مكانة الرسول صلى الله عليه وسلم
فى القرآن الكريم
بسم الله الرحمن الرحيم
مكانة الرسول صلى الله عليه وسلم فى القرآن الكريم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله شهادة نحيا بها ونموت عليها ونلقى الله بها.
وبعـــد
1- إن كان لأحد من البشر فضل على كل مسلم على وجه هذه الأرض – بعد فضل الله تعالى – فهو بالقطع لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أنقذنا الله به من الضلالة وأخرجنا به من الجهالة والغواية وجعله سببًا لكل خير هدينا إليه أو شر نهينا عنه.
وقد ذكر لنا ربنا في كتابه هذه المنة التي تطوق عنق كل مسلم في كل زمان ومكان فقال {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } [آل عمران: 164] ومن ثم يؤكد القرآن الكريم على موقع النبي صلى الله عليه وسلم لدى كل مسلم فيقول { النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } [الأحزاب: 6] فهو أقرب إلينا من قلوبنا وأحب إلى نفوسنا من نفوسنا وهو عند كل مسلم منا أعز لديه وأغلى من جميع الخلق دونما استثناء , وفى الحديث الذي رواه أحمد والترمذي وابن ماجه «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ، وَوَالِدِهِ، وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ»
2- وقد شمل القرآن الكريم على الكثير من الإشارات التي تتحدث عن مكانة الرسول صلى الله عليه وسلم عند ربه ، ولا يتسع المجال هنا للتفضيل في كل ما يتعلق بهذا الجانب , ونكتفي بذكر بعض ما ورد بهذا الشأن ولك فيما يلي :-
( أ ) من علامات بر الله به وتعظيمه لشأنه أنه – جل شأنه – نادى جميع الأنبياء بأسمائهم , فقال :- يا آدم , يا نوح , يا إبراهيم , يا موسى , يا عيسى , يا زكريا , يا يحيى - …. الخ , بينما نادى النبي صلى الله عليه وسلم بقوله له ( يا أيها النبي – يا أيها الرسول – يا أيها المز مل – يا أيها المدثر ).
( ب ) حين أثنى الله على أنبيائه السابقين بما فيهم من أخلاق كريمة كان يذكر لكل نبي صفات محددة فقال عن خليله إبراهيم {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ} [هود: 75] وقال عن إسماعيل { إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا} [مريم: 54] وقال عن موسى { إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا } [مريم: 51] وقال عن أيوب {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 44] وحين تحدث عن سيدنا محمد بين انه جاز الكمالات كلها فقال{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}القلم:4
( ج ) ومن الخصائص التي خص بها نبيه دون سائر الأنبياء أن كل نبي كان مبعوثا إلى قومه خاصة , وفى القرآن ما يشير إلى هذا , فالله يقول عن عيسى {وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} [آل عمران: 49] وعن هود قال {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} [الأعراف: 65] وعن صالح قال {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا } [الأعراف: 73] ..الخ في حين أن رسولنا بُعث إلى الناس كافة في زمانه وفيما بعد زمانه , فهو خاتم النبيين . قال تعالى :– {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} [سبأ: 28] وقال جل ذكره :– {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40] وفى الحديث الذي رواه الشيخان : – ” مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بنيانا فأحسنه وأجمله، إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة قال فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين “
( د ) ومن مظاهر تكريم الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ما أخذه من العهد على كافة الأنبياء من الإيمان به ونصرة دينه , فقال تعالى : {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران: 81] يقول الإمام على :- لم يبعث الله نبيا من آدم فمن بعده إلا أخذ عليه العهد فى محمد صلى الله عليه وسلم لئن بعث وهو حي ليؤمنن به وينصره , ويأخذ العهد بذلك على قومه.
(هـ ) ومن مظاهر تكريم الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ما جاء في قوله تعالى :– {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } [الشرح: 4].
قال قتادة : - رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة , فليس خطب ولا متشهد ولا صاحب صلاة إلا يقول : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله . وقال حسن بن ثابت رضى الله عنه :-
ضم الإله اسم النبي إلى اسمه إذ قال المؤذن في الخمس أشهد
وشق له من اسمه ليجله فذو العرش محمود وهذا محمد
( و ) ومن مظاهر تكريم الله تعالى لنبيه وثنائه عليه ما جاء في مطلع سورة النجم مع غيرها من الصور حيث أثنى الله على عقله فقال {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} [النجم: 2] . وأثنى على لسانه فقال:- }وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3] وأثنى على جليسه ومعلمه جبريل فقال {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى } [النجم: 5] وأثنى على فؤاده فقال {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} [النجم: 11] وأثنى على بصره فقال {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى } [النجم: 17] وأثنى على صدره فقال {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح: 1] وأثنى على أخلاقه كلها فقال {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4] ونكتفي – إخوة الإسلام – بهذاالقدر من الإشارات القرآنية على مكانة الرسول وعظيم منزلته عند ربه , فالكلام فيها يطول ويطول .
