منهج التحليل النفسي الفرويدي
إعداد الطالب:اسماعيل علالي
مقدمة :
ما إن يذكر علم النفس على اختلاف مدارسه إلا ويأتي اسم فرويد المزداد في (6 ماي
1856—23 سبتمبر، 1939) كأحد أبرز العلماء الذين تركوا بصمتهم في هذا الحقل العلمي،
وتكمن أهمية فرويد النمساوي المنشأ واليهودي الأصل في اعتباره واضع نظرية
التحليل النفسي التي لقيت صدى واسعا في العالم وتبنتها مختلف الحقول المعرفية حيث
وجدت فيها إجابات عن عدة أسئلة كان يستحيل الإجابة عنها قبل خروج هذه النظرية إلى
الوجود.
وسأحاول من خلال هذا العرض تبيان الأسس التي قامت عليها نظرية فرويد وكذا
فحواها دون الخوض في النقود التي وجهت إلى النظرية وصاحبها سواء من قبل تلاميذته أوغيرهم.
1-أصول نظرية التحليل النفسي
يعتبر فرويد المؤسس الفعلي لصرح التحليل النفسي ويعدكتابه( تفسير الأحلام) الذي
أصدره في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين إيذانا بثورة على المفاهيم
الطبية التي كان يعتنقها الأطباء إذ ذاك إزاء طائفة من الأمراض.حيث أحدث هذا المؤلف
وغيره من مؤلفات فرويد تعديلا جوهريا في فلسفة البحث في أخطر ما يلم
بالإنسان حيث اعتبر فرويد التحليل النفسي ليس مجرد طريقة في معالجة الأمراض
والاضطرابات الذهنية فحسب،وإنما نظرية في العقل البشري،فضلا عن كونه محاولة في
تفسير نشوء الحضارة والمجتمع ودراسة مافيهما من ظواهر.وتبعا لفرويد فإن ثمة مبدأين
للنشاط النفسي هما : مبدأاللذة pleasure principle ومبدأ الواقع
reality principleوفي حين يمثل المبدأ الأول ما لدى الإنسان من حافز للتخلص من
التوترات التي تخلقها الدوافع الغريزية وبطريقة تحقق أكبر قدر من اللذة ،فإن المبدأ الثاني
يعدل الأول نظرا لأن العالم الخارجي (أو المجتمع)يفرض شروطا وضرورات تحول دون
نيل اللذة وإشباع الرغبات مباشرة وبأقصر الطرق،مما يدفع بهذه الرغبات إلى الخضوع
لتحولات شتى تتراوح من الإرجاء والتأجيل،مرورا بالكبت وغيره من المصائر،وصولا إلى
إدانتها والحكم عليها بالشجب واللعنة.كتاب الحريم الفرويدي ص8 بمعنى أن لدى الكائن
البشري دوافع غريزية inistinctual drives أو نزوات pultions
تتصف بأن أصلها كامن في مصادر التنبيه داخل البدن وتتجلى كقوة مستمرة يستحيل
التملص منها بأعمال هرويبة وهي تهدف إلى الإشباع من خلال تناولها لموضوع ما تحقق
بواسطتها بغيتها.فإذا ماجاءت هذه الدوافع متعارضة مطلق التعارض مع سائر رغبات
المرء الأخرى ومتنافية مع الأمور الأخلاقية والجمالية لديه أدى ذلك إلى نشوب معركة
داخلية تفضي في النهاية إلى كبت repressionالرغبة الناشزة وطردها خارج مجال
الوعي لتلفها يد النسيان .وهكذا فإن ماهية الكبت تتمثل في الإقصاء عن الوعي والإبعاد
باتجاه مايدعوه فرويد باللاوعي أو اللاشعورunconscious وهو اهم ماجاء به فرويد
حيث تواصل الرغبة المكبوتة وجودها هناك مترقبة فرصة للظهور من جديد.لكن ظهورها
يكون في ثوب تنكري حيث يتم إستبدالها(الفكرة المكبوتة)في الوعي بفكرة أخرى تكون لها
بمثابة بديل أو وكيل،وبها تعود إلى الارتباط جميع الانطباعات المزعجة التي يكون المرء
قد تصور أنه نحاها جانبا بواسطة الكبت أما مايفرض هذا التنكر على الرغبة وظهورها
بمظهر العرض symptom فهو وجود قوة تعترض سبيل عودة المكبوت إلى الوعي ،وقد
اطلق فرويد على هذه القوة اسم المقاومة resistance
وعند عدم تحمل المرء للكبت فإنه يقع فريسة المرض الذي يسميه فرويد باسم العصاب
neurosisوالذي يصفه بأنه متشابك مع ما هو إبداعي لدينا كبشر ،فضلا عن تشابكه مع
أسباب تعاستنا.ويرى فرويد أن إحدى الطرائق التي نتغلب بها على رغبات لا يمكن تحقيقها
هي إعلاء أو تصعيدsublimation لهذه الرغبات،وهو مصطلح عنى به فرويد توجيه
هذه الرغبات نحو غاية اجتماعية وثقافية رفيعة.بل إن فرويد يرى أن الحضارة ذاتها قد
نشأت بفضل هذا الإعلاء حيث خلق التاريخ الثقافي من تحويل غرائزنا وتسخير طاقتها
لخدمة أهداف سامية. ،ولتبسيط نظرية فرويد يمكن القول بان فرويد قد استطاع أن يرسم
للجهاز النفسي الباطني خريطة أشبه ما تكون بالخرائط الطوبوغرافية تمثل أقساما مختلفة
في الجهاز النفسي وتتكون مركزا للعمليات النفسية المختلفة وهذه الاقسام هي :
- الشعورهو ذلك القسم من الجهاز النفسي الذي يحوي جميع العمليات النفسية الشعورية
-ما قبل الشعور هو ذلك القسم من الجهاز النفسي الذي يقع في مكان متوسط بين الشعور
واللاشعور
-اللاشعور وهو ذلك القسم من الجهاز النفسي الذي يحوي جميع العمليات النفسية اللاشعورية.
