عصام العريان هو أحد أبرز قياديي حزب الحرية والعدالة الحاكم في مصر والذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين المصرية التي لها عروق وجذور في كل أو في معظم الدول العربية والإسلامية ، وهو أيضا رئيس فريق الحزب في مجلس الشورى المصري .. عصام العريان هو اليوم أحد صقور القيادة السياسية المصرية لقربه الفكري والحزبي القوي من الرئيس المصري محمد مورسي .. عصام العريان قد يكون في يوم من الأيام رئيسا منتخبا لجمهورية مصر العربية أو رئيسها الفعلي خلف الرئيس المنتخب لكن ربما أقوى مما هو عليه اليوم .
عصام العريان صرح قبل أيام أمام مجلس الشورى المصري – كما أوردت العديد من المنابر الإعلامية من بينها منابر مغربية – في إطار حديثه عن القضية الفلسطينية بقوله : (( .. إن ملك المغرب لم يضف شيئا للجنة القدس ولا للقضية الفلسطينية .. )) .
فهل هذا التصريح ينطوي على شيء من الحقيقة أم هو مجرد تصفية حسابات سياسية وامتداد
لعداء دفين ؟؟ حسب معرفتنا المتواضعة للسياسات المغربية والعربية التي اكتسبناها فقط من خلال تجارب لا حصر لها عشناها ونعيشها يوميا بالصوت والصورة على أرض الواقع فللتصريح نصيبين من الجوابين الإجابيين على التساؤلين ، ولنحاول إذا أن نقرأ ما استطعنا وما تيسر لنا من سوابق سياسة نظامنا بعهديه القديم والجديد على الصعيدين الداخلي والخارجي ، ومن التاريخ السياسي المعاصر للعلاقات المغربية المصرية والمغربية العربية :
كما عهدنا نظامنا بعهديه القديم والجديد اللذان لا يختلفان في جوهرهما إلا في قوة تضليلهما وبتعدد وتنوع منافقيهما : فهو لا يقبل بمن يصادقه ولا يصدقه حتى وإن كان كاذبا ، ويرفض من لا يقدسه ويبجله ويعظم عصره ومنجزاته حتى وإن كانت القدسية والعظمة والتبجيل تخص الخالق وحده ومحرمة على المخلوق ، ومنجزاته من درب الخيال لا ينعم بها إلا منافقوه .. والويل كل الويل لمن خالف فرائضه وسننه . فكم من مغربي أعدم بالسيف أو بالرصاص .. وكم من مغربي ذوبت عظامه بالسوائل السامة .. وكم من مغربي دفن حيا حتى رأى بعينيه الدود ينهش لحمه .. وكم من مغربي قطع رزقه وهتك عرضه .. لمجرد أنه صادق الملك أو الوزير أو العامل أو القائد أو الشيخ .. وكم من صحفي مغربي عذب أو أذل أو أهين لمجرد أنه لم يتعبد في غير بيوت الله أو أتى للناس بالحقيقة أو فضح الفساد والفاسد .. وكم من إعلامي أجنبي نكل به أو أهين فوق أرض المغرب وتحت سماء الله وطرد من بينهما لمجرد أنه قال أو كتب أو صور أو نقل بصدق الحق ..
طردت قناة الجزيرة من المغرب وجرد معاونوها من حقهم المهني لمجرد أنها نقبت عن المحرومين والمقهورين في أدغال المغرب الغير النافع ونقلت همومهم ومصائبهم للنظام وعرت الوجه القبيح لخدامه المنافقين وكشفت تضليلهم وخدعهم .. وليس لكونها فقط عاكست الوحدة الترابية للمملكة كما ادعى ويدعي خدام أعتابها الشريفة ، وقبلها وبعدها أهين وطرد إعلاميون إسبانيون وفرنسيون وحقوقيون أجانب بذنب قول الحق وكشف الحقيقة التي زورت بالباطل ودفنت تحت أقدامه لعقود طويلة .
فالصدق والحقيقة كانا دوما هما العدوين اللدودين لنظامنا ونخبه منذ مطلع ستينيات القرن العشرين ، فكيف به اليوم أن يمتلك الشجاعة الفاضلة ويقبل بتحليلات وبانتقادات الحقوقيين والسياسيين والإعلاميين المغاربة والأمريكيين والأوربيين .. وعصام العريان ؟ فنظامنا بنخبه لم ولن يقبل بآراء ( داخلية كانت أم خارجية ) لا تقدسه ولا تعظم منجزاته ، ولو بالكذب والنفاق ، وتنتقد سياسته إلا إذا فرضت عليه فرضا ولم يجد من قوة لإهانت أصحابها أو لخزنهم أو لطردهم ليبقى ملاذه الوحيد هو الاختباء وراء بطولات من دخان يسيل بها ، وبغباء ، إعلامه الضعيف دموع المستضعفين على أرض المغرب الذي لم يكن ضعيفا مثلما هو اليوم .