( 3 ) وقد أشار العلماء رحمهم الله أن خصال الكمال والجلال إذا وقعت منها واحدة أو اثنتان لشخص ما عظم وقدر , وضربت باسمه الأمثال , فيقال : أحلم من الأحنف , وأكرم من حاتم , وأذكى من إياس .. الخ فكيف بمن عظم قدره حتى اجتمعت فيه كل هذه الخصال !
يقول القاضي عياض اليحصبى (الشفا بتعريف حقوق المصطفى) : ما ظنك بعظيم قدر من اجتمعت فيه خصال الخير كلها ممالا يحصيه عد , ولا يعبر عنه فقال , ولا ينال بكسب ولا حيلة إلا بتخصيص الكبير المتعال من فضيلة النبوة والرسالة والخلة والمحبة والاصطفاء والإسراء والرؤية والقرب والدنو والوحي والشفاعة والوسيلة والفضيلة والنبوةوالرسالة والدرجة الرفيعة والمقام المحمود والبراق والمعراج والبعث إلى الأحمر والأسود والصلاة بالأنبياء والشهادة بين الأنبياء والأحمر وسيادة ولد آدم والرحمة للعالمين وشرح الصدر ورفع الذكر والتأييد بالملائكة وإيتاء الكتاب والحكمة والصلاة الله تعالى والملائكة عليه , ووضع الإصر والأغلال عن الخلق ببعثه ونبع الماء من بين أصابعه وتكثير القليل وانشقاق القمر والنصر بالرعب والإطلاع على الغيب وظل الغمام وتسبيح الحصى والعصمة من الناس ، إلى بما لا يحصيه عدد ولا يحيط بعلم إلا الله تعال إضافة إلى أعد الله له في الدار الآخرة من منازل الكرامة والدرجات القدس ومراتب السعادة والحسنى والزيادة التي تقف دونها العقول , وتحار دون إدراكها الأفهام أ.هــ بتصرف
وصدق من قال : – فان فضل رسول الله ليس له : حد فيعرب عنه ناطق بفم (4) والمسلم أمام هذه القمة السامقةوالبنيان الشامخ لا يملك إلا التوفير والإجلال لمقام هذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم , ويجعل نفسه وما ملك فداء لرسول صلى الله عليه وسلم وأن يقتفى أثر الصحب الكرام الذين تفانوا في حب رسولهم صلى الله عليه وسلم حتى شهر بذلك الأعداء والأصدقاء على السواء .
يقول أبو سفيان بن حرب قبل أن يعلن إسلامه (ما رأيت أحدا كحب أصحاب محمد لمحمد ) ويقول عروة بن مسعود الثقفي – وافد قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية : (أي قوم : والله لقد وفدت على كسرى وقيصر والنجاشي , والله ماريت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمداٌ
(5) ومن حق هذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم علينا أن يقف بالمرصاد لكل من تسول له نفسه النيل من مقامه الشريف بأي لون من الألوان .
قال تعالى :- { إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا } [الأحزاب: 57]
قال تعالى :- {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ} [المجادلة: 20] وقد أدبنا ربنا تبارك وتعالى بأدب المقاطعة والبغض لأولئك المتطاولين على مقامه الكريم فقال : – {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ} [المجادلة: 22]
اشتمل القرآن الكريم على كثير من الإرشادات التي تحديث عن مكانة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقد أشرنا إلى طرف من هذه الإشارات في السابق ، و نواصل استكمال هذه الإشارات القرآنية ، وفاءً بحث رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ، الذي جعله الله تعالى رحمة للعالمين ، وسببًا لكل خير هدينا إليها ، أو شر نهينا عنه .
ومن هذه الإشارات ما يلي :
1- قول الله تعالى ” }إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } [الأحزاب: 56] ففي هذه الآية الكريمة إشارة للنبي صلى الله عليه وسلم في الملأ الأعلى .
