بقلم/محمد أبو علان:
blog.amin.org/yafa1948
نظرياً مؤسسات وهيئات حقوق الإنسان الدولية وجدت للدفاع عن حقوق الإنسان وفق المواثيق والتشريعات الدولية، ولكن من الناحية العملية جزء من هذه المنظمات تحولت لأدوات سياسية في يد ما بات يعرف بالنظام العالمي الجديد مما جعلها بمثابة مساحيق تجميل للسياسة القمعية ولجرائم هذا النظام العالمي ضد البشرية في الكثير من الدول والمجتمعات.
وتعمل بعض هذه المنظمات وفق مبدأ دس السم في الدسم، فهي تصدر تقاريرها النقدية لجزئيات من الممارسات الظالمة لسادة النظام العالمي الجديد في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، وهذا النقد لا يأتي من باب تقويم ووقف ممارسات هذا النظام بقدر ما هي مدخل خبيث لإدانة الضحية في النهاية وتبرئة ساحة المجرم.
منظمة "هيومن رايتس ووتش" يمكن اعتبارها مثال حيّ على هذا النوع من المنظمات التي تشكل أدوات في أيدي النظام العالمي الجديد، وما المؤتمر الصحفي الذي عقدته هذه المنظمة في مدينة القدس المحتلة قبل أيام وأعلنت فيه أن صواريخ المقاومة التي تطلق من قطاع غزة على المستوطنات الإسرائيلية المحيطة بقطاع غزة تعتبر جريمة حرب، في المقابل عندما كانت تتحدث عن جرائم الاحتلال الإسرائيلي كانت تتحدث عن احتمالية أن تشكل هذه الممارسات جريمة حرب .
المنظمة تعاملت بنفس النهج والمنطق الذي تتعامل بهما أنظمة القمع والاحتلال في العالم، فهي تعاملت مع النتيجة تاركه السبب وراء إطلاق الصواريخ من قطاع غزة، وتناست هذه المنظمة أن قطاع غزة كغيرة من الأرض الفلسطينية يخضع لاحتلال دموي وإجرامي منذ عقود من الزمن، احتلال لا يفرق بين مقاتل ومدني، ولا بين شيخ أو طفل أو امرأة، وتجاهلت أن هذا الاحتلال وبمساعدة دولية يفرض حصار بري وبحري وجوي على قطاع غزة من ثلاث سنوات ليس لسبب إلا لمعاقبة الشعب الفلسطيني على خيارة الديمقراطي بعد الانتخابات التشريعية الثانية في العام 2006.
وهذا النهج في التعامل مع حقوق الإنسان من قبل "هيومن رايتس ووتش" يثير الاستغراب كونها تسعى لتكريس فكرة ومفهوم المساواة بين المجرم وبين الضحية، وهذا ما يرشح بصورة فاضحة من بياناتها حول العدوان الأخير على قطاع غزة، وقالت في إحدى بياناتها خلال هذه الحرب "مع بدء هجوم إسرائيل البري على غزة، فإن على كل من القوات الإسرائيلية والفلسطينية أن تُراعي ما أثير من مخاوف متزايدة بشأن حماية المدنيين نظراً لما يُرجح أن يقع من قتال في مناطق مكتظة بالسكان المدنيين. وينبغي على الجانبين أن يلتزما أشد الالتزام بقوانين الحرب، بما في ذلك اتخاذ كل الإجراءات المستطاعة لتفادي إلحاق الأضرار بالمدنيين وتيسير إتاحة دخول العاملين بالمساعدات الإنسانية والعاملين الطبيين"، وهنا غضت الطرف عن أن من يقوم بالعدوان هو الاحتلال الإسرائيلي على مواطنين يفترض أن يكونوا آمنين على أرضهم، وفي بيوتهم ومدارسهم ومواقع عملهم ومراكزعلاجهم، وضاربة عرض الحائط بعدم التوازن المطلق في القوة بين المجرم والضحية، وإن ما تقوم به المقاومة من قطاع غزة حق مشروع ورد مفروض على الاحتلال وممارساته.
والأدهى من ذلك أن منظمة "هيومن رايتس ووتش" تعطي لنفسها الحق للتشريع لقوات الاحتلال الإسرائيلي باستخدام الأسلحة الفتاكة ومنها طائرات الاستطلاع "الزنانة" في جرائمها في قطاع غزة إن هي أخذت بعين الاعتبار بعض القواعد، وتقول المنظمة في تقريرها والذي حمل عنوان عين الخطأ " القوات الإسرائيلية أخفقت في اتخاذ جميع الاحتياطات المستطاعة للتحقق من أن الأهداف من المقاتلين، حسب ما تتطلب قوانين الحرب، أو هي أخفقت في التمييز بين المقاتلين والمدنيين".
ولم تقتصر الاتهامات لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" على فلسطين وحدها، فها هو وزير الداخلية الأردني يتهم المنظمة نفسها وغيرها من مؤسسات حقوق الإنسان بممارسات غير لائقة في المملكة، تتمثل هذه الممارسات بدفع الأموال لبعض الجهات والأفراد لنشر تقارير حقوقية تسيء للملكة وتستخدم كأداة للضغط على الأردن، وقال في هذا السياق "هذه المنظمات مولت مراكز وأشخاصا بأموال على شكل أكياس من المال صرة، وهذه المراكز والأشخاص قاموا بأخذ حصصهم وتوزيع الجزء المتبقي على أشخاص مقابل كتابة تقارير لعدة جهات خارجية عن حقوق الإنسان والحريات والمواطنة والشؤون العامة والسياسية والاقتصادية".
كل هذا الكلام لا ينفي دور منظمة "هيومن رايتس ووتش" وغيرها من المؤسسات الدولية في توثيق انتهاكات حقوق الإنسان في فلسطين وغيرها من بقاع هذا الكون، ولكن على المنظمة وقف نهجها في المساواة بين المجرم والضحية ووضعهما في مستوى واحد، وعليها تكريس ودعم حق الشعوب الرازحة تحت الاحتلال في مقاومة الاحتلال من أجل دحره عن أرضها، ناهيك عن ضرورة المطالبة وبقوة من أجل محاكمة مجرمي الحرب من الساسة والعسكريين الإسرائيليين والأوروبيين والأمريكان على جرائمهم في كل من العراق وفلسطين وأفغانستان ولبنان.
moh-abuallan@hotmail.com
التعليقات (0)