فلو لم يكن تصريح عصام العريان يرتكز على شيء من الحقيقة والصدق لما جازف الرجل بمصداقيته الداخلية والخارجية لمجرد حاجة في نفسه ، ولما ابتلع الديوان الملكي وحكومته - كعادتهما عند كل سقطة بصفعة - فضيحة تعرية العريان لعورة المغرب على مسامع وتحت أنظار الشعبين المغربي والفلسطيني وكل شعوب العالم ، ولما اعتمد إعلامنا الضعيف - كما ألفناه عند كل مذلة - على توضيب تصريحات وشهادات مزورة وأضعف من أصحابها عوض أن يأتينا وللعريان باليقين المصور مباشرة كما يبدع في نقل الرحلات الملكية المباركة العظيمة ..
لكن كذلك يمكن القول أن تصريحات عصام العريان لم تكن بريئة ولم تكن غايته فقط هي قول الحقيقة باسم الحق لإزهاق التضليل وإلا لمذا لم يجهر بها ويكشفها من قبل وعمر لجنة القدس ليس قصيرا ، فأين كانت تختبئ قوته وشجاعته السياسيتين اللتين اكتسبهما منذ سنوات طويلة ؟؟
التساؤل يدفعنا إلى الجزم على أن لتصريحاته خلفيات وغايات أطول وأثقل من عمر ومن مزانية لجنة القدس وأبعد من قول الحق قد تكون امتدادا لعداء دفين :
فقبله وفي نفس الأسبوع صرح وزير السياحة المصري على شاشة إحدى القنوات التلفزيونية الخاصة المصرية بأغرب النظريات التي سمعناها حتى الآن من الأشقاء المصريين حيث قال في برنامج حواري حول السياحة في مصر :
(( .. حينما جئت إلى الوزارة وجدت قيودا موضوعة على السياح الإرانيين والسياح القادمين من شمال إفريقيا ومنهم على الخصوص ستات ( نساء ) المغرب لكونهن مشهورات بالإغراء الجنسي وبالشعوذة ( كما فسرت المذيعة المحاورة ) حسب مبررات مصالح الأمن القومي أيام مبارك .. ماعدا ذلك لم توضع أية قيود على أي نوع من السياح حتى وإن كانوا إسرائيليين .. )) .. ولسنا بحاجة هنا إلى إبراز وجه الغرابة في تصريح الوزير المصري ولا في مسببات القيود المذكورة ولا في أخلاق واضعيها ولا في سياسة السياسيين المصريين فنحن على كل حال مغاربة كانت أخلاق الإسلام هي تفاصيل وملخص شعار حياتنا ومازالت وستدوم دوام وجودنا ، وتصريحات الرجلين ليست فريدة أو استثنائية في السياسة المصرية بل ماهي إلا حلقة من سلسلة مواقفها السلبية اعتاد عليها المغاربة واكتسبوا مناعة ضدها . فمعظم المغاربة يتذكرون موقف عمرو موسى من الوحدة الترابية للمملكة عندما كان أمينا عاما للجامعة العربية وتصريحاته المعادية للمغرب في ملف الصحراء وموقفه المتخاذل في النزاع الذي نشب بين المغرب وإسبانيا حول جزيرة ليلى تماشيا مع المواقف الجزائرية في الملفين .. كل المغاربة ، حتى المعاصرين منهم ، يتذكرون بمرارة الحملات العدوانية لنظام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ( غفر الله لنا وله ولكل الخطائين من المسلمين ) على نظام الحسن الثاني رحمه الله ومن خلاله على المغرب أرضا وشعبا ونخص بالذكر منها حملاته الإعلامية الواسعة وحملته العسكرية الشهيرة التي آزر بها عدوان الجيش الجزائري على القوات العسكرية المغربية على حدود الصحراء الشرقية بداية ستينيات القرن العشرين .. لكن لمذا كل هذا العداء المصري المستدام ؟؟
