجات لإنقاذ الكيان اليهودي من الانهيار لعدم قدرة وزارة الداخلية على مجابهة الموقف , وخصوصا بعد التصريحات التي نقلتها صحيفة معاريف على لسان ايلى يشاي - وزير الداخلية ورئيس حزب شاس - والتي هدد فيها بالاستقالة إذا لم تستجب الحكومة لسلسلة اقتراحات سيقدمها لحل الأزمة , مما يهدد بانهيار الائتلاف الحاكم ومن ثم يتسبب في انتخابات مبكرة يخشى نتيجتها باراك ونتنياهو .
فكان القرار بالبحث عن حرب وافتعال أية أزمة مع أي فصيل أو أي دولة من دول الجوار للدخول في معمعة تسكت الصوت الداخلي وتصيب اليهود بالفزع مرة ثانية لإنقاذ ما يمكنهم إنقاذه .
فكانت البداية بعملية عسكرية لا يُعرف منفذوها على وجه الدقة , سقط فيها مجموعة من الضباط والعسكريين على الحدود المصرية في بلدة أم الرشراش المصرية المحتلة ( إيلات حاليا ) , ولم تخل تلك العملية من شبهة ضلوع اليهود بها أنفسهم إذ ذكرت التقارير الواردة بأن كمينا إسرائيليا انسحب من تلك النقطة قبل تنفيذ العملية بدقائق قليلة , وذلك مع ورود تحذيرات من الجانب الأردني قبل وقوع الحادث بقليل , مما يوحي بأن هذا الحادث مدبر أو مسموح به على الأقل للبدئ في المرحلة التالية وهي التصعيد للحرب .
وبدأ باراك في التصعيد في اللهجة الخطابية مع الجانب المصري متهما إياه بعدم القدر على السيطرة الأمنية على سيناء , وهي الأرض التي بموجب اتفاقية الخزي والعار كامب ديفيد محظور على الجيش المصري التواجد فيها إلا بعدد محدود جدا يسمح به الجانب الإسرائيلي .
وجاء الحادث الذي قتل فيه خمسة مصريين بينهم ضابط وجنديان على الحدود المصرية ليعلي من نغمة الحرب ليساعد الائتلاف الحاكم في إسرائيل على تجاوز محنته الداخلية وليكون كبالون اختبار جديد للمجلس الحاكم في مصر بعد الثورة لمعرفة النوايا الحقيقة وحجم ردود الأفعال الناتجة عنه .
وبالفعل اختلفت النبرة الخطابية للرد على هذه الجريمة على لسان الدكتور عصام شرف الذي صرح بأن دماء المصريين لن تكون بلا ثمن ولابد من أن تدفعه الإدارة الإسرائيلية , وتم إغلاق معبر العوجا الذي يعتبر شريانا أساسيا للكيان الصهيوني في تصدير منتجاته المرتبطة مع مصر بها في اتفاقيات الكويز الاقتصادية المشبوهة .
فلم يعد هناك مفر من أن تطلب الإدارة اليهودية الحمقاء النجدة من غزة باعتبارها في تصوراتهم المريضة أضعف النقاط التي يمكن اللجوء لضربها دون أن تدفع فاتورة غالية لذلك كما فعلت وصمت العالم في الحرب العدوانية الأخيرة التي استباحت فيها إسرائيل كل الحرمات وفعلت كل المحرمات الدولية دون أن تخشى أي رد فعل من العرب ومن المسلمين معتمدة على نظام فاسد مهترئ خائن لدينه ولوطنه وهو النظام المصري البائد الذي تجرأت رئيسة الوزراء الإسرائيلية حينئذ أن تعلن الحرب على غزة من داخل قصر الحكم في مصر الإسلامية .
ولكن عجلات الزمن لن تدور للخلف مرة أخرى , وسقط النظام البائد الذي كان يقدم لإسرائيل كل عون ودعم ممكن , وسقط القناع عن الرؤساء الخونة وهبت الشعوب ونالت حريتها ولن تسمح بأن تكون غزة هي ثمن بقاء وثبات النظام الإسرائيلي أو ثمن تماسك ذلك المجتمع المجرم .
التعليقات (0)