وهذا الأخير هو الفرضية الأساسية التي تقوم عليها نظرية التحليل النفسي،وينقسم بدوره
إلى ثلاث قوى متصارعة هي :
-الهو : ويحوي كل ماهو موروث وموجود منذ الولادة وماهو ثابت في تركيب البدن وهو
يحوي الغرائز التي تنبعث من البدن ،كما يحوي العمليات النفسية المكبوتة التي فصلتها
المقاومة عن الأنا نففي الهو إذن جزء فطري وجزء مكتسب ويطيع الهو مبدأاللذة
pleasure principle وهو لا يراعي المنطق أو الأخلاق أو الواقع.واللاشعور هو
الكيفية الوحيدة التي تسود الهو.
-الأنا :ويشرف على الحركة الإرادية ويقوم بمهمة حفظ الذات وهو يقبض على زمام
الرغبات الغريزية التي تنبعث عن الهو فيسمح باشباع مايشاء منها ويكبت ما يرى
ضرورة كبته مراعيا في ذلك مبدأ الواقع reality principle.ويمثل الأنا الحكمة وسلامة
العقل على خلاف الهو الذي يضم الانفعالات.وتقع العمليات النفسية الشعورية على سطح
الأنا.وكل شيء آخر في الأنا فهو لاشعوري.
-الأنا الأعلى :super-ego وهو مايعرف عادة بالضمير ويمثل ماهو سام في الطبيعةفهو
حسب فرويد "الذي يمثل علاقتنا بوالدينا ،وقد عرفنا هذه الكائنات السامية حينما كنا
صغارا ،وقد أعجبنا بها وخشيناها، ثم بعد ذلك تمثلناها في أنفسنا"فرويد كتاب الأنا والهو ص 17.
وبهذا التنظيم للجهاز النفسي تصبح مهمة الأنا مهمة شاقة فعليه أن يقوم بمراعاة هذه
السلطات الثلاثةوهي العالم الخارجي والهو والانا الأعلى .وهو في محاولة التوفيق بينها
دائما وإذا فشل في ذلك نشأت الإضطرابات العصابية والذهانية.
كما توصل فرويد كما سبقت الإشارة إلى غريزتين أساسيتين توجهان هذا الجهاز النفسي ،وهما :
-غريزة الحب أو الحياة (إيروسeros)وتشمل كلا من الغرائز الجنسية وغرائز الأنا
وتهدف دائما إلى استمرار الحياة والعمل على بقائها.
-غريزة الموت (التناتوس tinatos)وتهدف إلى الهدم وإنهاء الحياة.وإذا اتجهت إلى
الخارج بدت في صورة رغبة في العدوان والتدمير. وقد وجد فرويد في غريزة الموت
فرضا نافعا استطاع أن يفسر به كثيرا من الظواهر النفسية المعقدة التي كانت تحيره من
قبل كالسادية والمازوشية،وتوجد هاتان المجموعتان من الغرائز (الحياة والموت)حسب
فرويد متحدتين ومختلطتين الواحدة بالأخرى يقول "فعملية الأكل عبارة عن تحطيم
للطعام لغرض إدماجه في الجسم" وتعتبر السادية (وهي التلذذ من إيلام االغير
)والمازوشية(وهي التلذذ من إيلام الذات )من الامثلة النموذجية التي تدل على اتحاد هاتين
المجموعتين من الغرائز،فالسادية كما يعرفها فرويد تنشأ عن اتحاد الغرائز الجنسية مع
غرائز الهدم الموجهة نحو العالم الخارجي،والمازوشية تنشأ عن اتحاد الغرائز الجنسية
مع غرائز الهدم الموجهة ضد الذات (الأنا والهو ص21)اما النرجسية فهي تنشأ عندما
يغرق الفرد في حب نفسه عندمايرتد الليبيدو(الغريزة الجنسية إلى الذات).