كل المسلمين والمسيحيين واليهود يعلمون علم اليقين أن العداء العربي العربي هو أقوى وأعظم وأخطر على الأمة العربية وعلى الإسلام من العداء العربي الصليبي والصهيوني .. وكل هذا العداء البغيض بين العرب أوجده ورعاه زعماؤهم فوق رمال عربية تحركها الدسائس الصليبية والصهيونية التي جعلت من تعلقهم حتى الموت بأهذاب السلطة والزعامة ، ومن حبهم الأعمى للثروة والجسد الناعم زيتا يؤجج على الدوام نار عداوتهم وحروبهم فقط على من يتزعمهم :
فالمصريون كانوا دائما ومازالوا ، ومعهم كل العرب ، يعتبرون أن مصر هي أم الدنيا .. وكانت مصر ومازالت ، قيادة وشعبا ، تعتبر نفسها هي قاعدة العرب وتاريخهم ودماغهم ولسانهم وقاطرتهم .. وهي الأخ الأكبر لكل العرب ، وبموجب ذلك فلها الحق الشرعي في التصرف فيهم وبهم كما يحلوا لساستها ولبعض من شعبها . وعظمت هذه النزعة ، الاستعلائية الوهمية والمحرمة دينيا وأخلاقيا ، في عهد الرئيس جمال عبد الناصر رحمه الله ومن بعده ، وسرت في الجسم العربي وتغلغلت في دماغه وكيانه حتى آمن بها واعتنقها كل العرب واستسلموا لمفعولها وكان الاتثناء مغربيا فقط :
كل المغاربة – ككل العرب – أقروا ويقرون بطول وعرض تاريخ الدولة المصرية وبزخمه الحضاري .. ويقرون كذلك ، وبكل فخر واعتزاز ، بالمستوى الفكري والعلمي الراقي الذي حققه الشعب المصري ، ويشهدون على أن مصر هي العمود الفقري للعالم العربي وقلبه النابض . لكنهم كذلك يرون مالم يعترف به المصريون وما لم يراه العرب .. يرون أن ذلك التاريخ بطوله وعرضه وبعظمة حضارته لم يغير من واقع وحال الشعب المصري المعاصر الذي تجرع - ككل إخوانه الصغار العرب – مرارة وقساوة الاستعمار القديم والحديث وهول الديكتاتورية المطلقة والبرجوازية المتوحشة التي التهمت كل شيء في مصر ونشرت في مجتمعها الفقر المدقع والشامل إلى أن تولدت فيه عدة ظواهر خطيرة على الدولة المصرية كظاهرة الخيانة الوطنية .. ليكتشف الشعب المصري متأخرا أن زعماءه – ككل الزعماء العرب – كانوا فقط يوزعون على كل أفراده الوهم بالمجان ويحكمونه بالمطرقة والسندان وينهبون خيراته وثرواته بشعارات غليظة لا تملؤها إلا تلك النزعات العربية الاستعلائية الوهمية .
وإذا كانت مصر هي أم الدنيا والعرب أبناءها فالمغاربة ، من القدامى إلى المعاصرين المتحمسين بحماس وحنكة وشجاعة يوسف بن تاشفين وأحمد المنصور الذهبي والمولى إسماعيل ومحمد بن عبد الكريم الخطابي ومحمد الخامس والحسن الثاني ، رأوا ويرون ما لم يقتنع ويقر به المصريون والعرب : يرون ( مجازا ) أن المغرب الشاب هو أبو الدنيا ، ويرون أنه كان منذ أن قامت دولته ومازال هو الذراع الأيمن للأمة الإسلامية كلها وسيف الإسلام في أقصى غربه وقاهر الصليبيين في عقر دارهم وعلى حدودهم .. الصليبيون الذين مازالوا وسيبقوا مدى الحياة يعتبرونه غولا يهدد وجودهم ويتوقعون قدوم يوم قيامتهم من على أرضه أو من تحت بحاره رغم كثرة وقوة مآمراتهم ودسائسهم ووحدانيته وتواضع إمكانياته وتكالب أبناء عمومته عليه وكيدهم اللامنتهي له .. وأيضا للتذكير فقط فالمغاربة هم أجداد وآباء الفاطميين الذين حكموا مصر وامتدادها لعهد طويل .
كل هذه الوقائع لم تكن إلا بعضا من أسرار قليل العداء من كثيره البغيض الذي يكنه بعض من المصريين والعرب للمغرب وللمغاربة .. عداء ضخم وسام دفين قد يكون أعظم وأخطر من ذلك الإسباني والأوربي .. فنسأل الله عز وجل السلامة لكل المسلمين من عداء وكيد ومكر الأشقاء .
- محمد المودني - فاس .
( ماي 2013 ) .
التعليقات (0)