أرجو أن يصدقنى أعزائى القراء أننى حين أجلس الآن على مدونتى وأنقر على الحروف فإننى لا أهدف من وراء ذلك إلا الهروب من بين يدى كآبة قاسية والإنفلات من أنياب قلق ممض , ومحاولة التحايل على توتر يتحرك فى الروح ويمور فى القلب . , أنا بالفعل لا أريد طرح فكرة أتحمس لها وأدعو القراء لاعتناقها , ولا أطرح رأيا كى أروجه وأدافع عنه , فما عاد شئ من ذلك يمكن أن يحرك الأحداث من الوجهة السائرة إليها . ويدخل فى إطار محاولة الهروب هذه أننى منذ يومين لم أفتح التلفاز , ولم أشاهد أيا من هذه الحوارات العبثية التى أصبحت تجارة رائجة فى الفضائيات , لجأت إلى الراد يو, وجعلت المؤشر على إذاعة الأغنيات ممنيا النفس بسماع بعض أنغام الزمن الجميل ومعانيه الرائعة , ولكنى للأسف وجدت أن الإذاعة غيرت خريطتها , وأخذت تذيع الأغانى الوطنية التى كانت أحد جرعات التخدير فى العصر الناصرى , والتى لا أبرؤها من الإسهام فيما نحن فيه اليوم . ومع بعدى عن مصادر الأخبار وفى مهربى الذى أجبرت نفسى عليه إلا أن بعض الأخبار يتناهى إلى إما من مكالمة هاتفية , أو مما يثرثر به الناس فى الطريق , ومن هذه الأخبار أن هناك حشودا أمام قصر الاتحادية الذى يقيم فيه الرئيس مرسى , وأن هذه الحشود تطالب بإلغاء الإعلان الدستورى وما ترتب عليه ,كما تطالب بعدم طرح الدستور الجديد إلى الاستفتاء وغير ذلك من المطالب , وبما أننى أهرب من الكآبة فلا مانع من الفضفضة المعززة لهذا الهروب , وذلك عن طريق التعليق على هذه الأحداث وذلك على النحو التالى -1- من الواضح أن التيار الإسلامى يرى أن الظروف قد وضعت السلطة بين فكيه , وهو ليس مستعدا للتفريط فى حلم امتد لثمانين عاما -2- واضح أن الإسلاميين لم يحسنوا تقدير قوة التيار المدنى المقاوم لأسلمة مصر , وأنا واثق أن هذا التيار يمثل الأغلبية الساحقة ولكنه يفتقر إلى القدرة على الحشد والتنظيم التى لدى الفريق الآخر , ولكنه مصر على المقاومة وعلى دفع الثمن -3- يترتب على ذلك أن الثورة وضعت مصر أمام مشكلة ,حيث انقسم المجتمع المصرى هذا الانقسام غير المسبوق فى تاريخه والذى قد تكون له نتائج وخيمة العواقب -4- أخطر ما فى الأمر أن الكثيرين من المصريين يؤمنون أن مصر تتعرض لغزوة تستهدف هويتها وتراثها الحضارى , وأن هذا الغزو المتسربل بالإسلام يختلف عن الغزو الإسلامى الذى حدث منذ أربعة عشر قرنا , لأن الفاتحين المسلمين لم يستهدفوا الهوية المصرية , هم فقط عرضوا الإسلام على المصريين , ولكنهم لم يحرقوا كنيسة , ولم يحطموا تمثالا , ولم يفرضوا زيا معينا على المصريين , ولم يتعرضوا لفنونهم , ولا لتقاليدهم , ولم يحرموا احتفالاتهم بأعيادهم كأعياد شم النسيم , وليلة الغطاس , هذه الأعياد التى أذكر أننا كنا نحتفل بها فى قريتى مسلمين قبل المسيحيين , ولم يتعرض المسلمون لفنون المصريين ومواويلهم وأغنياتهم على آلاتهم الموسيقية مثل الأرغول أو الناى , ولا ليالى الفرح التى تميز المصريين , لم يحدث أن انتشرت مجموعات تدعى النهى عن المنكر لتعتدى على شاب يجلس مع فتاته , ولم تعتد على فرقة موسيقية وتقتل بعض أفرادها أ وتمنع العزف الموسيقى فى اية مناسبة . بل إن الهوية المصرية هى التى صبغت الفاتحين بصبغتها , فرأينا إسلاما مصريا غاية فى التفتح والسماحة , وحب الحياة والاحتفاء بالموت وتكريم بعض أوليائه بإقامة الأضرحة لهم , والإحتفال بالموالد التى يقيمونها لتكريمهم . هذه الهوية الرائعة ذات الطابع الإنسانى المحب للحياة العاشق للفنون الذى يؤدى فرائض دينه , ويسمع القرآن ولكن بقراءة خاصة بالمصريين جعلت القرآن يتلى بتوقيعات موسيقية وبأصوات جميلة تبرز وجه الجمال فيه ,وقوة الإعجاز فى معانيه هذه الهوية هى المستهدفة الآن , وهذه الحشود أمام قصر الإتحادية إنما تحاول إنقاذها , فهل ستنجح ؟ هل سيسمح التتار الجدد بذلك ؟ . وهل نجحت أنا بكتابتى لهذا الموضوع فى مقاومة تيار الكآبة والهروب من سطوته إلى حين ؟ . أرجو ذلك .
التعليقات (0)