فهو سبحانه يثنى عليه ويصلى دائماً عليه ، وكذلك الملائكة ، ثم أمر الله أهل الأرض بالصلاة والسلام ليجمع الثناء عليه من ربه وأهل السماء وأهل الأرض .
2- دافع الله تعالى عنه ضد كل من حاول أن ينقص من قدره ، أو يتهمه بما ليس فيه .
فحين قال المشركون ” }يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} [الحجر: 6] أجاب الله عنه بنفسه وقال: }ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1) مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2)} [القلم: 1، 2] وحين قال المشركون : }لَسْتَ مُرْسَلًا} [الرعد: 43] قال تعالى فى الرد عليهم : {يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4) } [يس: 1 - 4] وحين قال المشركون : }أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ } [الصافات: 36] أجاب الله تعالى عنه فقال : } بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ} [الصافات: 37] وقال : }وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ} [يس: 69]
وحين قال المشركون عن القرآن : ” }وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الفرقان: 5] {قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } [الفرقان: 6] ولما تأخر الوحى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال المشركون : ” إن رب محمد قد قلاه “ رد الله عليهم زعمهم وقال : }مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحى: 3]ولما قال المشركون : }مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ} [الفرقان: 7] “ أجاب الله تعالى عنه وقال : }وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ } [الفرقان: 20] وهكذا ما من افتراء أو ادعاء جاء به المشركون تجاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ونزه الله تعالى ساحته ، ورفع قدره ، ورد على المشركين ما زعموه ، وقال لنبيه }إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} [الحجر: 95]
3- ومن مظاهر تكريم الله لنبيه أنه أقسم به ، فقال: }لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر: 72] كما أقسم بمكة التي ولد ونشأ ، فقال }لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ } [البلد: 1، 2]
4- ومن مظاهر تكريم الله لنبيه أنه جعله طاعته فقال: }مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80] كما جعل بيعته فقال }إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } [الفتح: 10]. في الوقت الذي نهى عن التقدم بين يديه بأمر أو نهى ، فقال }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات: 1] أي لا تأمروا ولا تنهوا حتى يقضى الله على لسانه ما يشاء .
وحذر من التخلف عن أمره أو نهيه لما يؤدى إليه من الإفساد ، فقال سبحانه }لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [النور: 63]
فالآية الكريمة تحمل ضمن معانيها أنه لا يجوز التردد في إجابة رسول الله إذا ما دعا لأمر ما وإلا تعرض المرء للفتنه في الدنيا والعذاب الأليم في الآخرة .
5- ومن مظاهر تكريم الله لنبيه قوله له }إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ } [الكوثر: 1] وقد فسر الكوثر بأنه الخير الكثير في الدنيا والآخرة ، ومن هذا الخير نهر من الجنة يسمى بهذا الاسم .
وقد استعملت الآية الكريمة لكلمة ” أعطيناك “ بدلاً من ” سنعطيك “ للدلالة على عظيم فضل الله على نبيه وعظم منزلته عنده حيث كتب له هذا الفضل في الزمن الماضي ، ثم أمره تعالى بإخلاص العبودية له قائل }فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } [الكوثر: 2] ورد على من وصفوه بما لا يليق بقوله تعالى }إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} [الكوثر: 3] وشانئك يعنى عدوك .
قال ابن كثير : قال السدي : كانوا إذا مات ذكور الرجل قال بتر ، فلما مات أبناء رسول الله قالوا : بتر محمد ، فأنزل الله}إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} وهذا يرجع إلى ما قلناه من أن الأبتر الذي إذا مات انقطع ذكره ، فتوهموا لجهلهم أنه إذا مات بنوه انقطع ذكره ، وحاشا وكلا ، بل قد أبقى الله ذكره على رؤوس الأشهاد ، وأوجب شرعه على رقاب العباد ، مستمراً على دوام الآباد ، إلى يوم المحشر والمعاد ، صلوات الله وسلامه عليه إلى يوم التناد .