وقد انتهى فرويد إلى هاتين الفرضيتين بعد أن عدل من نظريته حيث كان في أول الأمر
يفسر جميع الظواهر النفسية بافتراض وجود مجموعتين اساسيتين من الغرائز فقط،
الأولى هي (الغرائز الجنسية)التي تصدر عن طاقة خاصة سماها فرويد (اللبيدو libido)
وهي تهدف دائما إلى الإشباع واللذة،والثانية هي (غرائز الأنا) ومهمتها العمل على حفظ
الذات ،وذلك بمراعاة العالم الخارجي ومقتيات الواقع كما ذكرنا أنفا.لكن هذا التفسير جعل
فرويد يجد كثيرا من الصعوبات في تفسير بعض الظواهر النفسية على ضوء هذا التقسيم
،إذ لم يكن من السهل مثلا الملاءمة نظريته السابقة في الغرائز وبين ظاهرة
النرجسية،التي تعبر عن حب الأنسان لنفسه وعشقه لذاته ،حيث دلت هذه الظاهرة على أن
الغريزة الجنسية لاتتعلق فقط بالأهداف الجنسية الخارجية وإنما تتعلق أيضا بالذات
وتتخذها هدفا لها وهذا التعديل هو الذي دفع فرويد إلى القول بأن لبيدو الطفل(أي طاقته
الجنسية)يكون في أول الأمر متعلقا بذات الطفل نفسه،وأن جميع اللذات التي يشعر بها
الطفل إنما تصدر في أول الامر عن بدنه الخاص وتبدو له الاشياء الخارجية التي قد تسبب
له شيئا من اللذة كأنها جزء من بدنه وليست شيئا منفصلا عنه.ثم تبدأ الموضوعات
الخارجية تتميز في نظر الطفل شيئا فشيئا،ثم يأخذ جزء من طاقته الجنسية يتجه نحو هذه
الموضوعات()وهنا بين فرويد مراحل تكون الطاقة الجنسية(اللبيدو) وتطورها عند الطفل
والتي تبدأ من المرحلة الفمية oral stage وهي أول تفتح الجنسية وتترافق مع الدافع
إلى إدماج الموضوعات وإدخالها إلى داخل الجسد.ثم تليها المرحلة الشرجية
anal stageحيث يصبح الشرج منطقة إيروسيةإذ يجد الطفل رغبة في الإفراغ متصلة مع
رغبة بالحتباس والسيطرة لذا توصف هذه المرحلة بانها سادية ،وتلي هذه المرحلة
المرحلة القضيبيةphallic stage وهي تبدأ بتركيز لبيدو الطفل على الأعضاء
التناسليةنوفيها يتجلى الشكل النهائي للحياة الجنسية. وتندرج هذه المراحل كلها في إطار
ماأطلق عليه فرويد اسم الإيروسية الذاتيةauto-erotismالتي يعزف عنها الطفل بعد
المرحلة القضيبية وتوحيد ماللميول المتعددة عنده من مواضيع مختلفة والإستعاضة عنها
بموضوع واحد أوحد هو الأم التي يقول عنها فرويد(إنها الموضوع الأول للحب) ،
حيث يصبح الاهتمام الطبيعي للطفل بأمه مشحونا بالشهوة ويؤدي إلى قيام شعور لا واع
بالكراهية تجاه والده والرغبة في إيذائه لشعوره بأنه يتملك الأم وهكذا تنفتح العلاقة
(الثنائية) أو ذات الطرفين بين الطفل والأم وتتحول إلى مثلث مشكل من الطفل وكلا
أبويه،ويصبح المماثل في الجنس بمن بينهما بمثابة منافس عاطفي للطفل على الآخر من
الجنس المعاكس،وهذه هي عقدة أوديب oedipus complex التي تحتل مركزا بالغ
الأهمية إلى أبعد حد في عمل فرويد.
فهذه هي أسس منهج التحليل النفسي الفرويدي والتي لم تأت من فراغ بل هي ناجمة عن
ملاحظات فرويد وتجاربه طيلة فترات اشتغاله في علم النفس المرضي وما استفاده من
بروير في فيينا وشاركو في باريس وبرنهايم في نانسي حيث ساهم كل من هؤلاء الأطباء
النفسيين في تحديد توجه فرويد كما شكلوا قاعدة النظريات اللاحقة التي جاء بها فرويد
ذلك أنه أخد عن برنهايم البرهان التجريبي على وجود اللا وعي ومن شاركو اكتشف معه
أن الهستيريا ترجع إلى عنصر جنسي كما ورث من بروير (التطهير)الذي حوله إلى منهج
خاص به في التحليل النفسي الذي أرسى قواعده واشتهر به .
التعليقات (0)