6- ومن مظاهر تكريم الله لنبيه أن الله تعالى ذكر في كتابه أن الكتب السابقة كالتوراة والإنجيل اشتملت على التنويه برسالته ، فقال : ” الذين يتبعون الرسول النبي الأمر الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل …. إلخ “ وأن معرفة أهل الكتاب به كمعرفتهم لأبنائهم ، وإن كانوا يعاندون الحق ويكتمونه ، فقال تعالى }الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 146]
7- ومن مظاهر تكريم الله لنبيه أنه شهد له بنفسه بالرسالة ، فقال : }وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ } [المنافقون: 1] وقال}لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [النساء: 166] وقال }يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا } [الأحزاب: 45، 46]
8- وأكدت الآيات على عموم بعثته صلى الله عليه وسلم للعالمين ، وأن بعثته كانت رحمة لكل الخلق ، فقال تعالى{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]
قال ابن عباس رضى الله عنهما : ” هو رحمة للبر والفاجر ، لأن كل نبى إذا كذب أهلك الله من كذبه , أما نبينا صلى الله عليه وسلم فهو رحمة للمؤمنين بالهداية ، ورحمة للمنافق بالأمان من القتل ، ورحمة للكافر بتأخير العذاب ، قال تعالى}وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} [الأنفال: 33].
9- ونختم بهذه الكلمات التي قالها سيدنا عمر رضي الله عنه أحد تلامذة المدرسة المحمدية وهو يرثى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلمات تفيض حباً وتقطر وداً ، فيقول : السلام عليك يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي ، لقد كنت تخطبنا على جذع نخله ، فلما كثرا لناس اتخذت منبراً لتسمعهم ، فمن الجذع لفراقك ، حتى جعلت يدك عليه فسكن ، فأمتك أولى بالحنين إليك لما فارقتها .
بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، لقد بلغ من فضيلتك عنده أن جعل طاعتك طاعته ، فقال عز وجل ” مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ “ بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، لقد بلغ من فضيلتك عنده أن بعثك آخر الأنبياء ، وذكرك في أولهم ، فقال عز وجل : }وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [الأحزاب: 7] بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، لقد بلغ من فضيلتك عنده أن أهل النار يودون أن يكونوا قد أطاعوك وهم بين أطباقها يعذبون ، {يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا } [الأحزاب: 66] بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، لقد بلغ من فضيلتك عند الله أن أخبرك بالعفو قبل أن يخبرك بالذنب ، فقال : } عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ} [التوبة: 43] بأبى أنت وأمى يا رسول الله ، لئن كان موسى بن عمران أعطاه الله حجراً تفجر منه الأنهار ، فليس ذلك بأعجب من أصابعك حين منع منها الماء . بأبى أنت وأمى يا رسول الله ، لئن كان عيسى بن مريم أعطاه الله إحياء الموتى ، فما هذا بأعجب من الشاه المسمومة حين كلمتك وهى مشوية ، فقال لك الذراع . لا تأكلني فإني مسمومة . بأبي أنت وأمى يا رسول الله ، لقد دعا نوح على قومه فقال : {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا } [نوح: 26] ولو دعوت علينا بمثلها لهلكنا كلنا , فلقد ظهرك عقبة بن أبى معيط وأنت تصلى ، وأدعى وجهك وكسرت باعيتك يوم أحد ، فأبيت أن تقول إلا خيراً ، فقلت ” اللهم اغفر لقومى فإنهم لا يعلمون “ بأبى أنت وأمى يا رسول الله ، لقد بلغ من تواضعك أنك جالستنا ، وتزوجت منا ، وأكلت معنا ، ولبست الصوف ، وركبت الدواب ، وأردفت خلفك ، ووضعت طعامك على الأرض تواضعاً منك ، . أ.هـ .
10. إن أعظم ما امتن الله به على البشرية هي بعثة هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، وإن أولئك الذين يغمضون أعينهم عن مظاهر عظمته وجليل سيرته يتناسون أو يتجاهلون الأثر العظيم الذي أحدثه في هذه الدنيا ، فقد فتح الله به آذاناً صماً ، وأعيناً عمياً ، وأخرج البشرية من الظلمات إلى النور ، وتركها على المحجة البيضاء ، والشريعة المستقيمة الغراء ، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ، وصدق من قال : أتطلبون من المختار معجزه يكفيه شعب من الأحداث أحياه .
11. وسيبقى هدى النبي صلى الله عليه وسلم وسنته هى السبيل الوحيد لمن أراد الوصول إلى الله تعالى ، ونيل السعادة فى الدارين ، وصدق الله العظيم إذ يقول }قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [آل عمران: 31].
اللهم اجز عنا نبينا خير ما جزيت به نبياً عن أمته ورسولاً عن قومه ، وارزقنا حسن التأسى به ونيل شفاعته .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
إعـداد
أ.د / طلعت محمـد عـفيفي سـالم
وزير الأوقــاف في مصر
التعليقات (0)